صور ناطقة للتحوت والروابض 45 - 47
صور ناطقة للتحوت والروابض
أحمد الجدع
[45]
-------------------------------
الهجوم على الإسلام يتخذ صوراً كثيرة ، وأعداء الإسلام من أبنائه أشد حماساً من غيرهم من الأمم والملل في انتقاص الإسلام ومبادئه .
ولكن فئات وأشخاصاً من المسلمين يساعدونهم على ذلك لعدم فهمهم للإسلام ، ولتطرفهم في الحماسة له دون أن يتمثلوا تاريخه ورجاله .
الذين تمتلئ صدورهم رعباً من الحدود الإسلامية (أي العقوبات الصارمة لحماية المجتمع) يملؤون الأجواء صراخاً في التحذير من صعود الإسلام وتوليه زمام الأمور لأنه سوف يقطع يد السارق ، وسوف يسير المسلمون في شوارع المدن الإسلامية بأياد مقطوعة ، أولئك الذين نهبوا أموال الشعوب بالمليارات والملايين يخافون أن تقطع أيديهم لأنهم يدركون أنهم سرقوا وهم ليسوا بحاجة إلى المال .
الدين الإسلامي كل لا يتجزأ ، لا تطبق فيه العقوبات إلا إذا طبقت قبلها شرائع العدل والمساواة والتكافل ، ووزعت الثروات على مستحقيها ، ووفرت الحاجات للشعب كله ، وعم الأمن البلاد كلها ، ونشر العفاف في المجتمع عن طريق توفير الزواج للشباب والشابات ... عندئذٍ لا يبقى عذر لمن يسرق أو يزني أو يسكر أو يعكر أمن البلاد والعباد .
عندما أحاطت الأزمة المالية حول عنق الاتحاد السوفييتي ، طلب رئيس الدولة من علماء الاقتصاد أن يجدوا له حلاً ، فقدموا له عدداً من الحلول منها الأخذ بالنظام الإسلامي في الاقتصاد ، وعندما قرأ هذا النظام بتفصيلاته قال قولته المشهورة : نعم هذا هو الحل الناجع للمشاكل المالية التي تأخذ بخناق الاتحاد السوفييتي وتكاد أن ترديه ، ولكن هذا النظام لا ينجح إلا في مجتمع إسلامي .
الإسلام نظام كامل ، لا ننجح في تطبيق جزء منه دون الآخر لأن كل جزء منه يكمل الآخر .
في محاضرة للدكتورة الداعية المسلمة عائشة عبد الرحمن الملقبة بنت الشاطئ قام إليها أحدهم وقال : ألا تعلمين أن الإسلام يجعل القوامة للرجل على المرأة ؟ وبذكاء اتصفت به هذه المرأة الداعية وبفهم للإسلام عميق ردت قائلة بلهجتها المصرية : هات رجالة وخذ قوامة (أعطني رجالاً أعطك قوامة) .
حسبنا الله .
[46]
-------------------------------
تقدم عدد من نواب مصر في العهد الملكي الفاروقي باقتراح تدريس العلوم كلها في الجامعة المصرية (جامعة فؤاد الأول) باللغة العربية ، ورحب معظم النواب بهذا الاقتراح ، وأصبح من المؤكد أن يصوت عليه النواب بالموافقة ، وطلب "زعيم الأمة" أن يتكلم قبل التصويت ، فوقف مفنداً هذا الرأي ، زاعماً أن اللغة العربية غير مؤهلة لاستيعاب العلوم ، وإذا ما درست العلوم باللغة العربية تأخرت مصر ولم تلحق بالدول المتقدمة ، وكانت النتيجة أن سقط الاقتراح !
وعندما قرر مجمع اللغة العربية اختيار كلمة سيَّارة بدلاً من الأتوموبيل التي كانت سائدة في ذلك الوقت وقف عضو المجمع الأديب المشهور وعارض ذلك بشدة زاعماً أن كلمة أتوموبيل أصلح من كلمة سيارة ... وأدلى بالحجج ، وتحدى باقي أعضاء المجلس زاعماً أن الزمن سوف يثبت رأيه !
وذهبت كلمة أتوموبيل القبيحة وبقيت كلمة سيارة اللطيفة ، وليته يقوم من قبره ويرى !
