الخطاب الإسلامي المعاصر-2-
د.
رمضان
عمر
رئيس رابطة أدباء بيت المقدس / فلسطين
أدوات الخطاب الإسلامي المعاصر
كاد الحديث- في الحلقة السابقة-أن يحسم مفهوم الخطاب باعتباره سلطة مهيمنة على منطق تفكير أي أمة من الأمم، وكان وصفه بالمعاصرة يقتضي إجراءات واقعية تحيله إلى ميدانه العملي، وتنقله إلى مقتضاه التفاعلي، بعد أن استقر له منطقه النظري.وذلك حين تتبعنا مصطلح الخطاب لدى القدماء والمحدثين، من خلال دلالاته اللغوية والفكرية والإيديولوجية.
لكن هذا التصور المبدئي بعموميته-لا يمكن أن يلغي استراتيجيات التشكل الفكري -لهذا الخطاب- النابعة من نصوص تعد- في نظر البعض- قديمة " زمنيا"،كما يرى الحداثيون أو دعاة العصرنة بمفهومها الغربي أو التغريبي؛ ذلك أن أسلامية الخطاب تفرض عليه أن يُصبغ بهوية الإسلام المتكئة على القرآن والسنة.
ومن هنا، فإن العودة إلى ينبوع الحكمة- من قرآن وسنة- لن يكون تجاوزا في اختيار الأدوات الفاعلة لهذا الخطاب، بل ربما كان ذلك الغوص إلى ينبوع هذا الدين هو الأساس المتين الذي يحقق تلك الفاعلية، ويضمن لها سلامتها من أي نقص.
وإذا كنا قد اتفقنا على أن "المركزية" بمفهومها السياسي هي الأساس الأول لطبيعة هذا الخطاب؛فإن هذه المركزية تستند إلى تصور شرعي يستقي مفهومه من نصوص الشريعة، أعني من"القران والسنة"، وهنا تتجلى تصورات الخطاب الكلي، وعلى رأسها وحدة الأمة( وحدة الهدف والمصير والانتماء): قال تعالى"( إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أمة وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)(الأنبياء:92).
وقد تحدثنا عن هذا الموضوع في الحلقة السابقة، وبينَّا "أن من أهم مقتضياته رفض الإقليمية، والفئوية، وخطاب الدولة ذات الحدود الجغرافية المرسومة استعماريا عبر مفهوم جغرافي ضيق.
وإذا انتفى العنصر الجغرافي كأساس لوحدة الأمة أو وحدة الخطاب؛ فإن مشَكِّلات أخرى تشكل أساس هذه الوحدة، قال تعالى : {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ "( أل عمران 85)
وقد اتصفت هذه الأمة بالخيرية، حينما كانت تقوم بأمر الفعل المنوط بها، وهو التفسير الأدق لمفهوم الخطاب الديني؛ فالخطاب الديني يصِّر على مبدأ" الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"{ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ }(آل عمران110)،وهذا يلغي سمة النظرية المطلقة عن هذا الخطاب، أي صفة الرهبانية التي تسمح للمتدين أن يتحلل من أعباء القيام بسلوك فاعل كما في بعض التصورات الكهنوتية أو اليهودية، تحت زعم الانقطاع للعبادة.
أي أن الخيرية- وهي درجة تدل على صدق المسار والفاعلية- وتقوم على أساس تكاملي بين الأمر والنهي(أي الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر)؛ فالنهي عن المنكر هو الجانب الكفاحي" الجهاد" في حركة التصور الإسلامي الفاعلة، بينما الأمر بالمعروف يمثل حركة البناء والإصلاح. وهذا يعني أن أي خطاب إسلامي يسقط مفهوم الجهاد عن تصوراته؛ فقد اسقط أساسا من أسس الفاعلية، فلا يجوز بناء حركة على الجانب الوعظي، أو الجانب التصوفي، كما تفعل بعض الجماعات، بل لا بد من تكامل الرؤية في الإصلاح والممانعة؛ فالإسلام كلٌّ لا يتجزأ أو كما قال سيد قطب-رحمه الله- " خذوا الإسلام جملة أو دعوه جملة".
