ندوة عن الشيخ الطيب العقبي بنادي الترقي

د. مولود عويمر

أستاذ التعليم العالي بجامعة الجزائر 2

نظمت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ندوة حول " حياة وآثار الشيخ الطيب العقبي"، وذلك يوم السبت 7 رجب 1432 هـ/ 11 جوان 2011م بنادي الترقي.

بدأت أشغال الندوة بتلاوة آيات بينات من القرآن الكريم، ثم رحب الدكتور محمد شابوني رئيس الجلسة بالحاضرين الذين اكتظت بهم القاعة وعلى رأسهم عائلة الشيخ الطيب العقبي.

قدمت المحاضرة الأولى الأستاذة عفاف زقور أستاذة التاريخ بجامعة خميس مليانة عن نشاط الشيخ الطيب العقبي في الجزائر العاصمة بين 1931 و1960. وتحدثت أولا عن المرحلة الأولى التي امتدت حتى سنة 1938 فنشط أثناءها الشيخ العقبي تحت ظلال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين كمحاضر وداعية في مدارسها ونواديها، وكمشرف على جريدتها الأسبوعية "البصائر".

أما المرحلة الثانية تميزت بنشاط العقبي في الجمعية الخيرية والإشراف على جريدته "الإصلاح". وتوقفت المحاضرة كثيرا عند هذه الجمعية الكائنة بالقصبة والتي اهتمت بالتربية والتعليم، وفتحت ورشات لتعليم البنات فنون الخياطة والطبخ.

وجاءت المحاضرة الثانية بعنوان: "الشيخ الطيب العقبي الأديب الشاعر" للأستاذ محمد العلمي السائحي؛ المكلف بالإعلام في جمعية العلماء، لتكشف عن الجانب الأدبي من شخصية الطيب العقبي.

وبين الأستاذ السائحي أن الشيخ العقبي كان شاعرا مفلقا امتاز شعره بسلاسة التعبير وعذوبته وتنوع أغراضه حيث نظم في المدح والوصف والغزل والحكمة؛ وأن شعره ذلك حقيق بالجمع والدراسة من طرف الباحثين لاختيار نماذج منه تدرج في مناهج الأدب حتى يستلهم الشباب مواقفهم وأفكارهم وأساليبهم في التعبير عن عواطفهم وأحاسيسهم.

أما الدكتور مولود عويمر؛ المكلف بالتراث والبحث العلمي في الجمعية فقد تحدث عن محطات مضيئة في مسار الشيخ العقبي بين الحجاز والجزائر. فقد درس العلوم اللغوية والشرعية في الحرم النبوي بعد أن هاجرت أسرته الجزائر واستقرت بالمدينة المنورة.

وعالج المحاضر مشاركة الشيخ العقبي في الثورة العربية التي قادها الشريف الحسين سنة 1916 وتعرضه للنفي إلى تركيا بسببها.

وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، عاد إلى مكة فأكرمه الشريف الحسين وأحسن مثواه وولاه إدارة جريدة القبلة المكية والمطبعة الأميرية. وأكد المحاضر على أن هذا الجانب من حياة العقبي مازال في حاجة إلى الكشف عنه وتوجيه البحث نحوه.

عاد الشيخ العقبي إلى الجزائر في عام 1920 واستقر بمدينة بسكرة لأداء رسالته وتبليغ الدعوة ونشر الوعي، واستعان على ذلك بتأسيس صحيفة "صدى الصحراء" ثم جريدة " الإصلاح"، كما كان يكتب في جريدة المنتقد والشهاب.

وانتقل إلى الجزائر العاصمة في عام 1931 بعد إلحاح أعيانها ليحاضر أسبوعيا في نادي الترقي. وكان وجوده بالعاصمة أعطى روحا جديدة للنشاط الثقافي فيها، وقدم دفعا قويا للحركة الإصلاحية في الوسط الجزائري؛ فكان يتنقل عبر المدن والقرى للتبليغ والإرشاد، والدعوة لتأسيس المساجد والمدارس والنوادي الإصلاحية.

كما أشرف بنفسه على توجيه وترشيد مجموعة جمعيات وعلى رأسها جمعية الشباب الموحدين التي كان يرأسها آنذاك الشاب الداعية أبو بكر جابر الجزائري.

وبعد المحاضرات فتح المجال للمناقشة، فقدم العديد من الشيوخ والأساتذة شهادات حية عن نشاطات الشيخ العقبي، واستحضروا ذكرياتهم عن دروس هذا العالم الجليل في نادي الترقي.

وأقر هنا أنني تأثرت ببعض هذه الشهادات التي عرف أصحابها البسطاء كيف يستقدمون الماضي بصورة جذابة ويقدمونه بشكل مؤثر للمستمعين الذين حضروا بقوة حتى امتلأت بهم القاعة الكبرى.

وأجاب الأساتذة على بعض الأسئلة وردوا على التعقيبات، ثم قدم كاتب هذه السطور الكلمة الختامية دعا من خلالها أسرة العقبي وأصدقاءه إلى فتح أرشيفه وتسليم نسخ من وثائقه المختلفة خاصة مراسلاته مع علماء الجزائر والمشرق العربي إلى الباحثين.

وأكد في الأخير على أن هذه الوثائق هي ملك للإنسانية، وهي بلا شك ستدعم المكانة العالية للشيخ العقبي في سجل رجال والإصلاح والتجديد في العصر الحديث.

وتواصلت المناقشات في كواليس النادي بعد أداء صلاة العصر وهذا ما يدل على تعطش الشباب لمعرفة تاريخهم والاطلاع على تراث علمائهم.

إن مسؤولية المثقفين وأصحاب القرار كبيرة تجاه هؤلاء الشباب للرد على تساؤلاتهم، والاستجابة لهمومهم، وإرواء عطشهم لتاريخهم وتراثهم.