لا تزال امتنا تلد البدائل والعدول

الشيخ خالد مهنا

لا تزال امتنا تلد البدائل والعدول

الشيخ خالد مهنا *

[email protected]

إذا أَجَلْتَ بصرك في هذا السَّواد الأعظم من بني آدم الذين يملئون الأرض من أطرافها الأربعة... وجدت  الجَمَّ الغفير منهم  كثير، ولكن الكامل منهم نادر و قليل،  غثاء كغثاء السيل،  فَمَثَلُهم كَمَثَل الإِبل تَعُدَّ المائة منها فَلا تَقع على الراحلة النَّجيبة، الحَسَنةِ المَنْظر، الكريمةِ المَخْبَر، التي تستوي خَلْقاً وخُلْقاً، فلا تحمل عيباً ولا تشكو ضعفاً، ولا ترى فيها عِوَجاً ولا أَمْتاً!

وكذلك الناس، يسهل عليك أن تعدّهم وتُحصي الكثير منهم، ولكن أكثرهم - إلا من عصم اللهَ  -مَدْخولون في أمورهم يُغْريك ظاهرهم، وينطوي باطنهم على غرائب القبائح والمَثالِب.ظاهرهم عمار وباطنهم دخل وخراب......إذا عددتهم وجدتهم قريبون من الاصفار...

ولا تكاد تجد أحداً تُرضي سجاياه، وتُحْمَد أفعاله وتَصْدق نواياه، فلا بد أن تقع منهم على ما يُؤلم النفس، ويُؤذي العين، ويخدش الأذن، ويشجي الفؤاد، وتصيبك طباعهم بالحَسَرات.

وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه البليغ الجامع: «إنما النّاسُ كَالإِبِلِ المائة لا تكاد تجدُ فيها راحلة» متفق عليه....

وهيهات أن تصلح كل الرواكب لحمل الأثقال،كما لا يصلح كل الناس لحمل الأمانة الثقيلة لغلبة الشهوات وثقلة الأرض..وكثير من الناس أشبه بالإبل السائبة،ضعفاء هزيلين أو مرضى..ومع هؤلاء لا تقطع مفاوز.

وقد شكا الفاروق عمر رضي الله عنه وهو في زمن خير القرون من قلّة الرّجال فقال: « اللهمَّ أشكو إليك جَلَدَ الفاجر وعَجْزَ الثِّقة».

إنك لا تحظى بأُناسٍ كالرَّواحِلِ من الإبل ولا {تُحِسُّ منهم من أَحدٍ أو تسمعُ لهم رِكْزاً}.

ولكنّ الداهية الأعظم والنَّكْباءَ الأَشد أن الشرّ في نموّ واتساع وحدوده في قفاقم حتى بتنا وكاننا في زمن الهرج والمرج ، وأن الخير في ضُمور وانكفاء، ولا يأتي على الناس زمان إلا والذي بعده شرٌّ منه، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس، حتى لا يوجد في الأرض من يقول: الله.. الله! ويقول الشاعر:

يا زماناً بَكَيْتُ منه فلما          صِرْتُ في غَيْره بَكَيْتُ عَلَيْهِ

 وورد في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَأْتي عليكم زمان إلا والذي بَعْدَه شرٌّ منه حتى تَلْقَوْا ربَّكم».

وقد ورد عن بعض علماء السَّلف منهم الحسن البصري: «كُلَّ عامٍ تُرْذَلون!»، ومؤدَّى ذلك فواتُ الكثير من معالم الهدى والرشاد، وبروز الكثير من مظاهر الضلال والفساد، مثل انتشار الشّحِّ المُطاع والهوى المتَّبَع، واعجاب كا ذي راي برايه حتى بات سفهاء القوم يتصدرون المجالس ويحكمون  اضافة الى  رواج الفواحش والمنكرات، والمعاصي والكبائر  ونقصان العلم وازدياد الجهل، وتناقص الفقهاء والمجتهدين، وتكاثر الأئمة الجاهلين الذين يُفتون بالرأي بغير علم, وقد ورد في السنّة أن موت عالم أحبّ إلى إبليس من موت سبعين عابداً! وحدوث البدع وهُجران السُّنن، ووقوع الجَدْب والقحط والفقر، وتسلُّط الحكّام الظلاّم بذنوب الأنام، وفقدان الرجال الصالحين القدوة الذين يمثّلون للناس ما تمثّل النجوم الزاهرة التي يُهتدى بها في ظلمات البر والبحر، فإذا طُمست هذه النجوم أوشك أن تَضِلَّ الهُداة..... وأمام هذه السُّنن الربانيّة في حياة البشرية من الأفراد والجماعات، وخوفاً من التردِّي في وِهاد التخلُّف والتدَلِّي، فإنه لا مناص من القيام بالتربية والإصلاح، للنهوض بالنخبة والفئات الخاصة إلى ذروة الفلاح.

