روبن هود شرعي

همام أحمد العطاوي

همام أحمد العطاوي

كم كنت أتشوق كل يوم لمشاهدة حلقته، أجل فهو بطلي وأنا معجب به، إنه الشاب ذو الثياب الخضراء والقبعة ذات الريشة الحمراء، كنت أظل كل يوم واجماً أنتظره ليظهر أمامي على القناة الفضائية. ومن لا يحب روبن هود ناصر الفقراء ومعين المساكين، إنه الفارس السارق، نعم السارق، فهو يسرق من الأغنياء ليوزع على الفقراء. ولكن أليست السرقة مأخذاً على أي شخص مهما كان قصده؟ قد يكون المقصد منها إعانة الفقراء، ولكنها تبقى سرقة. ولكن الحمد لله الذي أعطانا وأوجب علينا نظام التكافل الإجتماعي المسمى بالزكاة، والذي يعمل عمل روبن هود وأكثر.

جلست ذات يوم لأكتب ميزات الزكاة والتي لا تتحقق بالطريقة المتبعة من روبن هود، فبدأت أفكر واستللت سلاحي القلم، فكتبت وحدي ومن غير أن أفتح باب كتاب ومن غير أن أستعين بالشياطين ومن غير اختلاس من الانترنت والتلفاز ما يربو على عشرين نقطة. تخيلت الزكاة مجسماً على شكل مكعب وقد تأملته من عدة اتجاهات.

عندما نظرت إلى الزكاة من أعلى وجدتها تؤخذ كل سنة مرة فقط ولا تزيد نسبتها عن 2.5 % من المبلغ الأصلي. وكذلك فإنها لاتؤخذ إلا عند وصولها إلى مقدار معين ولا تؤخذ إلا على أنواع محددة من الأموال. أما روبن هود فهو يأخذ الأموال كل مامرت عليه قافلة، وهو لا يأخذ جزءً ويترك الباقي بل يأخذها برمتها، وهو لا يهمه من أي نوع هي، ولا يفحص الكمية أوصلت النصاب أم لا.

عند رؤية مكعب الزكاة من الأمام نرى أن مصارف الزكاة كثيرة تصل إلى ثمانية مصارف. إذن فهي تشمل شريحةً أكبر من فقراء روبن هود. كذلك فإن الزكاة من الممكن أن تكون عابرة قارات فتوزع على البلدان البعيدة إن دعت الحاجة ولا تقتصر على المساكين القاطنين في مقاطعة (نوتينغهام) كما يفعل صاحبنا. وهي أيضاً لاتسبب الخسارة للأغنياء فمقدارها بسيط بالنسبة لهم ولكنها تكون ذات نفع كبير للفقراء. إضافة إلى أنها لا تسبب الشهرة لموزعها على حساب أصحاب الأموال، فروبن هود يأخذ شهرته عن طريق أموال غيره. ونلاحظ كذلك أن العامل على الزكاة يحبه الاثنان، الغني والفقير، على العكس من الآخر الذي يحصل على حب الفقراء ولكن يجني بغض الأغنياء.

الجهة اليمنى من المكعب تظهر لنا أموراً جميلة، فالزكاة تؤخذ برضىً من المأخوذ منهم (الأغنياء) من غير عنف ولا إرهاب، فهي لا تؤخذ بقطع الطريق ورماية السهام وإزهاق النفوس. بالتالي يتكون شعور إيجابي من الطرفين الأغنياء والفقراء تجاه بعضهما وشعور كلٍ بظروف االآخر. ثم يؤدي هذا إلى حب متبادل بين الناس عامة وتآلف يزيد أواصر المحبة والرحمة والتعاون في المجتمع.

انتقل معي أخي القارئ إلى الجهة اليسرى من مكعب الزكاة. هنا سترى أن الزكاة تحقق أيضاً في الأغنياء رغبة بالعطاء والبذل ابتداءً من أنفسهم من غير انتظار الحول لحلول وقت الزكاة، وهي كذلك تغرز فيهم شيئاً ألا وهو أن المال ليس هو غاية الحياة إنما هو وسيلة نشتري به متاع الدنيا الفاني أو نبتاع لذة الآخرة الباقية. إن انتقال الأموال من الأغنياء إلى الفقراء يقضي أولاً على نظام التمايز والطبقية ومن ثم يؤدي إلى اكتفاء الفقراء كما حدث في عهد الخليفة الأعجوبة عمر بن عبد العزيز.

عند الالتفاف إلى خلف المكعب، نلحظ أن الخلفاء الأوائل جعلوا الزكاة تسير بطريقة نظامية (مؤسسية) غير مرتبطة بشخص واحد، بحيث لو اختاره الله لمات الفقراء من الجوع.

في النهاية، أحببت أن أشارككم معلومة ً قرأتها تزامناً مع نظمي لأفكار هذا المقال أبهرتني. ألا وهي أنه كان هناك فارس عربي يعمل عمل روبن هود تماماً، يسرق من الأغنياء ويعطي الفقراء، وربما لا يبقي لنفسه شيء من الغنيمة، واسمه عروة بن الورد العبسي (من قبيلة عنترة).ولكنه كان يتفوق على الأخ روبن بشيء، ألا وهو أنه كان يسرق من الأغنياء البخلاء فقط، فيشفع لهم عنده كرمهم. وربما تلغى هذه الميزة لعروة إذا ظهر أن أغنياء (نوتينغهام) كلهم بخلاء.