ثورة مستحيلة
خميس عطية الله
مشاعر مختلطة تعتلج في داخلي تجاه إخواني في المدن الشامية ..
وأنا أشاهد شاشة التلفاز وأرى الجموع الغاضبة التي مزقت رداء الخوف، وأحرقت أصواف الحملان، وأبت كل صوت غير الزئير الذي تزينه عبارات (الله أكبر)..
نعم .. الله أكبر من كل ظالم ومن كل جبار متغطرس، والله يمهل للظالم لكنه لا يهمله .. وإذا حانت ساعة التغيير أملى له الله ليتجبر ويعلو في الأرض ويسعى فيها فساداً، يستضعف الناس ويقتل ويحرق ويدمر .. ظاناً أنه لن يقدر عليه أحد .
من منا لم يفرح بزوال عرش جبار تونس، ومن بعده جبار مصر..
لكن زوالهما كان أشبه بمسرحية مصنوعة بالنسبة لما يحصل في سورية، وما يقوم به مجرم سورية ليس شيئاً غريباً، ولا أمراً غير متوقع، وكان مثل هذا متوقعاً من مجرمي تونس ومجرمي مصر، لقد أثار استغرابي وقوف الجيشين التونسي والمصري على الحياد ؛ فلم ينضموا لصفوف الغاضبين، ولم ينصاعوا لأوامر المجرمين، ومصدر الاستغراب أننا لم نتعود من قادة هذه الجيوش استقلالاً برأي ولا شجاعة في موقف مشرف، حتى كان ما كان وظهر للجميع أن وراء الأكمة ما وراءها .
لكن ما أدهشنا وأدهش العالم حقاً هو انتفاضة شعب شهد أسوأ المجازر التي عرفتها البشرية في العقود الأخيرة، ولا زالت جرائم النظام نفسه ماثلةً في ذاكرته وأمام عينيه، لم ينس أهل حماة بعد .. ذلك القتل المنظم الذي مارسته عصابات علي حيدر، ولا زال سجن تدمر شاهداً على المجزرة الأليمة التي ارتكبت بحق السجناء على يد السفاح رفعت، مجزرة حي المشارقة بحلب، مجزرة مصنع السكر بجسر الشغور، مآسي المظليات في دمشق، الرعب الذي عاشه الناس، الاعتقال العشوائي، بث العيون والجواسيس بين الناس، بث الفرقة بين الأخ وأخيه والأب وأبنائه، والرجل وزوجه .. أزمات نفسية، وعاهات مزمنة، وسجناء لا يعرف عنهم ذووهم شيئاً، مئات الآلاف من الهاربين والنازحين والمغتربين، الانتماء لفكرة معينة قد يعني سجناً لعشرات السنين، وانتقاد شخص الرئيس بكلمة قد يعني الإعدام تحت أقدام عبيد النظام السفلاء ، ثم بعد كل هذا يخرج شعب أعزل (رجالاً ونساءً) ليعلن - ولو بالكلمة - أنه سئم حياة القهر والهوان، وأنه يتطلع إلى عيش كريم، وأنه لا فرق عنده بين أشكال الموت .. سواءً تلك التي يموتها الشعب تحت سياط الجلادين أو التي يموتها خلال حياته اليومية الذليلة الحافلة بالقهر والضيم والاستعباد على يد مرتزقة يصبحون الناس ويمسونهم بوجوه قترة عليها غبرة .
جال في خاطري أن الشعب السوري سيكون آخر الشعوب ثورةً وانتفاضة، ولو كان كذلك فالعذر كل العذر معه، وقد قلت لصديق لي أكثر من مرة .. الشعب السوري سبق بثورته الأولى الشعوب العربية بثلاثين عاماً ، فواجه ما لم يخطر ببال أحد من البأس والتنكيل ، فمن المستحيل أن يحصل في سورية ما حصل في تونس ومصر .. بله المظاهرات المؤقتة في عدد من الدول العربية ، لأن الخروج عندنا معناه بذل الدم !!
واليوم مظاهرات وهتافات بسقوط النظام في درعا المحاصرة، وحمص الجريحة، وحماة الثائرة، وبانياس ودوما والحسكة والدير ومدن وقرى محافظة إدلب ومحاولات متكررة في دمشق وحلب تجد القمع والسجن والاعتقال بانتظارها دوماً .. ، ومن الملفت المفرح روح التآخي المنتشرة بين الناس، عندما يهتف أهل بانياس بنصرة درعا، ويهتف أهل دوما بنصرة بانياس، ويضع أهالي القرى المجاورة الإطارات المشتعلة على الطرق العامة لمنع وصول الدبابات إلى جسر الشغور حتى يضطر المجرم إلى استعمال الطائرات والمروحيات .
لا أدري ما هو شعوري بالضبط !! ولا أستطيع تفسير دموعي المتدفقة .. هل هو الفخر بشجاعة قومي؟ ، أم هو تجدد الأمل بقرب طلوع الفجر؟ ، أم هو الخوف عليهم والحزن على قتلاهم؟ أم هو الجزع من نفسي .. والحزن على بعدها عن ميادين البذل والتضحية ؟ .
لكن شيئاً واحداً أستطيع تأكيده .. هو أننا في الثلث الأخير من الليل وفي أوج العاصفة وليس بيننا وبين الفجر إلا ساعة أو بعض ساعة لكننا تعودنا على النوم المتأخر فصعب علينا النهوض للفجر والأمر بحاجة لمجاهدة شاقة .
اللهم اجعلنا ممن يشهد فجر النصر في الصف الأول مع الجماعة .