هذا المنطلق الأولي لمفهوم الفاعلية في الخطاب الإسلامي المبني على سلوك سياسي جمعي من خلال مفهوم" الأمر والنهي" يحتاج إلى مقومات لتحقيقه كإطار أو تصور كلي، وهذه المقومات تقوم على:
1-
الفرد العامل:
وتبدو أهمية الفرد –هنا- باعتباره المكلف الأول لحمل رسالة التغيير والإصلاح"
أي هو أداة تفعيل الخطاب" ومن هنا، فقد اهتم الإسلام بالفرد أيما اهتمام، وأعلى
من شانه"
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"الْمُسْلِمُ
أَخُو
الْمُسْلِمِ
لَا يَظْلِمُهُ
وَلَا يَخْذُلُهُ
وَلَا
يَحْقِرُهُ
التَّقْوَى هَاهُنَا"وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ
مَرَّاتٍ،
بِحَسْبِ امْرِئٍ مِن الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ
الْمُسْلِمَ،
كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ
دَمُهُ وَمَالُهُ
وَعِرْضُهُ".أخرجه
أحمد (2/277، رقم 7713)، ومسلم (4/1986، رقم 2564) . وأخرجه أيضًا:
البيهقي (6/92، رقم 11276).:
ويقول سبحانه;"مِنْ
أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً
بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ
جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ
جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ
ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ
"(المائدة 32)
قال مجاهد -رحمه الله - فى
الإثم "وهذا يدل على عظم قتل النفس بغير حق.
ويقول النبي- صلى الله عليه وسلم-
:"لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا اله إلا الله وأنى رسول الله إلا بإحدى ثلاث
النفس
بالنفس والثيب الزاني والمارق من الدين التارك للجماعة" (متفق
عليه وهذا لفظ
البخاري)
2-
ويقول النبي- صلى الله
عليه وسلم-:" أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا
اله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة،
ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا
ذلك عصموا منى دماءهم
وأموالهم ألا بحق الإسلام وحسابهم على الله".(
متفق عليه من
حديث ابن عمر رضى الله عنهما)
.
وفى سنن النسائى عن عبد الله بن عمرو- رضي الله
عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم -قال :" لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل
رجل
مسلم"".
لكن الاهتمام بالفرد- باعتباره حامل الرسالة، والمنوط بالتكليف- تجاوز حد الدفاع عنه إلى الحد الذي جعله مركز الكون، فسخر له كل شيء؛ قال الله تعالى: ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ) البقرة / 29 .
وقال : ( أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ) لقمان/20 .
وقال : ( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الجاثية /13.
وقال : ( وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ) إبراهيم /33 .
والإنسان الذي سخر الله له كل هذه الكائنات مخلوق متطور مميز؛ والتطوير يلزم تحرير هذا الإنسان من العبودية؛ ومن هنا؛ فان أجلَّ خصائص التصور للخطاب الإسلامي تحرير العباد، ونقلهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد،ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، تلك الرسالة التي حملها ربعي بن عامر ل( رستم) قائد فارس، بل إن الإسلام قام على هذه الفلسفة التي اعتبرت حدا فاصلا بين الإسلام والكفر؛ حيث ساوى بين الخلق وجعل التفاضل بينهم بالتقوى " قال الله تعالى:} إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ{(الحجرات13)
والعبودية التي تسلب الفرد حقه في التطور والنماء عبودية باطلة:يقول الكواكبي "أ"، وقديما دوت كلمة عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- الخالدة لعمرو بن العاص:"متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا."
وفي عصر النهضة الأوروبية الحديثة اكتشفت أوروبا أهمية الفرد، فأعلت من شان الذات، وأدركت أن هذا العقل البشري العبقري أجدر به أن تنصاع له المادة الصماء، ولا ينصاع لها هو؛ فنادى الغرب بالعلمانية، وهو نداء منقوص؛لأن الذات لا تكتمل إلا بارتباطها بخالقها الموجِد لها، لكن ذلك النداء من خلال إدراك أهمية الذات في أوروبا كان له اكبر الأثر في تشكيل المركزية الأوروبية، التي بنت حضارة أوروبا الحديثة،يقول الدكتور شلتاغ عبود:"منذ أن قال ديكارت:(أنا أفكر فأنا موجود)، كان الإلحاح على(الأنا) و(الفرد) الذي يشعر بوحدانيته وجبروته، وسقط الآخرون من الميزان، وكان أن أصبح الإنسان مركز كل شيء ومقياساً لكل شيء، وتحول مركز الكون من الله إلى الإنسان في تكوين الوعي الأوربي الحديث.
