شعب حضاري عريق ورئيس طبيب غريب يجهل شعبه

شعب حضاري عريق

ورئيس طبيب غريب يجهل شعبه

محمد فاروق البطل

لقد ثبت علمياً وتاريخياً وحضارياً أن الرئيس والقائد الذي لا ينتمي لشعبه، ولا يعرف قِيَمه ومُثُله، ولم يدرس تاريخه وحضارته، ولم يُحِط بمكوناته وشرائحه، هو قائد فاشل، لا يستطيع أن يحكم شعبه إلا بقوة الحديد والنار، والإرهاب والبطش، والقهر والظلم، بل لا يُحِسَّ بالأمن تجاه شعبه، وإنما هو خائف مذعور، يحيط نفسه بالحرس المدجج بالسلاح، يسعَوْن بين يديه، ومِن خلفه، ومِن فوقه، ومن تحته، وعن يمينه وعن يساره، وحول غرفة نومه، بل لا يكاد يهنأ بنوم، في قصر واحد، وإنما هي قصور متعددة يتنقَّل بينها بين ليلة وأخرى لا يعرف مواقيتها وأماكنها إلا القلة القليلة من الحاشية. وذلك خوفاً من أن يدركه الثائرون أو الانقلابيون... من هنا تأتي أهمية الحرس الرئاسي والحرس الجمهوري عند هؤلاء الطغاة، يُعلِّقون عليه كل أهمية في حماية حياتهم، ويزوِّدونه بكل سلاح متطور فتاك، ويختارون له أنجح القيادات، وأشجع العناصر، ويمنحونه أعلى الميزانيات، ويغدقون عليه أكبر الرواتب، ويوفِّرون له كل الخدمات و التدريبات، ويخصُّونه بأعلى الميزات، ويجهِّزونه، ليس من أجل مواجهة الشعب الأعزل فقط، بل من أجل مواجهة الجيش الوطني بكامله، إذا ما فكَّر بانقلاب أو ثورة.

ومن هنا أيضاً يأتي الحديث اليوم عن خطورة الفرقة الرابعة (الحرس الجمهوري) بقيادة العميد ماهر الأسد الذي هو أشبه ما يكون بالسفاح عمه العميد رفعت الأسد، وجيشه المسمى: (سرايا الدفاع) طغياناً وعتواً واستكباراً، وتعطشاً للدماء، وتعصباً للطائفة، واستعداداً ـ وبدون حدود ـ لارتكاب كل جريمة وكل مجزرة، تمسكاً بالسلطة، واستئثاراً بالحكم، وحفاظاً على مكتسبات الطائفة التي وضعت يدها على كل مفاصل الحكم في سورية عسكرياً وأمنياً وسياسياً وإعلامياً واقتصادياً وتشريعياً.

كل هذا يعرفه الرئيس السوري بشار، ويعرف أكثر منه، وليس بحاجة إلى مثلي حتى يُعرِّفه بما يمتلك هو وزبانيته من وسائل القمع والإرهاب، ونشر الخوف والرعب، وردع الأحرار، وترويع الآمنين، وكمِّ الأفواه، وسحق المظاهرات،  والبطش بالثائرين، فالحرس الجمهوري جاهز، والفرقة الرابعة جاهزة، والميليشيات المسلحة جاهزة، والشبيحة جاهزون طوع أمره.

وأقدِّر أن المدرسة التي تخرَّج منها قد كونته وأعدَّته لمثل هذه المرحلة. هذه المدرسة هي أولاً مدرسة أبيه الطاغية الأثيم، حافظ أسد، فقد ترك له منهج حكم، وأسلوب عمل، وسيرة طغيان،ووصايا تسلط واستبداد.

أما المدرسة الثانية فهي مدرسة اللواء محمد ناصيف قائد المخابرات السابق، و المستشار الأمني والطائفي سابقاً ولاحقاً لحافظ وولده بشار، وحين عاد بشار إلى دمشق من بريطانيا، أوكل الأب إلى ناصيف إعداد بشار للرئاسة أمنياً وسياسياً وطائفياً، ولا زال مستشاره في الظل، ولو كان ظاهر منصبه هو مساعد نائب رئيس الجمهورية فاروق الشرع.

ولا ننسى أيضاً أن مدارس طفولته في كل المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية، كانت سلسلة مدارس أجنبية، ومن شأن هذا المدارس التنصيرية سلْخ مقومات الشخصية العربية والإسلامية من الطالب، وسلْب القيم والمثل التي تتحلى بها تلك الشخصية، فطرياً وتربوياً واجتماعياً وسلوكياً، إضافة إلى أن هذه المدارس تعمل جاهدة على تجهيل طلابها بالتاريخ العربي والإسلامي، في مقابل إبراز التاريخ الأجنبي، وإظهار آثار الحضارة الأوروبية وأفضالها على العالم العربي.

