بين الدين.. والعلم.. والخرافة
د. جواد بشارة يقتحم الماورائيات باحثا عن..
"سرّ الكون؟"
شريف أحمد
"ماهو الكون؟".. سؤال رغم أنه يبدو بسيطا وتقليديا في ظاهره، إلا أنه، في الواقع، يعتبر من أكثر التساؤلات عمقا وإشكالا وغموضا.. وهو أمر شغل، منذ فجر الإنسانية إلى اليوم، الناس والعلماء والفلاسفة والباحثين وفقهاء اللاهوت وغيرهم.. وأثار، ولايزال الكثير من الجدل.
وعن حقيقة الكون و"ألغازه" صدر للباحث العراقي د. جواد بشارة، في لندن، عن المؤسسة البريطانية للنشر "إي- كتب"، كتاب جديد، في 370 صفحة، تحت عنوان "الكون، أصله ومصيره.. نظرات بين العلم والاعتقاد والخرافة".
هل سنتصل يوما بالعوالم الأخرى في الكون؟، هل سيتحكم العلم بمستقبل البشرية في القرن الحالي وما بعده؟، هل نحن وحيدون في هذا الكون؟، متى يستيقظ الإنسان من خرافة الكون الواحد المحدود؟.. "هل يمكن للزمن أن يعود القهقري، وهل يمكن للنتيجة أن تسبق السبب والمعلول يتقدم العلة، وهل هناك حدود للوعي البشري والإدراك الإنساني والمعرفة البشرية؟ ناهيك عن التفكير بالثقوب السوداء وجغرافية الكون وطبيعة مكوناته، وما هو أصغر مكون مكتشف للمادة وهل هناك ما هو أصغر منه، ولماذا نتذكر الماضي وليس المستقبل، وكيف نفسر النظام الكوني القائم والعلم يقول أنه نشأ من الفوضى والعدم، وأخيراً وليس آخراً لماذا يوجد الكون؟"...
أسئلة عديدة حول الكون.. أصله ومصيره، يطرحها د. بشارة ويجيب عنها من خلال 40 فصلا، تبدأ بـ"قصة قصة الصراع بين العلم والدين"، وتنتهي بـ" ولادة المجهول في الكون والخافي أعظم".
ويشير المؤلف في توطئته إلى:
"أن أغلب الناس يعيشون أيامهم، ويقضون أعمارهم دون أن يفهموا العالم الذي يعيشون فيه. فمن النادر أن يفكر أحد بآلية تكون ضوء الشمس وأسبابه، في حين أن هذا الضوء هو العنصر الأساس للحياة على الأرض. ولا يفكر بالجاذبية التي تجعلنا ملتصقين بالأرض ولا نطير في السماء، ولا بالذرات التي تتألف منها المادة والتي نتكون نحن البشر منها أيضا والتي يغدو استقرارها سبباً في وجودنا. ولا ينتبه أحد عادة إلى الطبيعة ولا يتساءل دائما لماذا هي على هذا الحال ...".
ويضيف د. بشارة: "هنا يقتحم المرء نطاق الماورائيات ومجال الميتافيزيقيا، ويلج المنطقة المحرمة التي تتحدث عن الله أو غيابه، ومحاولة الإجابة على تساؤل آينشتين: هل كان لدى الله الخيار في خلق الكون؟ وحاول العلماء من بعده سبر فكر الله وسر تفكيره".
"ما المقصود بالكون؟"
من القديس أوغسطين، إلى ماركس، وآينشتين... ومن التفسير العلمي والفلسفي إلى التفسير اللاهوتي، يصحبنا المؤلف في "رحلته العلمية الكونية" بحثا عن معنى الكون، وأصله، ومعناه، قائلا: "إن الكون، بلا شك مفهوم واسع ومعقد ولكن ما نقصده هنا هو المكان والزمان الموجودين في الفضاء الخارجي والقابلين للمراقبة والرصد والمشاهدة والخاضعين للقياس ولقوانين طبيعية وفيزيائية جوهرية، دون أن يكون فيه عناصر مطلقة، أي هو ذلك الجزء المرئي والملموس والمكون من مجموعة من الأكداس والحشود من المجرات الصغيرة والكبيرة، القريبة والبعيدة جداً، والتي تعد بالمليارات، وفي كل مجرة هناك مليارات النجوم والكواكب وغيرها من الأجرام والغازات والأغبرة الكونية.
وما شمسنا سوى نجم صغير ومتواضع من بين 200 مليار نجمة في مجرتنا درب التبانة وحدها وربما أكثر من ذلك بكثير فهذا مجرد رقم تقديري، وكوكبنا ليس سوى حبة صغيرة ملحقة تدور في فلك الشمس من بين مليارات الكواكب السيارة التي يعج بها الكون، ولا تزيد عن جزء من مليار من قطرة ماء مقارنة بكميات مياه البحار والمحيطات في الأرض برمتها.
