حوار الطفل حمزة مع الشبيحة الساديين

(حوار قبل الشهادة)

الطفل حمزة الخطيب

(شهيد تعذيب أجهزة الأمن السورية)

د. هشام الشامي

[email protected]

خرج حمزة الخطيب و ثامر الشرعي و أترابهم من أطفال الجيزة في حوران الثائرة ؛ و هم يحملون ما يستطيعون من الطعام و الشراب و اتجهوا إلى مدينة درعا المحاصرة بالدبابات و المدفعيات و حاملات الجند ؛ ليقدموا واجب العون و المساعدة لأهلهم المحاصرين و المنكوبين في درعا الجريحة .

خرجوا يحملون معهم براءة الأطفال ؛ و إرث النخوة العربية ؛ و واجب نصرة المظلوم ؛ وإغاثة الملهوف ؛ تلك الأخلاق التي تربوا عليها ؛ في محيطهم الريفي الطيب ؛ و مجتمعهم العشائري الشهم ؛ و بيئتهم المعطاءة الكريمة .

خرجوا وقد سمعوا عن أتراب لهم في درعا – هم بأعمارهم البريئة ؛ و أجسادهم الغضة الطرية- يتضورون جوعاً ؛ و يموتون عطشاً ؛ و ينامون على أصوات أصوات القنابل و الانفجارات ؛ و يصحون على مناظر الموت و الدمار .

حمزة ذو الثلاثة عشر ربيعاً ؛ حمل ما يستطيع حمله من الطعام و الثياب ؛ و هو يحلم أن يصل إلى درعا فينفث كرب طفل جائع ؛ أو طفلة عطشانة ؛ أو رضيع  لا يجد حليبا ..

إنها جمعة فك الحصار عن درعا المحاصرة ...

لم يكن حمزة و رفاقه يحلمون في ذلك الصباح الحوراني الربيعي الجميل من يوم الجمعة المباركة أكثر من الوصول إلى مدينة درعا ؛ و توزيع ما يحملون على المحتاجين هناك و العودة بعد ذلك إلى أحضان أمهاتهم الدافئة ؛ ليصحوا باكراً و يحملوا حقائبهم ؛ و يتجهوا إلى مدارسهم ؛ رغم غياب كثير من أساتذتهم في الفترة الأخيرة ؛ بسبب حصار درعا الجريحة .

 كانوا يجدَون السير ؛ و يسابقون الزمن ؛ و يدافعون رياح الربيع الغربية التي تحاول إعادتهم إلى الوراء ؛ و ينتزعون أقدامهم الطرية بنشاط و حيوية كلما كانت تغور بتربة حوران الطيبة ؛ و كأن أرض حوران الوفية تود أن تسحبهم إليها و تمنعهم من الذهاب إلى ذلك المجهول الذي ينتظرهم .

كان الفتية يشجعون بعضهم بعضاً ، فمن قائل : ها قد اقتربنا من درعا الحبيبة . لآخر يقول : يالله يا شباب ذهب الكثير و لم يبق إلا القليل ... و لم يكن يقطع نقاشهم و مزاحهم إلا أصوات القذائف و القنابل التي بدأت ترتفع أصواتها المخيفة كلما اقتربوا أكثر من درعا..

صاح حمزة : ها يا شباب ابشروا.. لقد وصلنا .. لم يبق أمامنا إلا رمية حجر.

قال ثامر : سنصل بإذن الله .. أنا كبيركم .. أنا ابن خمس عشرة سنة ..و أعرف طريق درعا جيداً .. ابقوا خلفي يا شباب ..

قال أحمد : تريد أن تسبقنا .. لا والله سنصل قبلك إلى درعا..

ركض الفتية و هم يتسابقون و قد بدا عليهم الجهد والتعب و العرق يتصبب من جباههم الندية تحت حر الشمس التي ارتفعت في السماء المتجهمة ..

قطع صمتهم صوت من خلف تلك التلة الجرداء : قف .. قف ..مكانك إنت و ياه .. لا تتحركوا .. ارموا ما بأيديكم .. انبطحوا أرضاً يا كلاب ..

تسمر الفتية في أماكنهم .. لم يستوعبوا الأمر بعد .. من هذا الذي يصرخ بهم .. من هذا الذي يشتمهم .. التفتوا إلى مصدر الصوت .. سمعوا الرصاص ينهال صوبهم من كل اتجاه..

سمعوا صوت آخر يصرخ بهم قائلاً : أنتم لا تفهمون يا حمير .. نفذوا الأوامر فوراً..

