صور ناطقة للتحوت - والروابض 36+37+38
صور ناطقة للتحوت - والروابض
36+37+38
أحمد الجدع
[36]
في السبعينيات من القرن العشرين سادت الفوضى في البلاد العربية ، فوضى في كل شيء ، ولكن أسوأ هذه الفوضى كانت فوضى الأخلاق !
نعم ، كانت الفوضى تسود السياسة ، وتسود حتى الكفاح المسلح !
تفتحت القرائح المنحرفة عن نوع من الكفاح المسلح أساء لقضية فلسطين إساءة كبرى ، وتمثل ذلك في خطف الطائرات المدنية ، والتهديد بقتل راكبيها ، وهؤلاء الراكبون ليس لهم ذنب ، وربما كان معظمهم من أنصار فلسطين .
أقول : يُهَدَّدُ البريئون بالقتل ، والمجرمون الحقيقيون آمنون ، بل يودون أن تفجر الطائرات بالأبرياء حتى يتباكوا عليهم ، وحتى ينفروا الناس من فلسطين والفلسطينيين ...
ذات صباح أفاق الناس على خطف طائرة مدنية ، جابت الآفاق ، وكل المطارات تأبى لها النزول فيها .
وجال الإعلام جولاته ، كل يندد ، وكل يهدد ، والقابعون داخل الطائرة يموتون في كل دقيقة يقضونها في الجو ومصيرهم معلق في السماء ، بأيدي الخاطفين باسم فلسطين !
هذا حال من أحوال الطائرات المخطوفة .
أما الحال الآخر فهو كما يلي :
إحدى الإذاعات العربية أخذت تبحث عن ذوي المخطوفين ، وتجري معهم مقابلات عاطفية ، وتلقى منهم خوفاً وهلعاً على ذويهم ، إلا واحدة !
نعم ، تبين أن الطائرة المخطوفة كانت متوجهة إلى بانكوك ، وكانت بانكوك مشهورة بما فيها من بنات الهوى .
قال المذيع لزوجة أحد المخطوفين يواسيها ويشد على أياديها : ردّ الله زوجك لك سالماً معافى .
فوجئ المذيع بالردّ : لا ردّه الله ، وأسأل الله أن يكون أول الهالكين !
ارتبك المذيع وهو يسأل : لماذا ... لماذا ؟
قالت الزوجة : لقد قال لي زوجي أنه متوجه لأداء العمرة في بيت الله الحرام ، وتبين لي أنه ذاهب إلى بانكوك ليقترف الحرام .
توقف اللقاء ... وصمت المذيع ...
حسبنا الله .
[37]
في أوائل الستينيات من القرن العشرين قامت ثورة في اليمن ، فاحتل الجيش صنعاء ، واستطاع البدر إمام اليمن أن يفرّ إلى الحدود السعودية وأن يحتمي بالقبائل اليمنية .
ساعدت السعودية الإمام البدر ، وساعدت مصر الناصرية الثائرين في صنعاء ، ولكن جيش الإمام البدر أخذ في الزحف على صنعاء ، فأرسلت مصر جيشها لنصرة الثائرين على الإمام .
ودارت حرب طاحنة كان وقودها شعب اليمن .
ولم يُجد أن أرسلت مصر جيشها ، فعززته بطائراتها التي أخذت تقصف منازل القبائل وتفتك بهم ، فازداد حنق القبائل فأخذوا كلما أسروا جنوداً مصريين مثلوا بهم وأطلقوهم فكثر أولئك المشوهين ، وأصبحوا مشكلة للنظام الحاكم في مصر ، وقيل إنهم أرسلوا إلى مصر في سفينة غرقت قبل أن تصل !!
وأخذت أنباء المآسي التي ترتكب في اليمن تتسرب إلى الصحف التي أخذت في إذاعتها ، وربما المبالغة في تصويرها .
وأخذت هذه الأنباء تتسرب إلى مجالس الناس الذين كان سوادهم مؤيداً لمصر في حملتها على اليمن ، ومعضداً لزعيمها في حشد هذه الجيوش وإرسالها هناك ، ولكن أهل اليمن لم يكونوا راضين عن ذلك ، فقاوموا ، وانتفدوا حتى إن عمدة إحدى القرى عندما قصفت طائرات مصر قريته أرسل برقية لرئيس مصر يلفت نظره إلى أن هذه القرية التي قصفت ليست قرية إسرائيلية !!
كنت جالساً في أحد النوادي في بلدتي فيما تبقى من فلسطين ، وكان إلى جانبي صديق من أهلنا من فلسطين ، فانتقدت ما يقوم به الجيش المصري في قتل آلاف اليمنيين بلا ذنب اقترفوه ، وأذكر أنني قلت : يبقى الشعب اليمني شعباً عربياً !!
فرد عليّ جليسي قائلاً : وهل تعتبر شعب اليمن شعباً ، إن من حق الرئيس العظيم أن يقتل من يشاء في سبيل تحرير الأمة استعداداً لتحرير فلسطين .
مسكينة أنت يا فلسطين ، كم جرائم ارتكبت باسمك وأنت منها براء .
عاد الجيش المصري إلى بلاده عام 1967 ، وفي العام نفسه هزم أمام إسرائيل هزيمة نكراء !!
حسبنا الله .
[38]
كل مشاكل الأمة العربية ومن ورائها الإسلامية نابعة من هذا السرطان الذي زرع في جسدها باسم إسرائيل .
ما كان يمن لهذا السرطان أن ينتشر في جسد صحيح ، ولكنه وجد جسداً مريضاً فتمكن منه ، وانتشر شره .
الأجساد العربية المريضة كانت الجدار الذي يحمي إسرائيل ، والغريب أن أصحاب هذا الجدار كانوا ينتفخون كلما حزب أمر فيهددون ويتوعدون ، ثم يتلاشى هذا الانتفاخ ويتبدد التهديد .
تماماً كما قال القائل قديماً : كالهر يحكي انتفاخاً صورة الأسد !!
يحلو لهذا الكيان الإسرائيلي أن يتلاعب بالمنتفخين ، فيرسل طائراته عبر الحدود فيضرب ويخرّب ويقتل ويجرّح .
عندما أغارت طائراته على مدرسة بحر البقر ، وثار الناس لهذا العدوان الآثم الذي قتل عشرات الأطفال ، تصدى الزعيم العظيم لهذا العمل الشرير ، وتوعد بالرّد ، ولكن في الزمان والمكان المناسبين .
ومات الزعيم العظيم ولم يتحدد المكان ولا أتى الزمان .
وعندما اغارت طائرات هذا العدو اللدود على عراق المجد والعراقة ، كان زعيمه منشغلاً بالحرب مع إيران والكويت ، فسكت على الإهانة ، ولما رأى شعبه يتململ أطلق القذائف من فمه : سنرد في المكان والزمان المناسبين !
وذهبت قذائفه القيمة أدراج الحروب العبثية ، أو البعثية !
وعندما أغارت طائرات العدو على أماكن حساسة من بلاد الأمويين ، كانت جرأة الرئيس تتبدى بالتهديد : لن يمر هذا الاعتداء دون عقاب ، ولكن لن نسمح للعدو أن يجرنا إلى حرب لم نستعد لها ، ونحن الذين سوف نرد في الزمان المناسب والمكان المناسب !
ومرت الأيام والليالي ولا زلنا في انتظار استعداد لم يتم ، ورد لم يحدث .
للزمان والمكان مفهومهما في كل اللغات إلا اللغة العربية في زمن التحوت والروابض !
حسبنا الله .