القرآن الكريم سبق علماء النفس 13

عزة الدمرداش

[email protected]

تربية الرسول صلى الله عليه و سلم و البرمجة العصبية : 

 يقول أحد علماء البرمجة اللغوية العصبية متحدثاً عن مدى تأثير الرسائل السلبية على تربية الطفل: "إنك تتلقى من أبويك أكثر من 100 ألف رسالة سلبية على شكل كلمة (لا)، أو (لا تفعل ذلك)، أو (لمَ فعلت ذلك)، وذلك في السنوات العشر الأولى من عمرك".

تأمل أخي القارئ كم يؤثر هذا الحجم الضخم من التعليمات السلبية التي يتلقّاها الطفل خلال مرحلة طفولته، وكم تترك من أثر سلبي على شخصيته وذكائه. فالعلماء يعتبرون أن كل كلمة (لا) يتلقاها الطفل من أحد والديه هي بمثابة رسالة سلبية سوف تؤثر عليه حين يكبر، لأن هذه الرسالة يتم اختزانها في العقل الباطن للطفل، وترافقه طيلة حياته.

إن كثرة هذه الرسائل كما يؤكد العلماء يؤدي إلى عزلة هذا الطفل أحياناً، وأحياناً إلى أن يصبح انفعالياً، وقد تؤثر هذه الرسائل السلبية على ذكاء ومستقبل هذا الطفل، ولذلك بدأ العلماء اليوم يهتمون بأسلوب جديد في التربية قائم على البرمجة الإيجابية للطفل منذ ولادته.

 هذا الأسلوب الإيجابي لا يقول للطفل لا تفعل، أو لماذا فعلت، ولماذا لم تفعل، بل يشجع الطفل دائماً على التجربة، ويعلمه كيف يتصرف بشكل صحيح.

إن هذا الأسلوب الجديد بالنسبة للعلماء، ليس جديداً بالنسبة لمعلم العلماء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم!! فقد كان هذا النبي الكريم يوجّه كمية كبيرة من الرسائل الإيجابية أثناء تربيته وتعليمه للأطفال. فهذا هو سيدنا أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه يحدثنا عن المنهج النبوي في التربية، فيقول: خدمتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنوات، فلم يقل لشيء فعلته لم فعلت كذا، أو لشيء لم أفعله لمَ لمْ تفعل كذا!!!

وسبحان الله! عشر سنوات ولم تصدر من هذا النبي الكريم رسالة سلبية واحدة!! إن هذا الأمر يدل على أن أول من استخدم أسلوب البرمجة الإيجابية في التربية هو محمد صلى الله عليه وسلم! ولكن ماذا يدل ذلك؟ إنه يدل على رحمة ورأفة هذا النبي الكريم بمن حوله، ويدل أيضاً على صدق كلام الله تعالى عندما وصفه بقوله: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة: 128].

 لقد كان النبي الأعظم حريصاً على سلامة الطفل وتربيته وعدم إيذائه ولو بكلمة، فالعلماء يقولون إن الكلمات والتعليمات التي يتلقاها الطفل الصغير يكون لها أكبر الأثر في شخصيته في المستقبل، وإن دماغ الطفل يتأثر أكثر بكثير من دماغ الكبير، وسؤالنا لكل من يستهزئ بهذا النبي الكريم: ألا تظنون بأن نبيَّنا قد سبق علماءكم إلى التربية الإيجابية التي تفتخرون أنتم اليوم بأنكم من اكتشفها هذا يا أحبتي هو رسول الله! وهذه هي عظمة الإسلام، ولكننا قصرنا في حق هذا النبي الرحيم عليه الصلاة والسلام، لقد قدم لنا كل شيء ولكن للأسف لم نقدم له شيئاً يُذكر، طبعاً الله أكرمه ورفعه ويكفيه أن الله تعالى خالق الكون ورب البشر قد قرن اسمه باسمه فلا يُذكر اسم الله إلا ومعه اسم الحبيب الأعظم: (لا إله إلا الله محمد رسول الله).

(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ )(التوبة 128 )

لقد جاءكم أيها المؤمنون رسول من قومكم, يشق عليه ما تلقون من المكروه والعنت, حريص على إيمانكم وصلاح شأنكم, وهو بالمؤمنين كثير الرأفة والرحمة

ما الفرق بين النفس و الروح ؟

 ويمكننا أن نقول إن الروح هي الطاقة التي بثها الله في خلقه من كائنات حية على وجه الأرض، فتحركها وتجعلها تتكاثر وتجعل الخلايا تنقسم، وعندما تموت الخلية فإن هذه الطاقة المحركة تكون قد استنفذت. ويمكن أن نتخيل الروح على أنها ذبذبات غير مرئية ولا يمكن قياسها ولا إدراكها بأي جهاز، ولكن يمكن أن نرى نتائج وجودها. هذه الذبذبات الروحية هي التي تحرك الخلايا وتدفعها للانقسام والاستمرار في حياتها.

ولكن النفس هي الهالة التي تحيط بالجسم وتلتصق به ولا تغادره إلا أثناء النوم وعند الموت. وهذا التصور استنتجته من قوله تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الزمر: 42]. فالنفس يتوفاها الله تعالى أي يأخذها ويعيدها إليه عندما ينام الإنسان، ثم تعود لتلتصق به لحظة الاستيقاظ، وتتم العملية بسرعة فائقة يمكن أن تكون أسرع من الضوء.