إن القاعدة في كل مؤسسات المجتمع أكبر من القيادة، والقيادة مهما تكن صالحة وحكيمة فلا بد من أن تنزل بساحتها السُّنَنُ الربانيّة، فيتضاءل عددها وتهن قوتها، وتَفتُر عزيمتها، وتأتيها فجأة المنيّة أو بعد نُذُر خفيّة، ورُسُل جَليَّة.

إن إصلاح الرّاعي مقدَّم على إصلاحِ الرعيّة، فإن أخلاق الورى تفسد بفساد الملوك لأن {المُلوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدوها وجَعَلوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وكَذلِكَ يَفْعَلون} النمل 34.

يقول عمر رضي الله عنه: «الرعيَّةُ مؤدِّيةٌ إلى الإمام ما أَدَّى الإمام إلى الله، فإن رَتَع الإمامُ رَتَعُوا».

إنَّ أمتنا المباركة سيّدةَ الأمم، مهما اشتدّ عليها الخطبُ وادْلهمّ، وطاف عليها طائف الفساد وعَمّ، هي كالمطر، الخيرُ فيها لا يزول، ولا تزال تَلِد البدائلَ والعُدول.

*تتالي الطرْق على رأس الأمة أيقظ فيها قوتها

روى النسائي عن ثابت البناني عن أنس بن مالك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «أمتي كالمطر لا يُدرى أوله خير أم آخره» وهذا التشبيه له واقع متجدد نراه ونسمعه ونعيشه، وهو أن خيرية هذه الأمة لا تنفصل عنها ولا تنعدم، وهذا الأمر يرجع لكون عقيدة هذه الأمة هيالدافع المحرك والبوصلة الموجهة لهذه الحركة، بغض النظر عن أي اعتبار آخر قوةً كان أم ضعفاً، وهذه الخاصية هي التي حولت عبد الله بن مسعود الذي كانت تذرو الرياح ساقيه إلى رجل تكون قدماه عند الله أثبت من جبل أحد، ويقول له جبار الجاهلية «لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقاً صعباً»، أبو جهل قالها له وهو يذبح في بدر . 

لقد كان تميز أول الأمة بعقيدتها الدافعة، وكذلك الأمر بالنسبة للخلف، فقد تميزوا عن غيرهم من الأمم بهذه العقيدة، ولم يكن أمر السلف فلتة من فلتات التاريخ حين اجتاحوا الجزيرة العربية والعراق وبلاد الشام وفارس، وقضوا على إمبرطوريتي فارس والروم بأقل من عشرين عاماً، فلا يقولن قائل إن هذه الفلتة لن تتكرر، وإن المسلمين اليوم لن يستطيعوا بناء ما انهدم

إن وجود الدافع الدائم ميزة لهذه العقيدة وليس أمراً منفصلاً عنها يخضع للظروف والأحوال أو المواقف، بل هو أسها ولا تكون إلا به، بعكس غيرها من العقائد أو الدعوات أو الأفكار، فإنها إن ملكت دافعاً فإنه يكون دافعاً آنياً يخضع للظروف والأحوال والرجال، ومثال ذلك الدافع الذي جعل التتار يجتاحون العالم حتى وصلوا إلى تخوم مصر، ثم ما لبثوا حين قتل قائدهم ومات ملكهم إنسكنت ريحهم وفتّ في عضدهم .

إن وجود الدافع الدائم قد يبرز في أحيان ويكمن في أخرى، والعلاقة وثيقة بين وجوده وكمونه أو عدم ظهوره، فلا يظنن ظان أن عدم ظهوره هو انعدامه، وهذا ما حاول الكافر بكل ما أوتي من قوة وعسكر وتضليل وأذناب وأشباه علماء أن يفعله، حين أراد أن يفصل العقيدة الإسلامية عما تتميز به من كونها الدافع الدائم، فهذه المحاولة البائسة لتحويل عقيدة الإسلام من عقيدة دافعة للعمل إلى عقيدة روحية وسلخ دافعها عنها لتصير كالنصرانية او البوذية قد فشلت وبان عوارها،رغم كل أشكال الطمس وطول التغريب والتضليل، وسلخ المسلمين عن الإسلام، واستبدال اللغة الفرنسية والإنجليزية بلغة القرآن، ومنعهم من الصلاة في المساجد إلا ببطاقات ممغنطة وتصاريح

