تحية لجيش مصر العظيم
تحية لجيش مصر العظيم
حسام مقلد *
عندما شاهدت استقبال المشير محمد حسين طنطاوي لسمو أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في القاهرة شعرت بفخر وزهو واعتزاز كبير بجيش مصر الباسل الذي يؤدي ـ وبكل شجاعة وأمانة واقتدار ـ دوره العظيم في حماية مصر وشعبها، وصون أمنها وعزتها وكرامتها واستقرارها، وزاد من اعتزازي وفخري نظرات العرفان بالجميل في أعين الأشقاء الفلسطينيين بعد تمكُّن جيش مصر العظيم وفي وقت قياسي من إقناع فتح وحماس وبقية الفصائل الفلسطينية بالمصالحة والتوافق والوحدة، خدمة لقضيتهم وقضية العرب والمسلمين الجوهرية!!
وفجأة ـ ولا إراديا ـ ارتسمت بذهني صور الخراب والدمار في مدن ليبيا الشقيقة، وتواردت على مخيلتي صور الضحايا الأبرياء في سوريا واليمن، وهجمت عليَّ مشاهد القتلى والدماء، وشقَّت مسامعي صرخات الثكلى والأرامل والأطفال في درعا ومصراتة وعدن... وغيرها من المدن العربية التي تشتكي إلى الله صباح مساء قسوة وبشاعة ما يجري فيها من سفك للدماء وقهر لإرادة الشعوب... وعندئذ سجدت لله شاكرا حامدا، ودعوته سبحانه وتعالى أن يحفظ جيش مصر وينصره دائما ويعزَّه كما أعزَّ أهلها وشعبها، وصان كرامتهم وحقن دماءهم ووقف بجانبهم، وانحاز للحق الذي ينادون به ويدعون إليه.
فشكرا لك يا جيشنا العظيم فقد أثبت أنك ـ وكما عودتنا دوما ـ درع مصر والأمة العربية، وحامي حمى أمننا القومي، وأكدت لنا بسمو أخلاق رجالك وأصالة معدنهم أن مصلحة مصر وحماية مقدراتها هي شغلك الشاغل، ونحن يا جيشنا العظيم على ثقة تامة ويقين كامل بأن رجالك الأوفياء الأبرار أصحاب كل هذه الأخلاق النبيلة والقيم الرفيعة لن تقرَّ لهم عين ولن يهدأ لهم بال حتى تكتمل بإذن الله تعالى مسيرة الإصلاح، ويتم تأسيس دولة مدنية قوية ناهضة تحقق العدالة والحرية والمساواة بين جميع أبناء الشعب المصري، وتنجز التقدم الشامل والنهضة الحقيقية التي تليق بمصر وبحضارتها العريقة.
وفي الحقيقة لقد تقزَّمت مصر كثيرا في عهد الرئيس السابق مبارك، وتقلَّص دورها، وتراجعت في كل الميادين وعلى كافة الأصعدة وفي جميع المجالات، بسبب انشغاله وانشغال نظامه الفاسد بمصالحهم الخاصة وإهمالهم لمصالح مصر الإستراتيجية والحيوية، بل لقد صنع لنا ذلك النظام البائد الكثير من المشاكل، وسبب العديد من الأزمات مع دول عربية وأفريقية شقيقة، فكما تعالى وتكبَّر على أهله ومواطنيه في مصر تعالى وتكبَّر كذلك على أبناء هذه الدول، رغم أنه أذلَّ نفسه للغرب عموما والأمريكان خصوصا، ونسي أن شعب مصر هو أعرق شعب في التاريخ، شعب له من العمق الحضاري والجذور الضاربة في أعمق أعماق الزمن ما يؤهله لحياة أفضل كثيرا جدا مما كنا نعيش فيه في عهد ذلك النظام الفاسد!!
فشكرا لك يا جيشنا العظيم لأنك بكل وطنية وتجرد أعدت مشاعر العزة والكرامة إلى كل مصري ومصرية في شتى أنحاء العالم، وكلنا ثقة يا جيشنا العظيم في حكمة رجالاتك الشجعان، وفي قدراتك الكبيرة وإمكاناتك الهائلة، ونثق بأنك ستعيد بإذن الله تعالى الأمن والأمان في أسرع وقت ممكن إلى كل ربوع مصرنا الحبيبة، وسوف تدعم التحول الديمقراطي الكامل، وتساند أبناء مصر البررة وشبابها الأوفياء حتى يختاروا رئيسا منتخبا ومجلسي شعب وشورى حقيقيين يعبران عن إرادة الأمة ورغبات الشعب، ويشكلوا حكومة وطنية تنفذ الإصلاحات الحيوية المطلوبة، وفي مقدمتها وضع دستور جديد لمصر يليق بها وبمكانتها، ويلبي طموحات أبنائها في مواكبة متغيرات العصر؛ حتى يتمكنوا من تطوير مصر تطويرا جادا وشاملا وحقيقيا، وتحقيق أكبر قدر من الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية بين مختلف جموع الشعب المصري العريق.