والنفس توسوس للإنسان وتحرضه على فعل السوء، يقول تعالى: (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) [يوسف: 53]. طبعاً هذا بالنسبة لإنسان بعيد عن الله، ولكن المؤمن يعمل من خلال قلبه على تطهير هذه النفس وضبطها حتى تصبح نفساً مطمئنة، هذه النفس المطمئنة تعود إلى الله بعد الموت: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي) [الفجر: 27-30].

وإنني أتوقع لو أن العلماء بحثوا عن النفس لوجدوها لأنه لا يوجد في القرآن ما يمنع من اكتشاف النفس،  على تتكاثر وتنمو وتعيش. والنفس هي التي توجه هذا الجسد بما يحمله من روح كما يوجه السائق سيارته، فإما أن يقودها إلى بر الأمان وإما أن يهوي بها في وادٍ سحيق، والله أعلم.

( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا) (الاسراء 85 )

ويسألك الكفار عن حقيقة الروح تعنتًا، فأجبهم بأن حقيقة الروح وأحوالها من الأمور التي استأثر الله بعلمها، وما أُعطيتم أنتم وجميع الناس من العلم إلا شيئًا قليلا.

النفس تموت و لكن الروح أمر لا يعلمه إلا الله تعالى .

(  (اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (الزمر 42 )

الله- سبحانه وتعالى- هو الذي يقبض الأنفس حين موتها, وهذه الوفاة الكبرى, وفاة الموت بانقضاء الأجل, ويقبض التي لم تمت في منامها, وهي الموتة الصغرى, فيحبس من هاتين النفسين النفس التي قضى عليها الموت, وهي نفس مَن مات, ويرسل النفس الأخرى إلى استكمال أجلها ورزقها, وذلك بإعادتها إلى جسم صاحبها, إن في قبض الله نفس الميت والنائم وإرساله نفس النائم, وحبسه نفس الميت لَدلائل واضحة على قدرة الله لمن تفكر وتدبر.

( إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ )(يوسف 53 )

قالت امرأة العزيز: وما أزكي نفسي ولا أبرئها, إن النفس لكثيرة الأمر لصاحبها بعمل المعاصي طلبا لملذاتها, إلا مَن عصمه الله. إن الله غفور لذنوب مَن تاب مِن عباده, رحيم بهم.

اأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ( 27 ) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً ( 28 ) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ( 29 ) وَادْخُلِي جَنَّتِي 30 الفجر)

يا أيتها النفس المطمئنة إلى ذِكر الله والإيمان به, وبما أعدَّه من النعيم للمؤمنين, ارجعي إلى ربك راضية بإكرام الله لك, والله سبحانه قد رضي عنك, فادخلي في عداد عباد الله الصالحين, وادخلي معهم جنتي.

. (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ( 7 ) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ( 8 ) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ( 9 ) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ( 10 )الشمس

أقسم الله بالشمس ونهارها وإشراقها ضحى, وبالقمر إذا تبعها في الطلوع والأفول, وبالنهار إذا جلَّى الظلمة وكشفها, وبالليل عندما يغطي الأرض فيكون ما عليها مظلمًا, وبالسماء وبنائها المحكم, وبالأرض وبَسْطها, وبكل نفس وإكمال الله خلقها لأداء مهمتها, فبيَّن لها طريق الشر وطريق الخير, قد فاز مَن طهَّرها ونمَّاها بالخير, وقد خسر مَن أخفى نفسه في المعاصي.

البرمجة اللغوية العصبية هل تتفق مع ديننا الحنيف ؟ الشيء المؤكد أنه لا يوجد اطمئنان خارج ذكر الله تعالى، والدليل على ذلك هو قول الله تعالى: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28]. انظر معي إلى هذه الآية كم يمكن أن تعالج من أمراض يعجز الأطباء عن علاجها! هل يستطيع علماء البرمجة أن يمنعوا إنساناً من الخوف من الموت؟؟؟ بالتأكيد لا لأنهم ليس لديهم معلومات عن الحالة التي سيمر بها الإنسان بعد الموت.

إن هذه الآية بكل بساطة تعطي المؤمن كميات كبيرة من الاطمئنان والاستقرار النفسي حتى عندما يفكر بالموت. لقد أخبرنا علماء البرمجة عن أناس نجحوا وتفوقوا في حياتهم عبر التاريخ، ولكنهم لم يخبرونا ما هو وضعهم الآن بعدما ماتوا!

إن المبادئ الصحيحة في البرمجة الغوية العصبية موجودة في القرآن والسنة منذ زمن بعيد، ولذلك فإنني أقترح على إخوتي من المهتمين والباحثين والقراء أن يردّوا هذا العلم إلى أصوله الإسلامية، وأن يعلموا أن كل قاعدة صحيحة يكتشفها العلماء لابد أن نجد لها ذكراً في كتاب الله تعالى الذي قال: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام: 38].

ولذلك يمكن القول بأن البرمجة الموجودة في القرآن شاملة وكاملة وتغطي جميع مراحل الإنسان سواء الحياة الدنيا أو مرحلة الموت أو الآخرة. والآن إخوتي وأخواتي في الله ما رأيكم بهذا الكلام وهل توافقون على وجود مساوئ لهذا العلم؟

( (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد 28

ويهدي الذين تسكن قلوبهم بتوحيد الله وذكره فتطمئن, ألا بطاعة الله وذكره وثوابه تسكن القلوب وتستأنس.

الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ)

( مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ )(الانعام 38 )

ليس في الأرض حيوان يَدِبُّ على الأرض أو طائر يطير في السماء بجناحيه إلا جماعات متجانسة الخلق مثلكم. ما تركنا في اللوح المحفوظ شيئًا إلا أثبتناه, ثم إنهم إلى ربهم يحشرون يوم القيامة, فيحاسب الله كلا بما عمل.