ثورةُ... "الإرادات"
ثورةُ... "الإرادات"
هنادي الشيخ نجيب
هل كُنّا حقّاً لا نقدر، فاستسلمنا وصرنا نُقْنِع أنفسنا بأننا لا نريد؟! أم أننا فعلاً لم نكن نريد، لذلك لم نفكِّر أصلاً بموضوعِ توفّر القدرة أو عدمها؟!
معادلةٌ – كُنّا نعتقد قبل شهور – أنّ حلَّها أبعد من الخيال، فإذا بها تتوازن أمام أعيننا كأبسط ما يكون!!
فبسرعة لم نكن نتوقّعها، وبجرأةٍ لم نكن نتصوّرها، وبوعيٍ لم نكن نظن أنه بلغ مداه، وبثباتٍ هزّ أعمدة الفساد، وبابتكار لم يوفّر إبداعاً ولا اختراعاً، وبسلمية دافعت عنها الصدور العارية والأيدي المرفوعة... بكل ذلك، قرّرت جماهير الشباب أن تثور على عقود الاضطهاد والظلم والكبت... ولقد كان شبابنا فعلاً "يريدون" ما قرّروا القيام به... يريدونه منذ زمنٍ طويل، فلماذا انتظروا كلّ تلك المدة؟!
لعلّ هذا البحر الهادر من "الإرادات المتأججة" لم يكتشف قبل اليوم "الكنوز" الراقدة في قعره!!
وربّما لأنّ حيتان المحيط كانت تتغذّى وتنمو على لحوم الصِّغار والفراخ من قبل أن يشتدّ عودها ويقوى صلبها وتعيَ الخطر المحدق بسكّان هذا الجزء من العالم!!
وبما أننا قرّرنا أن نسير في قافلة "المريدين"، فإنّا وإيّاكم – أيها الشباب – لعلى الجادة المستقيمة إن تمسَّكنا بسرِّ القوةِ والانتصار: إنه الارتباط بالله تعالى؛ ارتباط مخلوقٍ بخالق، ضعيف بقادر، جاهلٍ بعليم، فقير بغني، ذليل بعزيز، مقصِّرٍ بحليم رحيم كريم...
واعلموا شبابنا أنّ الأفكار الشوهاء تقدِّم لخطوات عرجاء، فإياكم أن تغتروا بتحرير واقعكم وتأمين معاشكم، ثمّ تنسوا التحرّر الحقيقي... التحرُّر الفكري؛ لا وفق مبدأ "نسبية الحقيقة" (وهو مبدأ يقضي بعدم وجود قيمة ثابتة ولا حقيقة مطلقة، ويهدف إلى نقض قواعد الدين وزعزعةِ العقيدة والتشكيك بالحقائق الغيبةِ والأخرويّة)، بل بمنطق "الحرية هي التوحيد"...
ثمّ احذروا أيها الشباب من "الفوضى" التي يزعمون أنّها تبدعُ النظام، فالحذِرُ قد يخطىء لكنه لا يُخدعُ أبداً...
وتنبهوا إلى أنّ الثورات بلا قيادات تُسرقُ أو تجيّر أو تُستغلّ... وأنتم لستم عاجزين أن تتوحّدوا خلف من تتعاونون معهم لإرساء قواعد العدل، وإطلاق الحريّات، وحراسة منهج الله، والتثبت من تطبيقه بما يضمن للحاكم والمحكوم كرامته وصلاحه وفلاحه... واحرصوا أن يكون البديل الذي تبحثون عنه بديلاً جماعياً تحت قيادة رشيدة، لا بديلاً فردياً قد ذقنا مرارته سنوات مديدة، وأن يكونَ قِيَمِيًّا أصيلاً لا شخصياً مهيمناً مستبداً، ومستولداً من رحم الدين والهوية والثقافة، لا مستورداً هجيناً مادياً مصلحياً...
أيها الشباب الغيور، إنّ امتلاك مفتاح القوة مع ما يرافقه من تحرّر فكري، لا بد سيمهّدان لحركة تحرير سلوكي، تعودُ بنا إلى ركن الأخلاق، وقلعة الصلاح الاجتماعي، وحضن الأمن النفسي...
إنّه دوركم الآن بعد أن لبستم لامة (درع) المناضلين، أن لا تخلعوها حتى نفرح جميعاً بنصر الله، فهو خير وأبقى مما كنتم تجمعون... والله الهادي إلى سواء السبيل...