يا جيشنا العظيم لقد عهدناك دوما جيشا وطنيا جسورا وأسدا هصورا تحمي شعبك ووطنك وتصون مقدراته، ونذكرك يا جيشنا بأن أعداء مصر كُثُرٌ (...) ويتربصون بها الدوائر ويسعون لإفساد ثورتها المباركة وإفشالها، وإحداث فوضى عارمة بيننا، وهي الأُمْنِية التي تحدثوا عنها صراحة وأسموها الفوضى الخلاقة، وهناك أيد آثمة تتسلل بيننا كالحية الرقطاء، وتدبر في الخفاء لإحداث فتن بين المصريين وبعضهم البعض، فتارة يشعلون فتيل الفتنة الطائفية، وأخرى يؤججون الاحتجاجات الفئوية بشكل مريب ومنظم، وثالثة يؤلبون مشجعي كرة القدم ضد بعضهم البعض، ولسان حال هؤلاء يقول: إننا لكم بالمرصاد أيها المصريون ولن نسمح لكم مطلقا بالتحرر والنهوض، وسنسعى بكل طاقتنا لتظلوا أذنابا لنا مجرد أتباع بلا كلمة ولا رأي ولا سيادة، ولن ندخر وسعا في تحطيم أحلامكم وإرجاعكم إلى عصور التخلف والجهل والتبعية!!
يا جيشنا العظيم إن العالم كله الآن عينه على مصر، ويتابع بكل دقة ما يجري فيها لأنها مصر أم الدنيا ذات الثقل والحضارة والتاريخ والتأثير!! ونحن على ثقة يا جيشنا العظيم بأنك على علم كامل بالمخططات الشريرة لهؤلاء الأعداء، وعلى حذر شديد من دسائسهم ومؤامراتهم، وأنك على أهبة الاستعداد دائما لرد كيدهم في نحورهم، ومواجهة مكائدهم ومؤامراتهم، وأنك حريص كل الحرص على حقن دماء المصريين وحماية مؤسسات الدولة المصرية، وتنفيذ القانون بكل حزم وعادلة ومساواة على جميع المصريين، فلا أحد أيا كان فوق القانون.
ومن وجهة نظري فلكي تخرج مصر منتصرة، ولكي يخرج شعبها البطل الأبي مصاناً مهاباً، وأكثر قدرة على الإنجاز الحضاري بعد كل هذه العقود الكئيبة من العجز والوهن والإضعاف يجب المبادرة بأقصى سرعة بالعمل الجاد في مجالي: التعليم والبحث العلمي وتوطين التكنولوجيا، ومجال الزراعة وإنتاج ما نحتاج إليه من طعام، وهذا يستدعي منا أن ننحي فورا خلافاتنا الهامشية جانبا، ونتوقف عن تخوين بعضنا البعض، والتحريض ضد بعضنا البعض، وإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين فورا، وإطلاق سراح المحتجزين لدى الكنيسة، والكف تماما عن إثارة ذعر الجماهير وتخويفهم زورا وبهتانا بفزاعة الإسلاميين والإخوان والسلفيين، والامتناع فورا عن إرهاب الناس بحدوث فتنة طائفية تأكل الأخضر واليابس، وينبغي أن يتوقف الجميع عن حملات التعبئة والتجييش على أسس دينية طائفية، بل يتم تهيئة المجتمع وإعداده لتلقي بذور الديمقراطية وقبولها قبولا حسنا حتى تنبت دوحة وارفة الظلال تستظل بها جموع المصريين كلهم دون تفرقة، كما كانوا يدا واحدة في ميدان التحرير لا فرق بين إخواني وعلماني، ولا بين سلفي وصوفي، ولا بين مسلم أو مسيحي فالكل مصريون والكل وطنيون، وعلينا أن نعد أنفسنا للغد وأعبائه الجسيمة ومسؤولياته الكبيرة، ولنكف عن اجترار مشاكل الماضي والتعامل مع بعضنا البعض انطلاقا من قناعاتنا السابقة؛ فمعركة مصر ليست مع الماضي، وإنما هي مع المستقبل وتحدياته الخطيرة.
وما أجمل ما فعله جيشنا العظيم حينما بادر بطمأنة الرأي العام الدولي على استقرار مصر وأمنها، وإرساله رسائل عاجلة إلى كل دول العالم ومنظماته الدولية والإقليمية مفادها أن مصر قوية وآمنة ومستقرة، فهذا يدعم مسيرتنا ويقوي اقتصادنا.
وإذا كان جيشنا العظيم قد تعهد بالوقوف إلى جانب الثورة وحمايتها وتحقيق أهدافها، فالكرة الآن في ملعب شعبنا العظيم وأحزابه وقواه الوطنية والتكتلات السياسية المختلفة، وأظن أنه يجب على هؤلاء جميعا إشراك الشباب والأجيال الجديدة في تحمل المسؤولية، وفتح نوافذ الأمل أمامهم، وطمأنتهم على أنهم سينالون نصيبهم المستحق في حمل أمانة المسؤولية الوطنية في جميع القطاعات وفي كل المجالات، والتأكيد على أنهم لن يظلوا مهمَّشين، ولن يبقوا مستبعدين من صدارة الواجهة في مصر، والتأكيد كذلك على النزاهة والعدالة الاجتماعية وطمأنة الناس على أرزاقها، وأن كل واحد سيأخذ حقه المشروع وفق ما تؤهله له إمكاناته وقدراته دون أي محسوبية أو وساطة.
وأخيرا نقول لك يا جيشنا العظيم: أنت جزء منا ونحن أبناؤك، نحن زادك ووقودك وعدتك وعتادك في الشدائد، وذخيرتك الحقيقية وسندك ودعمك وعونك بعد الله تعالى عندما يجد الجد وتحين ساعة المواجهة، والله تعالى نسأل أن يحفظك لمصر لتحمي أمنها، وتصون شعبها، وتكون ضمانة لمستقبل أبنائها، وعلى صخرتك يتحطم كل الطغاة الطامعين في مصر الساعين للنيل منها... عاشت مصر حرة مستقلة عزيزة أبية قوية ناهضة بحفظ الله لها، ثم بحماية جيشها البطل خير أجناد الأرض!!
* كاتب إسلامي مصري