ينبغي أولاً استعراض التطورات الأخيرة للكون وجذورها التاريخية. فموضوع ولادة الكون أو بدايته كانت موضوع نقاشات عديدة ومعمقة، وكان هذا الموضوع حكرا على الأديان، لاسيما الأديان السماوية المنزلة التي تتفق فيما بينها على صيغة أن الكون ولد في لحظة محددة في ماضي ليس بالبعيد ويترتب على ذلك ضرورة وجود "العلة الأولى أو السبب الأول" الذي يفسر وجود الكون.
وقد قدرت الكنيسة الرسمية، استناداً إلى ما ورد في الكتب المقدسة، أن الكون ولد قبل خمسة آلاف سنة من ميلاد السيد المسيح كما جاء في سفر التكوين في العهد القديم، وهو الأمر الذي يختلف جوهرياً وكلياً مع التواريخ التي يقدمها علماء الآثار إلا إذا لجأنا إلى ما يمسى برمزية الأرقام والتواريخ وأن اليوم لا يعني بالضرورة اليوم الأرضي الذي نعرفه. سبق لفلاسفة كبار أن تصدوا لموضوع الكون مثل أرسطو وبطليموس وعمانويل كانط في كتابه "نقد العقل المحض" المنشور سنة 1781. وقد أشار عمانويل كانط إلى أنه قد يكون للكون لحظة بداية إلا أن هناك زمن لا نهائي سبقه وكان موجوداً قبله ومستقلاً عنه سماه بالزمن المطلق، أما زمن الكون منذ لحظة ولادته فهو الزمن النسبي.
وقد علق القديس أوغسطين على تساؤل بهذا الصدد وهو: "ماذا كان يفعل الله قبل خلق الكون؟" فرد بسخرية: "ربما كان يحضر الجحيم للذين يطرحون مثل هذا السؤال".
وجاءت نظريات الفيزياء الحديثة لتقدم أجوبة تقريبية ونسبية ونظرية للبت في أصل الكون وعمره ومصيره منذ بدايات القرن العشرين أشهرها نظرية النسبية لآينشتين وما تلاها. وحدثت انعطافة تاريخية سنة 1929 عندما اكتشف العالم إدوين هيوبل Edwin Hubble ظاهرة توسع وتمدد الكون مما يعني أن محتويات الكون كانت قريبة لبعضها البعض في الماضي السحيق الذي يعود إلى 10 أو 20 مليار سنة وكانت كثافة الكون لامحدودة الأمر الذي أعاد موضوع عمر الكون وولادته إلى طاولة البحث العلمي البحت. ومن هنا برز مفهوم أو مصطلح الانفجار العظيم Big Bang، عندما كان الكون لا متناه في صغره ولا متناه في كثافته.
وإذا قبلنا وجود "حالة" ما قبل الانفجار العظيم، ثابتة ومستقرة للكون، فهذا يعني بنظر القديس أوغسطين أن هناك كائنا خارج الكون هو الذي فرض عملية التغيير والحركة التي نشأت أياً كان شكلها وتسميتها لأنه لم تكن توجد أية ضرورة فيزيائية للتغير بدون محفز أو حافز عملي نسبه أوغسطين إلى الله. ثم جاءت النظريات العلمية في الفيزياء الفلكية لتقدم البديل العلمي للطرح والتفسير الثيولوجي أو الديني"".
"هذه الأطروحات والمواضيع هي محتوى الكتاب مطروحة باختصار وتبسيط شديد قدر الإمكان لتكون أقرب للفهم والاستيعاب من قبل الجميع".
لم يترك د. جواد بشارة نظرية أو افتراضا علميا أو حتى خرافة إلا وطرقه في هذا الكتاب الغني عن الكون. ولعله واحد من خير ما تم تقديمه باللغة العربية عن موضوع لا يتسم بالتعقيد والسعة فحسب، ولكنه مثير للجدل أيضا في كل مفصل من مفاصله.. لقد أثبت الدكتور جواد بشارة، وفق ما جاء في كلمة الناشر، أنه "كاتب مرموق وذو خبرة طويلة في التأليف، كما أثبت أنه كاتب علمي من الطراز الرفيع ويستحق عمله ان يحظى بالثناء، حتى ولو اختلفت معه، أو وجدت مبررا لنقده.. فتلك هي طبيعة العلم، على أي حال، في موضوع ما تزال البحوث بشأنه في أولها".
ويضيف الناشر الالكتروني العربي الأول: "لقد جعل د. بشارة من عمله هذا مرجعا مبسطا وشاملا، من دون أن يضحي بالقيمة العلمية لمادته. وهو عرضها ليس من اجل ان يقدم "فتوى علمية" محددة، وانما من اجل أن يضع أمام قارئه معظم النظريات والافتراضات والخرافات التي عالجت موضوع الكون وفهمنا له.
ولن يسع القارئ إلا أن يغرق به، ليس بفضل غناه المعرفي، ولكن بفضل لغته الرشيقة أيضا، والتي كشفت بحد ذاتها عن كاتب عميق الإطلاع. وهو يفتح بهذا الكتاب أبوابا كثيرة لمعارف يكاد الكثير منا لم يسمع بها. كما انه إذ يثير أسئلة لا حصر لها تقريبا، إلا انه لا يترك قارئه حائرا دون أجوبة واجوبة مضادة لها، إلا إذا كان العلم نفسه عاجزا".