إضافات مؤتمر بارك شانو الدعوية

جمال المعاند

جمال المعاند -إسبانيا

[email protected]

- التربية بالأحداث أسلوب نبوي، اعتُمد بمناهج التربية الحديثة وعرفَ بهذا الاسم، والحركة الإسلامية تهتبل أي سانحة للاستفادة من هذا المنهج النبوي، فتعمد لوضع كوادرها العاملة في دوامة أحداث تتطلب تربصاً مسبقاً

يسبر المعلومات المعرفية، كما أنه يبدي المخزونات الوجدانية، وفي نفس الوقت يظهر الإمكانات المهارية، فتصبح

التربية الحركية على محك الواقع،  وعلى هذا الديدن تكون مناشط الحركة الإسلامية تخدم ذلك الهدف التربوي

ألا وهو التربية بالأحداث، وفي الغرب تعد المؤتمرات ظاهرة للإسلوب التربوي آنف الذكر .

واتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا  يُخضع مؤسساته عامة، وأجزاء من جسده الحي كل حسب موقعه وإمكاناته لهذا الاختبار، ففي جنوب فرنسا يقوم فرع الاتحاد بممارسة تلك النشاطات، في مؤتمر بارك شانو بمدينة مرسليا الذي يعقد في الإسبوع الثالث من شهر أيار من كل عام، وهذا السنة عقد المؤتمر التاسع على التوالي، فكان تميزاً دعوياً وتربوياً يستحق التسجيل والإشادة .

المؤتمر التاسع الذي حمل عنوان [ مسلمو اليوم بين الوعي والوضوح  ] سار على مألوفه،  بيد أن نجوماً استضافها المؤتمر أسفرت عن أقمار دعوية أضاءت سماء مرسليا بحضورها الدعوي المتميز، فولدت أبعاداً في مقاربتها ما يجعلها إضافات في مسيرة الدعوة في الغرب عموماً، وبين النجاح والتميز ثمة مسافة مع أنها قصيرة، إلا أنها عصية على التفكير النمطي المعتاد  ويرجع فضل تخطي تلك الفسحة، إلى القرارات الجريئة للأستاذ عبد الفتاح جبلي رأس هرم الاتحاد في مرسليا حيث أعطى توجيهاته في اللحظات الأخيرة لاستضافة دعاة كان لحضورهم قوة الدفع نحو ارتقاء منصة التميز، كما أن جهد الأستاذ الفاضل عبد الفتاح لم يقف عند الإشراف والتوجيه، بل له حضور في كل بقعة أثناء المؤتمر يئد كل مشكلة ويقبرها، ويجهض كل فشل وهو مضغة .

أول أقمار الملتقى المرسيلي لهذا العام،  هو مشاركة فاعلة للأستاذ الطاهري بلخير، الأستاذ بجامعة وهران الجزائرية، وعضو المكتب التنفيذي لحركة مجتمع السلم الجزائري، وعضو رابطة علماء أهل السنة، ذلكم العالم الداعية كان وقته كله مشاركات، بدأت بمحاضرة تحت عنوان ( المنهج الأخلاقي في سيرة الحبيب عليه الصلاة والسلام)، إلى جلسات تحسس دعوي لمجموعات من الدعاة، وكلامه في العموم يتأرجح بين التأطير والتأصيل الشرعي،  جمعني به أكثر من مجلس خاص، آخرها عشاء أقيم  على شرفه،  لثلة من كوادر حركة مجتمع السلم، استضافوني مشكورين، حاول الشيخ استدراجي للحديث، لكني آثرت شراء سلعَ كلامه النفيس على بيع الحاضرين من بضاعتي المزجاة، يحدث مستمعيه بكلام الوحي بشقيه غضاً طرياً فيتلقاه السامع كأنه لتوه نزل أو خرج من فم النبوة، فكلامه يأسر القلوب والعقول فإما م

نّاً بعد ذلك ، وإما فداء،  وأجد كلماتي تشكو العجز عن تأطير طرحه الآخاذ، وحتى لا أزيد في تهمٍ علي لا أدفعها،  بأني جزائري الهوى، مع أني سوري المنشأ والتكوين، أكتفي بهذه الومضات في ذكر الأثار العلمية والسلوكية للشيخ الطاهري بلخيرحف

ظه الله .