قال ثامر : لا تخافوا يا شباب ؛ هؤلاء جنودنا البواسل ؛ لن يمسونا بسوء ؛ سنشرح لهم إلى أين نحن ذاهبون .. سيتعاطفون معنا .. لن يسلمونا للأمن .

قال إبراهيم : أخشى أن يسلمونا لعاطف نجيب فيفعل بنا ما فعل بأطفال درعا.

أجاب حمزة : مستحيل ؛ هؤلاء ليسوا من المخابرات ؛ هؤلاء هم جنودنا البواسل ، إنهم يرتدون البدل العسكرية ؛ أنهم سيحموننا ؛ و قد يحملوننا معهم بآلياتهم إلى درعا فنرتاح من المشي المتعب.

قطع جندي نقاشهم : انبطحوا أرضاً يا مناي.. ؛ لا تتحركوا ؛ من يتحرك بقوصوا ولاك..

شعر الفتية أن الموضوع خطير ، وخصوصاً أن أزيز الرصاص المتجه صوبهم لم ينقطع ..

تركوا ما بأيديهم و انبطحوا على بطونهم .

صاح أحد الجنود : تعالوا واحد واحد زحفاً ولاك..

بدأ الفتية يزحفون على بطونهم ؛ و قد بدأت الضربات بأطراف الرشاشات تنهال على رؤوسهم و ظهورهم .

ثم بدأ الجنود يمزقون ثياب الفتية و قمصانهم و يربطون بتلك المزق معاصمهم ببعضها خلف ظهورهم ، و يعصبون بها عيونهم .

ثم أخذوا يضربونهم بالعصي الكهربائية و الهراوات على رؤوسهم و ظهورهم و كامل أجسادهم ..

بدأ الفتية يبكون و يصرخون من الألم ..

-لماذا تقتلوننا ؟؟؛ ماذا فعلنا بكم ؟؟؛ نحن ذاهبون إلى درعا ؛ لنقدم لأهلها بعض الطعام و الشراب ..

صاح أحد الجنود : ها قد اعترفوا ، تقولونها بعظمة لسانكم .. تريدون إيصال المساعدات للمجرمين .. للإرهابيين.. للمندسين .. للخونة .. للعصابات المسلحة.

-لا يا سيدي لا يوجد مجرمين في درعا ( صاح حمزة ببراءة).

- هاتوا هالكلب ( صاح أحد الجنود)

جر اثنان من الجنود جسد حمزة الطاهر على الأرض من قدميه ؛ و رأسه يرتطم بالصخور ..

-قوم وقف يا حمار ( صاح الجندي )

قام حمزة متثاقلاً و رفع رأسه و هو يقول :

-  لماذا تقتلوننا ؟؟..

- أجاب الجندي بتهكم : نحن نقتل من نشاء وقتما نشاء ، لا أحد يحق له أن يسألنا لماذا نقتل يا كلب ..

- و لكننا لم نفعل شيئاً ..

- لقد فعلتم الكثير .. أنتم أهل حوران كلكم مجرمون  .. كلكم خونة .. كلكم مندسون..تستحقون الموت .. لقد تجرأتم على سادتكم .. لقد تظاهرتم ضد آل الأسد.. و أنتم جئتم لمساعدة هؤلاء المجرمين الخونة.

- هؤلاء أهلنا و ليسوا مجرمين..

تلقى حمزة صفعة على وجهه فسقط يتدحرج على الأرض و وقعت العصابة من فوق عينيه ..

هاتوا هالكلب بدوا يعلمنا مين مجرم و مين ما مجرم ؛ نحن بس يلي منقول مجرم و لا لاء ولاك.

وقف حمزة أمام الجندي متثاقلاً و الدنيا تدور به من حوله ؛ و هو يتمايل كالسكران يمنة و يسرة .و رفع رأسه و نظر في وجه الجندي ، فوجد وحشاً يتطاير الحقد و الشرر من عينيه الحمراوتين الجاحظتين  ..فصاح الجندي به وهو يوجه أصبعيه السبابة و الوسطى إلى عينيه بقوة :

- نزل راسك و لاك.. لا تطلع  لساداتك ..بقلعلك عينيك الملونتين بأصابيعي .

-آه .. عيوني .. صاح حمزة و قد أغمض عينيه النازفتين  ..

- منين جاين ولاء ؟..

- من قرية الجيزة..

- شو معكن؟؟

- معلبات و حليب أطفال و خبز..

- ما شاركت بالمظاهرات ولاء.. ؟؟

- شاركت ..

- اعترف سيدي .. اعترف مشارك بالمظاهرات ..شو كنتو تقولوا ؟؟ ..

