ومرت الأيام ومرت السنين

وأنا أنتظر شروق الشمس من جديد

د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري

[email protected]

[email protected]

عندما كان عمري خمس وعشرون سنة 

وقفت يوما مع مجموعة من الأصدقاء في حينها نلتمس دفيء الشمس في يوم بارد من شتاء ذلك العام , وكنا نتبادل الأحاديث حول الأمور المهمة في ذلك الزمن الغابر , ويتخلل الحديث بعض الكلمات والتي تطري على الجو نوعا من الرطوبة الدافئة لتعبر عن ابتسامت لايمكن لها   أن ترق لضحكة صادقة أبداً

فكيف تمتليء النفس سعادة وتُعبّر فيها بوسيلة اسمها الضحك , ونحن من الوطن العربي الشريد؟

كانت تظللنا السماء بكتل كبيرة من الغيوم الداكنة  , ولكن الشمس  تستطيع أن تسترق النظر إلينا بأشعتها الدافئة  والتي تلامس أجسادنا لتعطيه نوعا من الطاقة المنعشة في ذلك اليوم القارظ , ولكن لاتمضي سوى دقائق حتى تأتي غيمة سوداء فتحجب عنا نظرات الشمس , ولما ضاقت الشمس زرعا بالغيوم , نزلت تحت تلك الكتل الضخمة من الغيوم السوداء وأخذت تسير بسرعة كبيرة كسرعة صاروخ  وتختفي عن الأنظار

ويشتد ظلام الكون وتزداد ظلمة الأرض , ويحيط بمشاعرنا الخوف والغرابة من هذا الحدث العظيم

يتساءل البعض ويسأل نفسه ولعله يجد الجواب , ولكن من المستحيل

الحياة انتهت عند هذه النقطة

الأرض والكون يغط في نوم عميق في ظلام دامس , النجوم اندثرت وتناثرت ولم يبق لها أثرا بعد أن غادرت الأم الكون والحياة

أصبحت اصواتنا تخرج مرتجفة عبر شفاهنا والتي ترتجف بكثرة , اشتد البرد من حولنا , حاولنا أن نجد بعضنا بنظرات عيوننا ولكن الظلام حال بيننا وبين الرؤيا

لم يبق مانملكه سوى أصوات تخرج من أفواه جافة , ليكون من المستحيل ان تتعرف على صديق بيننا من نبرة صوته

ومر الزمن واشتد الظلام والشمس لم تشرق بعد

أحيانا تعبر من أمامنا أصوات  مرعبة وأخرى يعتريها الخوف وثالثة فيها نبض  من الحياة والأمل في شروق الشمس من مكان ما من لجة السماء

أصبح الان عمري خمس وخمسون سنة

لازلت أتذكر كلمات قلتها لنفسي عندها :

عندما هربت الشمس وغابت  منذ ذلك الوقت

قلت لنفسي وقتها فالله الذي خلق الشمس الأولى قادر على أن يخلق غيرها , ولن يجعل الكون مظلما حتى النهاية

ظلام تلك السنوات وبرودته وقساوته أصبح كل شيء على الأرض متحجر , والبشر فيها من مات وأصبح هياكل عظمية متجمدة ومن بقي حياً يموت فيها كل لحظة مئات المرات ليجد نفسه مع هذا الموت المتعدد أنه مازال فيه نبض من الحياة

وجاءت لحظة الحقيقة , وجاء الوقت لتُعرف حقيقة غياب أو هروب الشمس من كوننا وأرضنا وسمائنا

وذات يوم أو ذات ليلة , والحقيقة لايوجد يوم ولا ليلة فقط يوجد الظلام الحالك السواد

فهل صحيح أن الشمس قد هربت؟

وهل من المعقول أن تبق حياة على الأرض بدون وجود الشمس؟

طبعا من المستحيل أن يحصل ذلك والشمس غائبة والحياة موجودة

أصوات من حولنا ومن بيننا بدأت تُسمع , قوية صارخة مدوية

الحياة هنا والشمس موجودة

انظروا لأشعتها كيف تتهادى رويداً رويداً , قرص الشمس وضاءا باهراً دافئا يعم الكون كله

البعض صدق الأمر وأحس فيه ونهض لكي يعيش حياة ملؤها الثقة والأمل وأحس أن الظلام في داخله فقط والنور من حوله فهب ليقتبس النور كله

والبعض مازال متردداً فهو يشك أن مصدر الحياة قد عاد مرة أخرى , مع أنه يرى الضوء في داخله والظلام حوله ولا يستطيع الحركة

والبعض الآخر طابت له حياة الظلام ولا يستطيع الخروج عن عاداته والتي اكتسبها طيلة عقود , فقد ولد في الظلام وعاش في الظلام وسيموت في الظلام

وترفض نفسي بعد هذا العمر العودة للسكون

ويرفض المتفائلون العودة لتلك الحياة

وإن ولدوا في الظلام وتربوا في بحوره ولكنهم وجدوا طريق الضياء

وجدوا النور الذي يقتبسوه والهدى على السير في الطريق الصحيح

شهب تخرج من بينهم صاعدة لتنير السماء بنورها , وتعكسه على أهلها في الأرض لتستمد من هذا النور التضحية والفداء من أجل الحرية وكرامة الإنسان

ومن بقي على الأرض يمشي وتنبت الأرض تحت أقدامهم بالخير والعطاء , ومن نورهم تتهاوى خفافيش الظلام ومصاصي الدماء البشرية

وهاءنا الآن أرى الشمس في قبة السماء فوق بلاد الشام بعد أن اصبح عمري نصف قرن , وفوقهم خمس سنوات