بين الأزمة والثورة في سورية تتأرجح المواقف وينكشف الغطاء

بين الأزمة والثورة في سورية

تتأرجح المواقف وينكشف الغطاء

د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري

[email protected]

[email protected]

حتى الآن لم يعترف النظام السوري وكأنه لايعي حقيقة الأزمة الكارثية والتي تحيط فيه , مع أنه هو الذي صنع هذه الكارثة  بتراكم الأزمات التي وضع الشعب السوري فيها

فلم يترك أزمة معروفة إلا وطبقها على الشعب السوري , وتتعدد أنواع وأشكال الأزمات فمنها الأزمة السياسية والإقتصادية والإجتماعية , والإدارية , فمنها ماهو مؤقت كالأزمة المرضية أو وباء مرضي , ومنها ماهو متراكم تكون نتيجته كارثية على النظام وعلى المجتمع إن لم تعالج الأزمات في حينها

ومن التعاريف الكثيرة والمتعددة للأزمة يمكن لنا أن نورد التعريف المناسب للوضع الحالي في سورية

تعرف الأزمة (الأزمة فترة حرجة، أو حالة غير مستقرة تنتظر حدوث تغيير حاسم )

مع انطلاق الثورة التونسية , وأعقبتها الثورة المصرية , وتوجه الناصحون للنظام السوري بالسرعة القصوى في تفادي الأزمة المرتقبة والتي ستعصف بالبلاد , ولكن النظام كعهده أبرأ بنفسه عن الأزمات , وأن سورية تختلف عن غيرها , وأن الشعب السوري شعب متخلف يلزمه عقود حتى يعرف معنى التحرر

وعندما وجد النظام نفسه في رحى الثورة العربية وانطلقت المظاهرات في معظم المدن السورية , اكتشف فجأة أن الكارثة التي ستعصف فيه قد قربت إليه وحطت على كيانه , فاقداً كل السبل والوسائل لتفادي الكارثة والناتجة عن الأزمات المتراكمة , وثقافة النظام قائمة على مواجهة الأزمات الخارجية , وعدم المبالاة بالأزمات الداخلية , لأنه يعتمد على حلها في سياساته الأمنية ومعظم موارد الدولة مخصصة لدعم هذا الجانب للحفاظ على النظام القائم , واعتقد واهماً أن هذا هو الأسلوب الوحيد والذي من خلاله يمكن قمع كل الأزمات الداخلية والتي يمكن أن يكون لها أثراً على وجوده كنظام قمعي مستبد

فاستخدم الأمن بشتى صوره ففشل في اسكات الثورة واستخدم الجيش , فلم يفلح واستخدم معهم ساقطوا ومجرموا المجتمع , وكانت النتيجة زيادة في زخم المناهضين للنظام ونضوج الثورة يوما بعد يوم , فعندما كان يتعرض للأزمات الخارجية ,يقع الأثر على الشعب السوري من حصار وفقر وحاجة  , وكل من يشتكي من الوضع الجديد فالجدار الأمني منصوب لتحطيم من تسول نفسه على الإعتراض ولو   همساً , وكل هذه الأزمات الخارجية كانت مصطنعة ومفبركة له حتى يظهر بأنه النظام الممانع والمقاوم وإعطاء صفة الوحدانية في الموقف الوطني لإسكات كل من ينادي بالتغيير

الثورة هنا جاءته كالصاعقة مفاجأة له لم يعد العدة لها , فهو مازال يفكر بعقلية القرن الماضي , والحياة بين قطبي الصراع آنا ذاك , الشرقي والغربي , ومهارته في الرقص على الحبلين وباطنيته المعهودة

فعندما انتصر على الشعب في الثمانينات والتأييد العالمي المطلق له ومساعدته في إخفاء جرائمه ضد الشعب السوري , تكهن أن هذا الوقت كما هو في السابق , ولكن نسي وجود الكمرات والتي يحملها غالبية الشعب السوري في هواتفهم الخاصة ونسي كذلك وجود وسائل الإتصال الحديثة والمواقع الإجتماعية على الشبكة العنكبوتية , فظن في نفسه واعتقد كما يعتقد فيه البعض من الجهلة أنه إله قادر على أن يقول كن فيكون

وانكشف غطاؤه وظهرت سوآته للمقربين منه قبل أعدائه , واستعادت الذاكرة جرائمه القديمة لتكون ركيزة للتقارير الإعلامية وربط القديم بالحديث ولم يع أن التاريخ هو روح الشعوب

فالأزمة الإقتصادية والتي جعلها النظام أزمات متراكمة بعضها فوق بعض لم يحاول حل واحدة منها وإنما زادها في الفساد الإقتصادي والإداري وإطلاق اليد للمقربين في الفساد حتى وصل الإقتصاد  السوري لمرحلة , من أزمة سياسية بسيطة ينهار انهيارا كبيراً تكون كارثية بكل معنى الكلمة , كما نراه اليوم في أن النظام لن يستطيع الصمود كثيراً حتى ينهار اقتصادياً ناسفة النظام بأكمله

الثورة على الأرض ماضية وانهيار النظام بات وشيكاً , والدعم الخارجي والذي كان ينقذ النظام من أزماته جفت ينابيعه , والجيش والأمن بدأت جدرانه بالتشقق والتصدع , وشرعيته تتهاوى خارجياً , وغالبية الشعب السوري لاتعترف بشرعيته على الإطلاق وخصوصاً بعد كسر حاجز الخوف

وهنا على جميع مكونات الشعب السوري أن تختار :

أولاً : الثورة في الشارع قالتها صراحة وعبرت عنها بقوة لامساومة ولا حوار حتى يسقط النظام , والحوار الوحيد الممكن عندهم مع النظام الساقط هو (أعيدوا لنا شهداءنا إن استطعتم وحاوروهم ونحن معهم )

ثانياً : لامانع من عقد المؤتمرات للشخصيات الوطنية والمثقفين الأحرار وأحزاب المعارضة , بشرط أن يدرس دراسة وافية أي مؤتمر قبل انعقاده وتحديد أهدافه بحيث لايخرج عن نطاق الهدف والذي من أجله رفعت تلك الأرواح الطاهرة للسماء من أجل إسقاط هذا النظام الفاجر , وهو إن قلنا عنه نظام فلا يعني ذلك إلا مجازاً , بينما في الحقيقة ماهم إلا مجموعة من اللصوص والقتلة والخونة والمجرمين

ثالثاً :على الجميع أن يختار بين أن يلتحق بالثوار والموجودين في الشارع ليكونوا عوناً لهم وسنداً لهم , لاأن يجعلون من أنفسهم ممثلين لهم , وأقصد بذلك المعارضين للنظام , وأن ينسقوا فيما بينهم ويشكلون مجلساً فليسموه ماشاءوا , بشرط أن لا يكون هذا المجلس هو من أجل الحوار مع النظام , والمساعدة على إضفاء الشرعية له كما تسعى لذلك أمريكا , في عقد مؤتمر بين الطرفين , والإنتقال الديمقراطي مع بقاء بشار والمقربين له في الحكم وأن يختار بشار 100عضو في مجلس الشعب الجديد بالإضافة لسيطرته على الجيش والأمن

وحتى لاتتأرجح المواقف بين الفئات المؤيدة للثورة وطعن الثورة الشعبية من داخلها وتمزيقها , فلا بد من الثبات والسير في الطريق مع الثورة حتى يسقط النظام لبناء نظام حر يرتضيه غالبية الشعب السوري , لاأن يسير بخطوات في طريق الثورة وعينه على النظام وينتقل مرة أخرى بسرعة وبحركة وبدون هدف