- كنا نقول : نحن بدنا الحرية .. و الشعب السوري واحد..

ركزه أحد الجنود بأخمص مسدسه على رأسه و هو يقول :- خود هذي مشان الحرية..

و شو كنتو تقولوا كمان ؟؟

الشعب السوري ما بينذل .. والموت و لا المذلة ...

صفعه على وجهه وهو يقول : رح شوف بتنذلوا و لا ما بتنذلوا ..و الله لفرجيكم نجوم الظهر .. اعترف ولا .. شو قلتو كمان بالمظاهرات ..

الله .. سوريا .. حرية و بس.

-لكمه على وجهه بقبضة يده اليمنى فشعر عينه قد انقلعت من مكانها و قال له : - شو ما بتعرف أنو بشار هو الله .. ولاك ماعلموك بطلائع بعث هيك ..و الله لخليك تشتهي الموت..و شو قلتو كمان ؟؟..

- يا ماهر و يا جبان خود جنودك للجولان ..

- سماع سيدي شو عميقول .. ليك الوقح ليك .. عميطاول عالقائد .. عم يسب ولي نعمته .. ولك أنتو لولا بيت الأسد و لا شي .. ولك ربك ما يقدر لماهر الأسد ..ولك نحن مناخد جنودنا وين ما بدنا .. ولك أنتو ألعن من اليهود .. ولك اليهود ما قالوا هيك عالقائد .. وشو كمان كنتو تقولوا..

- من حوران هلت البشاير لعيونك يا شعب ياثاير..

- هات القداحة هات ( صرخ في زميله ) ؛ والله لأحرقك بنار جهنم ؛ و بدأ يحرقه بنار القداحة في كتفه و ظهره ..و زملائه يشبعونه لكماً و صفعاً و ضرباً ..و هو يصرخ و ينادي والديه قائلاً : يا مٌا ،، يا بَا ..

- و الله لني.. أمك ، و الله لني.. أبوك .. ما عرفوا يربوك .. أربعين سنة ونحن حاكمينكون ؛ و لسه بدكم حرية يا كلاب ..

- والله ما عدت اتحمل .. مشان الله .. النار حرقتني..

- ولاك لسه شفت شي .. و الله لفرجيك يلي ما شفتوا لا أنت و لا عيلتك كلها ..

- مشان الله .. مشان الله.. ( و هو يبكي و يصرخ)..

- ولاك الله بشار .. الله ماهر .. الله الأسد يا كلب..

سقط حمزة على الأرض و هو يتأوه ، و الدماء تسيل من كل مكان جسده الطاهر..

صعد الجنود على ظهر حمزة و هم يقفزون ببساطيرهم العسكرية على ظهره ورأسه ؛ و هو يتأوّه و يبكي و الدماء تسيل من فمه .. و وجهه .. و كل مكان من جسده ..

سأله أحد الجنود :- شو ما سمعت شو ساوينا بالأطفال بدرعا ولاك؟؟ ..

سمعت سيدي ..

شو سمعت ..

اعتقلتوهم بفرع الأمن السياسي و عذبتوهم و قلعتوا أظافيرن ..

ليش يا كر؟؟؟..

لأنه كتبوا على حيطان مدرستم الابتدائية : الشعب يريد إسقاط النظام ..

و شو ما تربيت مما سمعت يا كلب.. عامل رجال  .. و الله لأخصيك والله لأقطعلك زب....هات السكين ( صاح بأحد الجنود) ..

أخذ السكين ومزق بنطاله و كشف على عضوه الذكري و قطعه بدم بارد .. و جنوده ( أبطال الأسد الأشاوس ) يضحكون و يصرخون: -الله حيو ؛ و هم يشيرون بإشارات النصر بأيديهم..

سالت دماء حمزة الطاهرة بغزارة من عضوه الذكري ؛ و انهارت قواه فسقط مغشياً عليه على الأرض..

لم يشف ذلك غل جنود الأسد الحاقدين فانهالوا يضربونه ويكسرون رقبته و عظامه ..

لم يشف ذلك غل شبيحة النظام اللئام فوجهوا بنادقهم إلى جسده المتورم ؛ و بدأوا يطلقون الرصاص بغزارة فيخترق جسده من كل اتجاه..

صاح ثامر الشرعي و هو منبطح على الأرض ( و زملاؤه يرتجفون خوفاً من حوله) : - حرام عليكم .. كفى ..

صاح الجندي (البطل !!) المنتشي من هذا النصر المبين : هاتوا هالكلب التاني إجا دوره ..