وقبل يوم واحد من المؤتمر حضر  الشيخ الفاضل عمر درمان الوهراني، عضو دار الفتوى في فرنسا، والمدرس في معهد باريس الشرعي، وط

لبَ من العبد الفقير تقديم فضيلة الشيخ لمحاضرة في مسجد المركز، أغرق الشيخ مستمعيه في لمعٍ من الفقه والفهم العقائدي شدت انتباهم، مما جعلني أشفق على الحضور في هضم وتمثل جواهر كلامه، لكن بساطة العرض أوصلت المعلومات بأفضل مما تخيلت، وفي ركن بارز في المؤتمر أعدت منصة خاصة للفتيا،  جلس الشيخ لينزل نوازل الأقليات وفق فقهها بمنهج التيسير الذي يحافظ على كنه الحكم الشرعي، ويدعو الناس للالتزام السهل بلا تشدد، كان حظي من مصاحبة الشيخ عمر وافراً فقد عهد لي بعد المؤتمر مرافقة الشيخ للتعرف على معالم مرسليا، وكانت لحظات ولا أجمل حتى سرقنا الوقت، فلم نفق إلا على صوت صفير القطار المتجه لباريس مسكن فضيلة الشيخ،  ومع أن حضور الشيخ عمر كان الأول،  فقد لمست له في شباب الأقلية المسلمة أثراً كونه شاب وشيخ فاضل أيضاً، فقد كان قدوة عملية للشباب، وربما أفردت مقالاً خاصاً لبعض مناقشات الشيخ الخاصة والعامة في مكان أخر .

أما نجمة المؤتمر بلا منازع، تلك الدعوة الخاصة التي وجهت لعالمة مسلمة من المملكة المغربية، الشيخة الفاضلة، أسماء بلدي، وهي تلقت المتون من علماء المغرب قبل نيلها الدكتوراه، لتصبح أستاذة في جامعة فاس والجامعة الإسلامية في بروكسل، فقد منّ على القدر أن أتحدث لعالمة من العالمات المسلمات، كان حضور الدكتورة الشيخة أسماء، بحد ذاته عملاً تربوياً بكل المقاييس، فكم من الداعيات وزهرواتهنّ، من يتشوفنّ لقدوة، فحديثها معهنّ، ومبساطاتها لهن، أنا على يقين أنه ولد دوافع جمة في نفوسهنّ، ولم يكتف القائمون باستثمار حضور الدكتورة التربوي للأخوات فقط،  فعقدت ورشة عمل ومناقشة للشؤون الدعوية، حضرها الشيخ المفتي عمر درمان، و شيخ مرسليا الشيخ الفاضل أبو بكر القماس، ، والشاب البحاثة محمد بالمختار، والعبد الفقير كاتب هذه السطور، ودار النقاش حول الدعوة في الغرب بين التأصيل والتطوير، وأشهد أني لم أر شيخاً يمتلك ملكة فقهية وحضور بديهة مثل الدكتورة أسماء، مع خلافي معها أثناء النقاش حول تطوير الخطاب الدعوي في الغرب، إلا أنها كانت جلسة ثرية بكل ما تحمله الكلمة من معنى وأبعاد .

أما الدعاة التوانسة وهم الأقلية الثانية بعد الجزائريين في مدينة مرسليا، فقد كان لهم تميزاً خاصاً، وفهماً راقياً لفقه الواقع،  حيث استطاعوا توظيف المؤتمر لدعم ثورة تونس،  بدءاً باستضافة علم مفكر مشهور على مستوى الأمة الإسلامية، وقريب لدرجة الملاصقة إلى الحركة الإسلامية في تونس،  هو الأستاذ المفكر عبد الفتاح مورو،  وعملوا بعيداً عن النمطية فجابوا بالشيخ ندوات التوانسة المقيمين العاديين وأماكن تجمعهم، وازدادوا تألقاً،  في طرح أوراق التعريف بحركتهم في منشور أنيق، وزع على زوار المؤتمر، فأكبرتُ فيهم هذا التميز الذي فاق أقرانهم م

ن البلدان الإسلامية الأخرى .

 ومن ضيوف المؤتمر القاضي عبد المحسن الزكري، من المملكة العربية السعودية، والذي تفضل بمداخلة حول التخطيط الدعوي وأهميته .

وفي الختام ثمة جندي أدعوه الجندي الدعوي المجهول والمعلوم، الشاب الأزهر دراجه الجزائري،  الذي نذر نفسه للعمل الدعوي التطوعي، وقدم من الجهد على مدار يومين كاملين، جهداً دل عليه كمية التعب التي منعته من الذهاب لبيته في أخر يوم،  فنام في مسجد المركز، مع أنه يقيم هو وأسرته في نفس المدينة .

هكذا بدا لي مؤتمر بارك شانو، استنفاداً لطاقة الدعاة، وتميزاً تربوياً وحركياً، خلفَ النمطية وراء ظهره، لقد أتعب دعاة مرسليا من بعدهم في تقديم التضحيات بحثاً عن التفوق والتميز، أسأل المولى أن يجعل جهدهم في صحائف أعمالهم ويجزيهم خير الجزاء .