ومن هذه المركزية كان فهم الكون، وكان تقويم الآخرين، فالغرب هو محور الدنيا كلها، والعالم كله والآخرون معه أطراف للمركز الأوربي، ومن هنا كانت الهيمنة الأوربية والاستعلاء الأوربي. ومن هنا كانت دراستهم لتاريخ الحضارات الإنسانية. فالتاريخ عندهم يبدأ في أوربا، والعصور الإنسانية تبدأ في أوربا، فهي تقسم إلى ثلاثة عصور: العصور القديمة والوسطى والحديثة. والإنسان الأوربي هو محور حركة هذه العصور، فهو الإنسان اليوناني والروماني والمسيحي والحديث"؛ ومن هنا كان خطأ العلمانية القاتل، حينما فصلت فصلا تاما بين الدين والسياسة، أو بين الدين والعلم وكان أجدر بتلك الحركة العلمية أن تقف على الحقائق الكبرى؛ فتذعن للخالق المبدع؛ لكنه الكفر الذي وقف على حدود المحسوس المدرك، ولم يتجاوزه إلى الموجِد الأول.
ثانيا- النظام السياسي الشامل
حينما أقول "الإسلام هو الحل" فهذا يعني أنني أتحدث عن شعار، وعندما أقرأ قول
الله تعالى:" إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ
فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا
لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا
مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ
وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ
بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ"(المائدة
44) فهذا مبدأ يرسم معالم الخطاب الإسلامي القائم على وجوب الحكم بما انزل
الله،
يقول الشيخ سفر الحوالي "
إن التحاكم إلى ما أنزل الله، ونبذ كل شرعةٍ تخالف شريعة الله، هو جزءٌ من
توحيد الله -تبارك وتعالى- ومن عبادته وحده"،
ويضيف معلقا على الآية السابقةوَمَنْ
لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ
"
تدل على أن من أهم مقومات المجتمع المسلم وتحقيقه لتوحيد الله أن يكون الحكم
لله تبارك وتعالى بالرد إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ."
وحينما
نقرا قوله تعالى :" أَفَحُكْمَ
الْجَاهِلِيَّةِ
يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ
يُوقِنُونَ)
المائدة
50)
فنحن نتحدث-هنا- عن اعتراض واستنكار،
لكنه مدخل للتصور الإسلامي؛ فالجاهلية تمثل خطابا مغايرا للأمر الذي طالب به
الشرع؛ يقول سيد قطب- رحمه الله- في هذا المجال :" إن
معنى الجاهلية
يتحدد بهذا النص
.فالجاهلية
- كما يصفها الله ويحددها قرآنه
–هي حكم البشر للبشر
,
لأنها هي عبودية
البشر للبشر ,والخروج من عبودية
الله ,ورفض
ألوهية
الله
,`والاعتراف
في مقابل هذا
الرفض بألوهية بعض البشر،وبالعبودية
لهم من
دون
الله
. .
إن
الجاهلية - في ضوء هذا النص - ليست فترة
من الزمان ;
ولكنها وضع من الأوضاع
.هذا
الوضع يوجد بالأمس
,ويوجد
اليوم ,
ويوجد غدا ,
فيأخذ صفة الجاهلية، المقابلة
للإسلام
,والمناقضة
والناس - في أي زمان وفي أي مكان - إما أنهم يحكمون بشريعة الله - دون فتنة عن
بعض منها - ويقبلونها ويسلمون بها تسليما , فهم إذن في دين الله . وإما إنهم
يحكمون بشريعة من صنع البشر - في أي صورة من الصور - ويقبلونها فهم إذن في
جاهلية ; وهم في دين من يحكمون بشريعته , وليسوا بحال في دين الله . والذي لا
يبتغى حكم الله يبتغي حكم الجاهلية ; والذي يرفض شريعة الله يقبل شريعة
الجاهلية , ويعيش في الجاهلية . وهذا مفرق الطريق , يقف الله الناس عليه . وهم
بعد ذلك بالخيار !