كانت الحملة على اللغة العربية ولا زالت شديدة عنيفة قاسية من قبل الأعداء ، ومن قبل المستغربين من أمتنا ، ولكن الغيورين على هذه اللغة قاموا بالدفاع المجيد ، وقد برز من بين المدافعين أعلام من أدبائنا وشعرائنا ، وكان حافظ إبراهيم الشاعر المرموق ممن تفوقوا في الدفاع ، وهو الذي أطلق على العربية لقب : أم اللغات وهو يخاطب أهل مصر والشام :
أم اللغات غداة الفخر
أمهما |
|
وإن سألت عن الآباء فالعرب |
وهو الذي قال إنها البحر :
أنا البحر في أحشائه
الدرُّ كامن |
|
فهل سألوا الغواص عن
صدفاتي |
واليوم يطلع علينا مجمع اللغة الكونية الذي يتكون من عدد من علماء اللغة من جميع أنحاء العالم ، فيدرس لغات العالم ، ويقرر أن هذه اللغات آخذة بالاندثار وسوف لا يبقى منها خلال مئتي سنة قادمة سوى اللغة العربية ، وأن كل لغات العالم تحمل في طياتها بذور فنائها ، وأن اللغة العربية تحمل في طياتها بذور خلودها ... دراسات تعتمد على جينات اللغات ، ومن أراد أن يطلع على عجائب الله في هذه اللغة فليبحث في برامج الإنترنت عن اللغة الكونية .
هدية بشرى لأمة لغة القرآن ، وهدية أيضاً لمن ضلوا وتنكبوا لعلهم يهتدون .
حسبنا الله .
[47]
-------------------------------
تفتتت البلاد العربية مزقاً ، فأصبح دولة ما كان قرية !
وتراجع ما بين هذه الدول من تواصل وتراحم ، وغدا المسلم العربي في وطنه غريبا !
كانت دويلات العرب تفتنُّ في سن القوانين التي تفرق ولا تجمع ، وتثير البغضاء والأحقاد وتبثها بين الناس ، والناس في جهلهم يتبعون ذلك ولا يجدون في هذا الاتباع غضاضة .
طلع علينا المسؤولون بقانون ، ماذا يقول القانون ؟ يقول هذا القانون : إن من حق الطالب إذا وجد في نفسه المقدرة أن يمتحن في سنة واحدة بمقرر سنتين ، فيقفز صفاً فيوفر على نفسه سنة من سنوات الدراسة ، ولا يجوز له أن يفعل ذلك في عمره الدراسي إلا مرة واحدة .
سُرَّ لذلك الطلاب الأذكياء ، وتقدموا ، حسب هذا القانون ، ليحظوا بهذه الفرصة ، كان من بين المتقدمين عرباً ممن وجدوا في أنفسهم الكفاءة لذلك ولكن المسؤولين ردوا أوراق العرب وأفادوا بأن هذا القانون خاص بأبناء البلد .
حصروا الذكاء العربي وضيقوا عليه ، ولست أدري ما كان ضرهم لو منحوا هذه الفرصة لكافة الناس حتى ولو كانوا عجماً ، وحتى لو كانوا من غير المسلمين .
كان قرار الحرمان يشبه قرارات الحرمان التي كان يصدرها أرباب الكنيسة في عصور الانحطاط الغربي .
فشا بين طلاب المدارس التباغض والتحاسد ، وبعضهم سخر من هذا الحرمان وتندر به ، ولم يبال المسؤولون بذلك ، ولعل ذلك كان هدفهم .
نداءات التعصب وأفعال الأبالسة أخذت تسود الأقطار العربية حتى سمعت نداءات عجيبة تدعو إلى طرد العرب والزراية عليهم والضيق بوجودهم ، وأطلقت عبارات لا أجد في نفسي الجرأة على سردها وذكرها لأنها عبارات معيبة لا تليق بعربي ولا بمسلم ، ولا حتى بكافر له آداب وأعراف !
إذا كنت ذكياً في بلدك فأنت غبي ، وفي غاية الغباء إن كنت في بلد عربي آخر ، يا لله ، إلى متى يستمر بنا هذا الحال ، وإلى أين يقودنا هذا الكيد بنا ، وإلى أين المآل !
حسبنا الله .