إن الأمة الإسلامية التي تحمل هذه العقيدة واجب عليها أن تدرك وتعي ما تملك من قوة مؤثرة وفاعلة، فكما أنه لا يجوز للمسلم أن يحقر نفسه فكذلك الأمة، وإن قدرتها على التغيير قوة لا تقهر لا من قبل حاكم أو فرعون ولا من نظام مستبد، وإن الجور  الذي عانته منذ سقوط دولة الخلافة ما هو إلا مرحلة في سيرها نحو النهضة الفكرية المنشودة، فالمهر غال والعروس الجنة، وكذلك مرحلة الاستعمار والاستقلال وما نتج عنهما من الدمار والخراب على كل الصعد، فلم تزدد الأمة إلا صلابة وتمسكاً بعقيدتها لبناء دولتها، بعكس الأمم الأخرى التي سرعان ما كفرت وتنكرتلمبادئها وعقيدتها بين عشية وضحاها، وأصبحت أثراً بعد عين في غضون ساعات.

إن تتالي الطرْق والضربات الموجعة  على رأس الأمة قد أيقظ فيها مكنونات هذه العقيدة، وأوجد التفكير السياسي عندها، ما جعلها تتنبه لأسباب ولواقع ما هي فيه من فقر وعوز وبطالة وتأخروتضييق،......

 إن المتتبع للأحداث التي تجري في عالمنا العربي  وتسلسل وقوعها ليرى ويدرك أن ما حصل قد كان مرشحاً للحدوث فيها وفي غيرها بنفس القدر، إذ إن الإفقار والتجويع والإذلال والقهر والاستبداد  إنما هي عوامل تجعل أي إنسان يثور على هذا الوضع ليغيره، فكيف يكون هذا الأمر عند خير أمة أخرجت للناس؟ فكان هذا الاحتقان عند الأمة الإسلامية المستند لوعيها السياسي من مشرقها إلى مغربها هو هو، وان الحرارة عند الأمة في كل مكان هي نفس الحرارة، وإن الشوق للإسلام هو نفسه في كل قطر، و لكن  مصر وتونس هما  اللتان علقتا الجرس إيذاناً بكسر حاجز الخوف من الغاشم فكسرته، فالشجاعة هي مواجهة الخوف وليس الهرب منه، فانحاز الجيش للأمة لأنها المعول عليها؛ فلم يطلق النار عليها لأنه سندها الطبيعي، فارتد الخوف على الغاشم، وانعكس ما يحدث في المغرب على المشرق وسارع الغاشم مهرولاً في كل مكان محاولاً تدارك أمره، فهذا يصرف لكل مواطن ألف دينار.

 وهذا يصدر قراراً بزيادة دعم التدفئة، وهذا يصدر قراراً بتخفيض أسعار السلع، وهذا يوظف أبواقه الإعلامية محاولاً تجميل نفسه ليظهر بمظهر الراعي محاولاً إخفاء وجهه الحقيقي، ولكن هيهات هيهات فالأمة اليوم واعية، فلا مكان لمتسلق أو لمستوزر أو لصائد ثورة، أو لمرتزق، فالأمة لا تسلم رايتها لجبان، وا يستطيع الغاشم خداعها بإعادة إنتاج نفسه أو تغيير لهجته، فكل حيله مكشوفة، وأقنعته زائفة، وتباكيه على الأمة دموع تماسيح، فالغاشم يخاف ولا يستحي وكذلك سيده.

إن العالم بعد أحداث تونس ومصر ليس كالعالم قبلها، فما حدث في تونس كان مفاجئاً لأعدائنا والمتربصين بنهضتنا ، ولكنه بالنسبة لنا لم يكن مفاجئاً، فإننا منذ زمن بانتظاره بفارغ الصبر، فلقد ترسمنا خطى المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) وطريقته، فسرنا عليها ثم أعدنا النظر حين أبطأ النصر، فوجدنا أننا لم نتجاوزها قيد أنملة، فأسلمنا أمرنا لربنا، فالنصر من عنده، وضاعفنا جهدنا بالعمل في الأمة حتى أنتج الوعي العام رأياً عاماً مبنياً على الفكر ولله المنة والفضل

إن ما حدث ، وسواء أَوَصلنا إلى ما نريد أم لم نصل، فإنه نصر للفكرة، وأثبت مقولتنا بأن السند الطبيعي للحكم إنما يكمن في الأمة، والجيش سندها، وليس معاداة الجيش أو الاستقواء بالخارج، وإن طريقتنا التي استلهمناها من سيرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) القائمة على الصراع الفكري والكفاح السياسي هي التي تتغذى بها الأمة لتصل إلى التغيير الحقيقي.... .