وبالتالي فأنا أستطيع الجزم بأن بشاراً يجهل تماماً تاريخ العرب، وتاريخ المسلمين، وتاريخ الحضارة الإسلامية، و تاريخ الشعب السوري في ماضيه وفي حاضره... أستنتج هذا من المدارس التي أشرفت على تكوين ثقافة بشار، وبناء فكره وشخصيته  وهي:

أ ـ مدرسة الأب الطاغوتية الديكتاتورية.

ب ـ مدرسة اللايبك الفرنسية في المراحل الدراسية الأولى.

جـ ـ مدرسة محمد ناصيف المخابراتية الطائفية.

د ـ كلية الطب في سورية ثم في بريطانيا.

هـ ـ ولا أدري إن كان أبوه قد اختار له في بريطانيا من الدهاة الانجليز، ومن الخبراء السياسيين والمستشارين الأمنيين، ليدربوه على فن الحكم فيما يحقق أهدافهم واستراتجيتهم، كما يفعلون دائماً مع أبناء الزعماء والقادة العرب الذين يدرسون لديهم. بل وكما فعل أبوه حين كان يذهب سراً عن الرفاق إلى بريطانيا ليلتقي وزير المستعمرات البريطاني، ويتلقَّى توجيهاته وطلباته.

وبالتالي فأنَّى لك يا بشار! أن تفهم طبيعة هذا الشعب ونفسيته وتاريخه، حتى تحسن التعامل معه، وحتى تسوسه بما يتفق وعقيدته وإرثه الحضاري، وتاريخه السياسي، وقيمه الإنسانية، و شريعة الحق والعدل والقانون التي جاء بها دينه؟!.

حقيقةً... فقد كشفتَ عن جهل فاضح، وجرأة نادرة حين زعمت لإحدى وكالات الأنباء أن الشعب في سورية غير مهيأ في المرحلة الحاضرة للحكم الديمقراطي الحر، ويحتاج إلى مرحلة تأهيل!!

ولعلك ـ يا بشار ! ـ كنت طفلاً صغيراً، أو لم تولَد بعد، حين كان ثمن جهاز الراديو مرتفع السعر في بداية اختراعه، فاقتناه أبناء المدن والأرياف، والأغنياء والفقراء، الرجال والنساء، من أجل أن يتابعوا نشرات الأخبار والتعليقات السياسية، سواء منها الأحداث السورية، أو العربية بل والدولية، حتى لقد أُطلِق على الشعب السوري أنه الشعب المسيَّس، وقد نُسِب إلى تشرشل القول بعد أن شكى من تمرد هذا الشعب وولعه بالسياسة قال : الشعب السوري لا يعرف أن يحكم نفسه، ولا يمكِّن أحداً أن يحكمه.

 كل يضاف إلى هذا حَلَقات الجدل والنقاش والحوار في الشأن السياسي في شوارع سورية وبيوتها وفي البيوت. وأزيدك من القول أن شعبنا في سورية نسي تصنيفاته الطائفية والقبلية والعشائرية والعائلية والجغرافية التي كانت فرانسا المستعمِرة تجهد في تغذيتها واستثمارها... ليغلب عليه التصنيف السياسي بين يمين ويسار، وتقدمي ورجعي، فكنت تجد أن القرية الواحدة، والبيت الواحد، والعشيرة الواحدة، كانت تتوزعها هذه المكونات السياسية. كل هذا لا تعرفه أنت بالتأكيد...! وكيف تعرفه؟ وأنت لم تكن قد وُلِدتَ بعد؟ وجاء من جهَّلك بحقيقة هذا الشعب!!.

هل نسيت أن شعبنا السوري يدين بالتوحيد عقيدة، وبالقرآن دستوراً وبالإسلام منهجاً؟ وبالتالي فهو أصيل في ثقافته، عميق في فكره، قوي في عقيدته، رباه الإسلام على العزة والكرامة، على العدل والحرية، على الشجاعة والإباء، على التضحية والبذل، رباه الإسلام على أن لا يذل إلا لله تعالى، ولا ينقاد إلا لله تعالى، ولا يركع ولا يسجد إلا لله تعالى، ورباه الإسلام على أن لا يساوم على عزته وكرامته، مهما كان الثمن؟!.

لو كنت أنت وأبوك وزمرة الطغاة والمنافقين من حولكم تعرفون عقيدة هذا الشعب وإيمانه وتوحيده، هل كنتم أقمتم لأنفسكم هذه الأصنام والتماثيل، في كل مدينة، وكل قرية، وكل ساحة... تباً لكم من طغاة متألهين! تريدون أن يتعبَّدكم هذا الشعب، وأن يركع لكم، وأن يُسبِّح بذكركم، خسئتم أيها الطغاة! وخسئ كل علماء السوء الذين يسبحون بحمدكم ، ويُعلون ذكركم، وينافقون لكم.