"
لكن هذه الآيات في مجملها تشكل منطلقات للتصور الإسلامي حول النظام الذي أساسه الحكم بما انزل الله، ومقومات التصور السياسي لنظام يرتضيه الخطاب الإسلامي تمثل جملة من الأركان الأساسية أهمها إطار الحكم ثم النظام الاقتصادي ثم النظام الاجتماعي الخاص بالسلوك والعلاقات الخارجية والداخلية وكل ذلك يحتاج إلى تفصيل ليس مجاله ما نحن بصدده في هذه الدراسة. لكن الذي يعنينا- هنا- وجود نظام عام يحكم سلوك الفرد والجماعة في ظل وحدة الأمة، فالأمة لها دستورها الواحد، وخليفتها الواحد، وبرنامجها الاقتصادي الواحد، والسياسي الواحد .... إلخ.
ثالثا- مؤسسات الخطاب الإسلامي.
وأعني بالمؤسسات-هنا- الجانب التطبيقي لتحويل هذا الخطاب إلى إستراتيجية تفاعلية قابلة للحركة والديمومة، ولا يتم- له- ذلك إلا من خلال برمجة تعنى بجوانب النظام الإسلامي كلها: من سياسة، ونظام حكم، واقتصاد، وواقع اجتماعي ، وهذا يعني أن الترجمة الفاعلة للخطاب الإسلامي تقوم على أساس بناء مؤسسات الخطاب الإسلامي، وقد تم ذلك فعلا من خلال ترجمة الخطاب الديني لواقع عملي، فعلي مستوى الوحدة "للمسلمين قبلة واحدة، وإمام واحد،وصلاة واحدة،وصوم شهر في وقت واحد، وحج إلى مكان واحد، ونظام اقتصادي واحد يتمثل في الزكاة، والميراث، وأحكام البيع والشراء،وكل ما له علاقة بالمال من رهن ودين وتجارة، وكل ذلك موجود في كتب الفقه، لكن تأسيس ذلك يقتضي إيجاد لجان زكاة –مثلا- في مشروع أي حركة، أو ما شابهه من مشروع اقتصادي يقوم بتنفيذ فلسفة التصور الاقتصادي الإسلامي في الناس، وإيجاد قيادة موحدة كمجلس شوري مثلا، واستثمار الخطاب في سلوكيات فاعلة على مستوى بناء الأمة من خلال متطلباتها المتعددة اقتصاديا وفكريا وسياسيا، لا بد من إنشاء مؤسسات علمية حضارية فاعلة؛ وهذا لن يقتصر على المدارس والجامعات، بل يتجاوزه إلى الفضائيات، والصحف، ومواقع الانترنت، ومراكز البحث الاستراتيجي.
ولا بد من الاستفادة من أدوات التكنولوجيا الفاعلة التي من شأنها أن تيسر أمور هذه المؤسسات ومواكبتها من خلال مؤتمرات وأبحاث، ودعم التخصصية الفاعلة في ذلك؛ من خلال خلق كوادر وطاقات تدير هذه المؤسسات بحسب اهتماماتها" ثقافيا، وفكريا، واقتصاديا، واجتماعيا وتكنولوجيا".
هذه المقومات تعد أطرا عامة لتشكيل الخطاب الفاعل، وعند الحديث عن ترجمة لهذا التصور نكون قد وصلنا إلى الجانب العملي(تجربة الخطاب من خلال واقعيته، وقابليته للتطبيق الفعلي، وهو الأهم في مراد الشرع؛لأن الهدف من تشكيل خطاب فاعل الوصول إلى الغاية التي وجدنا من أجلها، قال تعالى:(وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)( 56 الذاريات )" مما يعني أن الخطاب الإسلامي وسيلة لت حقيق الغاية التي خلقنا من أجلها؛ ومن هنا كان الحديث عن أدوات هذا الخطاب كوسائل فاعلة لتحقيق هذا الخطاب.