*أرني يداً سدت علينـا المشرقا*

 لقد ابتليت الأمة الميمونة بنكسات وأزمات كثـيرة على طول تاريخها، مروراً بأزمة الردة الطاحنة، والهجمات التترية الغاشمة، والحـروب الصليبية الطاحنة، لكن الأمة مع كل هذه الأزمـات والمآزق كانت تمتلك مقومات النصر من إيمان صادق، وثقة مطلقة فى الله واعتزاز بهذا الدين، فكتب الله لها جل وعلا النصرة والعزة والتمكين، ولكن واقع الأمة المعاصر واقـع مر أليم، فقدت فيه الأمة جل مقومات النصر بعد أن انحرفت الأمة انحرافاً مروعاً عن منهج رب العالمين وعن سبيل سيد المرسلين ، انحرفت الأمة ووقعت في انفصام نكد بين منهجنا المضيء المنير وواقعهـا المؤلم المر المرير، انحرفت الأمة في الجانب العقدي، والجانب التعبدي، والجانب التشريعي والجانب الأخلاقي، والجانب الفكري، بل وحتى فى الجانب الروحي، وما نحياه الأمة الآن من واقع أليم وقـع وفق سنن ربانية لا تتبدل ولا تتغير  ولا تحابي هذه السنن أحداً من الخلق بحال مهما ادعى لنفسه من مقومات تستدعي المحاباة، بل ولن تعود الأمة إلى عزها ومجدها إلا وفق هذه السنن التي لا يجدي معها تعجل الأذكياء ولا هم الأصفياء، قال تعالى:

إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ  

والله لقد غيرت الأمـة وبدلت فى جميع جوانب الحياة، فتأمل ستجد الأمة استبدلت بالعبير بعرى، وبالثريا ثرى، وبالرحيق المختوم حريق محرق مهلك مدمر، وظنت الأمة المسكينة أنها يوم أن نَحَّت شريعة الله وشريعة رسول الله وراحت تلهث وراء الشرق الملحد تارة ووراء الغرب الكافر تارة أخرى أنها قد ركبت قارب النجاة، فغرقت الأمة وأغرقت وهلكت الأمة وأهلكت، ولن تعود الأمة إلى سيادتها ورياديتها إلا إذا عادت من جديد إلى أصل عزها ونبع شرفها ومعين كرمها ومعين بقاءها ووجودها إلى كتاب ربها وسنة حبيبها ورسولها .

لقد انحرفت الأمـة فزلَّت وأصبحت قصعة مستباحة لكل أمم الأرض، وصدق في الأمة قول الصادق الذي لا ينطق عن الهوى كما في كما في حديثه الصحيح الذي رواه أحمد وأبو داود من حديث ثوبان أنه قال: ((يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها))  فقال قائل: من قلة نحن يومئذ. قال: ((بل أنتم يومئذ كثير، ولكن غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن فى قلوبكم الوهن)) قيل وما الوهن يا رسول الله ؟! قال: ((حب الدنيا وكراهية الموت ))(

  لقد أصبحت الأمة الآن غثاء، ذلت بعد عـزة، جهلت بعد علم، ضعفت بعد قـوة، وأصبحت الأمة الإسـلامية فى ذيل القافلـة الإنسانية كلها، بعد أن كانت الأمـة بالأمس القريب، الدليل الحاذق الأرب، بعد أن كانت تقود القافلة الإنسانية كلها بجدارة واقتدار، أصبحت الأمة الآن تتسول على مائدة الفكر الإنساني .

 بعد أن كانت الأمة بالأمس القريب منارة تهدى الحيارى التائهـين ممن أحرقهم لفح الهاجرة القاتل وأرهقهم طول المشي في التيه والظـلام، لقد أصبحت الأمة المسكينة تتأرجح في سيرها بل لا تعرف طريقها الذي ينبغي أن تسلكه ويجب أن تسير فيه، بعد أن كانت الأمة بالأمس القريب جداً الدليل الحاذق الأرب في الضروب المتشابكة فى الصحراء المهلكة التي لا يهتدي لليسر فيها إلا الأدلاء المجربون .  

