لا تخافوا عليها.. إنها مصر المحروسة
بدر محمد بدر
أنعم الله على هذا الوطن الغالي بنعم كثيرة ومتعددة، وأفاء عليه سبحانه بالكثير من الفضل والمنة، وحباه بأهم الكنوز والعطايا، ومنها هذا الموقع الإستراتيجي الذي يتوسط الدنيا، ويطل على البحرين: الأحمر والأبيض، وهذا المناخ الطبيعي المعتدل صيفا وشتاء، وهذه الأرض الطيبة الخصبة والمنبسطة، وهذا النهر العظيم شريان الحياة النبيل، الذي يجري بالخير والبركة والنماء، وهذا الشعب الحر الأصيل والمتدين، وهذا التاريخ الحضاري العريق والمشرف لكل إنسان مصري.
ومن فضل الله علينا أن ينشأ الجامع الأزهر الشريف على هذه الأرض الطيبة قبل أكثر من ألف عام، هذا الصرح الشامخ هو كعبة العلوم الشرعية، وحصن الإسلام المنيع، ومدرسة الوطنية الحقة، ينشر فينا أريج الوسطية، ويرسخ لدينا معالم الإيمان والتوحيد، ويعمق في نفوسنا روح التسامح، ويزرع في قلوبنا حب الدين والوطن، ويحمي لغتنا العربية الجميلة، ويقدم لنا آلاف النماذج الرائعة من العلماء العاملين، والمفكرين الشامخين، والدعاة المخلصين، والأدباء اللامعين، والمجاهدين الأحرار.
ومن فضل الله علينا أن يتعايش الجميع على أرض مصر الطيبة، في انسجام وطني رائع، ووحدة وتلاحم شعبي خلاق، لا يعكر صفوه تطرف هنا أو استفزاز هناك، وليس لنا ـ ولله الحمد ـ تاريخ مشين في الحروب الدامية، الدينية أو المذهبية بين أبناء الوطن الواحد، مثلما عاشت وعانت دول أوربية، بل عشنا قلبا واحدا ويدا واحدة في مواجهة كل الظروف التي مرت بنا، ومهما حاول أعداؤنا أن يحيكوا المؤامرات ويكيدوا الدسائس، فسوف تتحطم على صخرة وعينا ويقظتنا ووحدتنا.
ومن فضل الله علينا كذلك أن ثورتنا الرائعة كانت سلمية وشعبية، شارك في صنعها كل أطياف المجتمع المصري، وكل تيارات الوطن الغالي، ولم يمتحن الله عزيمتنا ونفاد صبرنا بطول مدة هذه الثورة العظيمة، فقد انهار النظام البائد، في اللحظة التي ارتقى فيها إلى قمة الغرور والعنجهية والاستبداد، بعد 18 يوما فقط من اندلاعها، ولو ابتلانا الله بطول المدة، مثلما ابتلى به آخرين من أشقائنا الأحرار، في ليبيا واليمن وسوريا، لكان الابتلاء صعبا والامتحان قاسيا، لكن الله سلم.
ومن فضل الله على هذا الوطن الحبيب، أن يكون لدينا في هذه اللحظة التاريخية، هؤلاء القادة العظام في قواتنا المسلحة، الذين سيخلد التاريخ وقفتهم الوطنية الشجاعة لحماية أبناء الشعب المصري أثناء الثورة، وانحيازهم البطولي إلى صفوفه منذ اللحظة الأولى، فلم تنطلق رصاصة واحدة ضد مواطن مصري أعزل، ولم ترق قطرة دم واحدة من تلك الملايين التي خرجت تطالب بالحرية والعدالة ورفض الظلم والفساد، وكان هذا الانحياز البطولي أحد أهم أسباب نجاح الثورة.
ومن فضل الله أيضا أن يصر المجلس العسكري الحاكم على الانحياز بوضوح تام إلى إرادة الشعب، التي أعلنها في الاستفتاء الأخير على التعديلات الدستورية، وألا يعبأ بهذه الأصوات النشاز، التي تريد القفز على أول خيار ديمقراطي حقيقي يعيشه الشعب، مهما علا صوتها وازداد ضجيجها في وسائل الإعلام، وأن يصر على إجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها المقرر في سبتمبر المقبل، تمهيدا لإعداد الدستور الجديد وانتخاب رئيس الجمهورية قبل نهاية العام الحالي.
إنها "مصر المحروسة" بفضل الله سبحانه وتعالى أولا، ثم بأصالة شعبها المتدين، وبوعي رجالها الكبار، وبجهد شبابها الأطهار، وبأرواح شهدائها الأبرار، ومهما أراد أعداؤها النيل منها فهي بإذن الله محروسة، وما أجمل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا منها جندا كثيفا فإنهم خير أجناد الأرض.." إنها "مصر المحروسة" فلا تخافوا عليها.