إن أول إنجاز قام به شعبنا المؤمن الموحِّد الحر في مظاهراته، هو أنه عمد إلى تماثيلكم وأصنامكم فهشَّمها وجعلها جُذاذاً تدوسها الأقدام، وعمد إلى صوركم فمزقها، لتتحول إن شاء الله، وتتحولون معها إلى مزبلة التاريخ.

هذا شعب مؤمن حر، هذا شعب (لا إله إلا الله محمد رسول الله) هيهات...هيهات... أن تفهموه. لقد صبر طويلاً ظناً منه أن إصلاحاً قد يتم، وأسلوباً رشيداً في الحكم قد يُقام، وأن الابن الدكتور المثقف قد يُصلِح ما أفسده أبوه، لكِن كان لابد أن يتحقق المثل: (ومن يشابه أبه فما ظلم).

تاريخ شعبنا أيها الرئيس معروف لِمنَ عاصره أو قرأه، وخاصة تاريخه في مقاومة الاستعمار الفرنسي، وإفشال مخططات الدول الكبرى وأحلافها ومشاريعها ومقاومة إسرائيل ومَن وراءها، وقوى الإمبرايالية العالمية، أدعوك إلى قراءة هذا التاريخ المشرِّف حتى تعلم طبيعة هذا الشعب الذي تحكمه بالحديد والنار.

وأخيراً: فإن مما يثبت جهلك يا بشار بهذا الشعب الذي تتهمه بقصوره وعدم أهليته للديمقراطية!! إنك لا تعلم أن هذا الشعب هو الذي علَّم الدنيا أصول الحكم، ونَشَرَ في ربوع العالم قواعد الحضارة، وأجرى في بلاد العالم ينابيع الثقافة، فالعالم كله مدين للحضارة العربية الإسلامية التي انطلقت من دمشق في عصر الخلافة الإسلامية الراشدة وعصر الخلافة الأموية الزاهرة.

إن شعبنا في سورية يا ( سيادة) الرئيس هو وريث أعظم دين، وأعظم حضارة، وأعظم حكم...

وحتى أعرفك يا بشار بحقيقة هذا الشعب الذي تجهله، أذكرك بما يلي:

أ ـ تأمل في المظاهرات التي تعرض على التلفاز، وانظر في وجوههم، فماذا ترى؟ ترى أن كثرتهم الكاثرة من الشباب الذين تُسمُّونهم ( شباب البعث) هؤلاء الذين ربَّيتموهم في طلائع البعث، ونظمتموهم في حزب البعث، ولقنتموهم عبادة الفرد، وتأليه الطاغية حافظ أسد، ثم ها هم يثورون ضدكم ، ويطالبون بسقوطكم ، ويهشمون أصنامكم...

ألا يدل هذا على أصالة هذا الشعب؟ وأنه سيبقى عزيزاً كريماً، حراً أبياً، عبداً لله، ليس للطاغوت، مع كل الزيف والتشويه والإفساد الذي مارستموه خلال أربعين سنة أو يزيد ، بل مع كل الاضطهاد والظلم الذي ألحقتموه بآبائهم وذويهم؟!.

لم تنفع تربيتكم، ولا مبادئكم، ولا شعاراتكم... في تغيير عقيدة هذا الشعب وتغيير قناعاته، وتشويه ثقافته، ولم تستطيعوا إفساد قيمه، أو تبديل مُثُله. لقد خرج هؤلاء الشباب يهتفون: (الله أكبر...الله أكبر)، (الموت ولا المذلة)، ثم يقيمون الصلاة جماعة في ميادين تجمعهم، رغم ما زعمه البوطي أن جباههم لا تعرف السجود!!.

ب ـ وأدعوك أن تتأمل ثانية في هذه المظاهرات ، وانظر في وجوه المتظاهرين فماذا ترى؟ بالتأكيد سترى وجوه الفلاحين وأبناء الريف في مختلف الأقضية والقرى والنواحي... هبُّوا يتظاهرون... وقبل أن تتظاهر المدن الكبيرة، وهم الذين نافقتم لهم طويلاً، وكذبتم عليهم كثيراً، ووعدتموهم ومنَّيتموهم كذباً أن الأرض لمن يفلحها، وأنها لمن يصلحها ويزرعها، وحسبتم أنكم كسبتموهم إلى جانب البعث، كقوى احتياطية، ولكن ماذا حدث؟ حدث العكس... خرجوافي مظاهراتهم يعبرون عن أصالتهم وانتمائهم لعقيدة هذا الشعب، مجاهرين بعداوتهم لهذا النظام وحزبه وظلمه وديكتاتوريته.

وقد كان محل العجب والدهشة أن المدن قد تلكأت، وتأخَّرت في إعلان الثورة واللحاق بركبها، لكنَّ هذه القرى والأرياف تحرَّكت عن بُكرة أبيها ، من درعا وقراها في الجنوب.. إلى الجزيرة والقامشلي ودير الزور في الشرق!!

تفسير ذلك ليس صعباً ولا عسيراً على من أوتي العلم والفهم :[ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى القُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ] {الحج:46} .والحمد لله رب العالمين.