 إن الناظر إلى واقع الأمة المر المرير الأليم الذي لا يكاد يخفـى على أحد  ومما تتعرض له اليوم -لا أقول دولة بعينها بل ما تتعرض له الأمـة جلها- من إذلال مهـين، وما تتعرض له الآن من ذل وهـوان وضرب ليؤكد تأكيداً جازمـاً هذا الواقـع المر الأليم الذي لا يحتـاج لمزيد بيان أو مزيد تشخيص أو تدليل .

     لا ريب على الإطلاق أن الأمة في سبات منذ أمد طويل،  ولا ريب أنها مرضت وغـاب مرضها وجهلت وعظم جهلهـا، وضلت وضل قائدها،                               

 وتراجعت للوراء بعيداً بعيداً، ولكن مع كل هذا وذاك بحول الله وقوته لم تمت ولن تموت هذه الأمة الميمونة بموعود الصادق الذي لا ينطق عن الهوى ، لأن أبناء الطائفة المنصورة في هذه الأمـة لا يخلو منها زمان ولا مكان بشهادة سيد الخلق أجمعـين كما في الصحيحين من حديث معاوية أن النبىقال: ((لا تزال طائفة من أمتى قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتى أمر الله وهم ظاهرون على الناس ))(

ولئن عرف التاريخ أوساً خزرجا       فلله  أوس قادمـون وخــزرج

وإن كنوز الغيب  تخفى طلائـع        حـرة رغـم  المكـائد تخـرج

صبح تنفس  بالضيـاء وأشـرقا       وهذه الصحوة  الكبرى تهز البيرقا

وشبيبة الإسـلام  هـذا فيلـق         في ساحة الأمجـاد يتبـع فيلـقا

و قوافل الإيمـان تتحدى  المدى        ضـرباً و تصنع للمحيط الزورقا

وما أمر هذه  الصحوة  الكـبرى        سوى وعد من  الله الجليل  تحققا

هي نخـلة  طاب الثـرى  فنمى        لها جذع طويل فى التراب وأعذقا

هي في  رياض قلوبنـا  زيتونـة       في جذعها  غصن الكرامة  أورقا

فجر تدفق  من سيحبس نوره  ؟!        أرني يداً سدت علينـا المشرقا

وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ].

ولقد ذكر سلطان العلمـاء الإمام العز بن عبد السلام فى البـلاء سبعة عشر فائدة، ذكر هذه الفوائد كلها فى البلاء، فلا تظن أنه مع هذه الأزمة سيزول الإسلام، وسينتهى المسلمون لا وألف لا،

لقد هجم القرامطة على المسلمين فى بيت الله، وذبحوا الطائفـين حول بيت الله، واقتلع أبو طاهر القرمطى الخبيث الملعون المجرم الحجر الأسود من الكعبة، وظل يصرخ بأعلى صوته  عليه لعنة الله  فى صحن الكعبة وهو يقول: أين الطير الأبابيل ؟! أين الحجارة من سجيل ؟!

انظروا إلى هذه الفتنة العاصفـة الطاحنة على كل مسلم، وظل الحجر الأسود بعيداً عن بيت الله ما يزيد عن عشرين عاماً، ومع ذلك كله رد الله الحجر، ورد الله المسلمين إلى دينه، وانتصر الإسـلام على القرامطـة كما تعلمون .

وها هو بـلاء آخر لقد هجم التتار الكافر على بغـداد وظلوا يذبحون ويقتلون أربعين يوماً حتى جرت الدماء فى  شوارع بغـداد، ومع ذلك كله رد الله المسلمين إلى الإسلام، وأخذ الله الصليبيين والتتار وهزمهم شر هزيمة على أيد الصادقين المخلصين الأبرار، أليس هو القائل:

وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ :

وفى الحديث الذى رواه مسلم من حديث ثوبان أن الصادق المصدوق قال: ((أن الله تعالى زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتى سيبلغ ما زوى لى منها .. ))

يقول لخباب بن الأرت  ((والله لَيُتِمَّنَّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ))  

وفى الحديث الذى رواه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه على شرط الشيخين وأقر الحاكمَ الذهبيُ، وقال الألبانى: بل هو صحيح على شرط مسلم من حديث تميم الدّارىّ أن الحبيب النبى قال: ((ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترُكُ الله بيت مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلا أدخله الله هذا الدين، بعزٍ عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر ))

                

* رئيس الحركة الإسلامية في ام الفحم وضواحيها..

رئيس الدائرة الإعلامية في الحركة الإسلامية القطرية-الداخل الفلسطيني.