مصر الثورة وترتيب البيت العربي

مصر الثورة وترتيب البيت العربي

محمود المنير

مدير تحرير جريدة الحركة/الكويت

[email protected]

عبير شهداء 25 يناير الفواح الذي سال في ميدان التحرير وفى كل ميادين مصر فتح صفحة جديدة في تاريخ الأمة العربية والإسلامية ، فلقد كانت مصر على موعد مع التاريخ بعد الإطاحة بالنظام البائد للرئيس المخلوع حسنى مبارك، ويسجل لثورة مصر – حتى الآن – رغم الثورة المضادة التي يقودها فلول النظام السابق بمساعدة بعض الأطراف الخارجية - الكثير من النجاحات في الداخل والخارج ، والتي يؤمل أن تتواصل بالمعدلات المنتظمة والواعية والهادفة، على طريق استعادة مصر دورها وحضورها في المشهد الحضاري وفاعليتها ووزنها في منطقة خسرت الكثير من قيمتها وتوازنها وقوتها عندما ضعف دور مصر بفعل سياسات العهد البائد وما سبقه من عهود.

فما حققته ثورة مصر على صعيد المصالحة الفلسطينية كان وطنياً وقومياً وإسلامياً بامتياز، ولا يستهان مطلقا بهذا الإنجاز الذي توج بنجاح باهر منذ أيام ويترجم على أرض الواقع في القريب العاجل، تلك المصالحة التي عطلت بفعل فاعل مرات عديدة ، فهي خطوة في الاتجاه الصحيح لطالما تطلع لها كل الشرفاء والمخلصين من أبناء هذه الأمة ، وسيكون لها ما بعدها على صعيد الوضع الفلسطيني الداخلي لاسيما في ملف كسر الحصار الظالم على قطاع غزة ، وعلى صعيد الصراع العربي مع المشروع الصهيوني بشكل عام .

فمصر الثورة ماضية ، ويجب أن تساعدها كل جاراتها العربية نحو مرحلة يرجو كل المخلصين في هذه الأمة أن تستعيد فيها الأمة مناعتها ومنعتها وحصانتها ضد أعدائها ، لاسيما هذا العدو الصهيوني اللدود.

نجاح مصر، ما بعد الثورة ، في إعادة اللحمة إلى مكونات الشعب الفلسطيني ، خطوة يمكن البناء عليه وتعليق الآمال على دور مماثل يسهم في جمع الشمل العربي وإعادة ترتيبه ، بما يوقف التردي ويحد من المخاطر التي تتهدد الأمة نتيجة لسياسة "فرّق تسد" التي أخرت تحقيق الحلم العربي في لم الشمل وتوحيد الأمة لتحرير فلسطين .

ومن واجبات المرحلة أن نعقد نواصينا على مصر وما يدور فيها فهي رمانه الميزان، وفى الوقت الذي تستعيد فيه كامل دورها وفاعليتها، وتعيد تظهير صورتها التي كانت، بعدما أصابها الوهن، في عهدين سابقين، ستنهض الأمة بأسرها من كبوتها وتتحرر من بقايا الظلم الجاثم على صدور شعوبها .

فعندما غيبت مصر عن ممارسة دورها التاريخي ، شهدت المنطقة فصولا كارثية، وأحداث دامية مزقت وحدتها ودمرت مقدراتها ، من الحرب العراقية الإيرانية، إلى اجتياح لبنان، إلى غزو الكويت، إلى عدة مجازر صهيونية متتالية في لبنان وفي فلسطين المحتلة، إلى غزو العراق والاحتلال الأمريكي لأراضيه ،إلى الحصار الظالم والحرب الإجرامية على غزة ، إلى بناء جدار العار على الحدود بين مصر وفلسطين ، والتوسع الرهيب في مخطط تهويد القدس والاستيطان ، وغير ذلك مما أصاب أمتنا من تداعيات الوهن الذي شل جسدها المثخن بالجراح  وما تشهدها الآن من مؤامرات وتدخلات، ما كانت تتفاقم آثارها لو كانت مصر هي مصر المرتجاة .

نعم فمصر بعد الثورة الآن يعوّل عليها الكثير في إعادة ترتيب البيت العربي، من خلال السعي الدؤوب إلى تذويب الخلافات والنزاعات بالعمل على إزالة كل ما يعكر صفو العلاقات العربية  ، لينهض العرب في وجه المشروع "الصهيوأمريكي" المتداعي ، ويحرروا كامل فلسطين ، فحماية مصر الثورة ومساعدتها لإتمام نحاج ثورتها لتستطيع ترتيب البيت العربي الآن من أوجب الواجبات .

في السياق : يقول الدكتور حامد ربيع الذي اغتاله الصهيونية العالمية ـ رحمه الله ـ‏:‏

‏"‏إن القوى الطامعة في مصر، تهدف إلى تجزئة مصر‏"‏ خوفًا من ازدياد قوتها، ففي نهاية هذا القرن سوف يصير عدد سكان مصر ـ بإذن الله ـ ثمانين مليونًا، كما أن موقعها الاستراتيجي أضحى أكثر خطورة على مصالح القوى الكبرى ‏"‏لأن حقيقة الصراع الدولي تغيرت معالمه وخصائصه، ولو استطاعت مصر أن تهيئ لنفسها قيادة حقيقية، فهي مؤهلة لأن تجمع تحت رايتها جميع دول المنطقة العربية ـ وأيضًا العالم الإسلامي وهذا يعني نتيجتين‏:‏

أولاً ـ انتهاء إسرائيل، سواء باستئصال، واقتطاع وجودها أو بذوبانها وابتلاعها ‏.‏

ثانيًا ـ وضع حـد لعملية النهب لثروات الأمة التي تمارسـها القوى الدولية، والشركـات الكبرى المتعددة الجنسية في جميع أجزاء المنطقة‏.‏