ثورة آذار السورية بين الأمس واليوم
رؤية خاصّة
د. محمد أحمد الزعبي
أولاً، الأسباب البعيدة والقريبة للثورة :
لابد من الإشارة بداية، إلى أنني وفي إطار إعدادي لهذه الرؤية، قد واجهت مع نفسي صعوبة منهجية، تتعلق، من جهة، بعمومية وتداخل الموضوعات المتعلقة بهذه الرؤية، ومن جهة أخرى، بأنني قد سبق وكتبت ونشرت حول أزمة الثورة السورية، التي لم تبدأ عملياً اليوم ، ولكنها بدأت منذ عام 2011، وبالتالي فإن ما سأقدمه هنا يمكن أن يتداخل ويتقاطع بعضه مع بعض ما سبق أن نشرناه، وهو ما نعتبره أمراً طبيعياً .
1 . إن مقولة " ليس من رأى كمن سمع " المعروفة، إنما تحيلنا عملياًّ إلى إشكالية الفارق الجوهري بين من يتلقى الضربات، وبين من يحصيها فقط، وهو ما يدفعنا إلى القول: إنه لا يمكن لمنظّر أن " يفتي " نيابة عن ممارس، ولا لشبعان نيابة عن جائع، ولا لطفل يعيش في حضن أبويه نيابة عن أخر فقد عائلته، ولا لمن لم تغتصب ابنته أو زوجته نيابة عن آخر اغتصبت ابنته أو زوجته، ولا لقاطن تحت سقف نيابة عن أخر يعيش تحت غيمة ماطرة، ما نعنيه هنا، هو أنه علينا ألاّ نستغرب تردد سكان الخنادق، في قبول فتاوى سكان الفنادق من الأفندية والمثقفين، الأمر الذي يمكن أن ينطبق على مقالنا هذا أيضاً.
2 . يتساءل البعض عن مدى صوابية توصيفنا للحراك الشعبي الذي أعقب حادثة البوعزيزي والذي بدأ بتونس ثم امتد إلى مصر وليبيا واليمن وسورية والعراق بـ " ثورات الربيع العربي "، وهل الأصوب هو توصيفها بـ " الانتفاضات " بدل الثورات ؟. إنه بالعودة إلى الجذر اللغوي لمفهوم كل من الثورة والانتفاضة في المراجع اللغوية، لا يقع المرء على كبير فرق بين هذين المفهومين بل إن هذه المراجع تفسر كل منهما بالآخر، أو توردهما كمترادفين، ولكن بعض المراجع السوسيولوجية أشارت إلى وجود فرقين أساسيين بينهما، يتعلقان بدرجة شمولية مضمون كل منهما، سواء أفقياً أو عموديّاً. إذ بينما تكون الانتفاضة محدودة (الشعب يريد تصحيح المسار)، تكون الثورة، من جهة، شاملة لمعظم الفئات والطبقات الشعبية إن لم يكن كلها، وتكون مطالبها، من جهة أخرى، جذرية وكلية (الشعب يريد إسقاط النظام)، وبتعبير أخر، فإن الانتفاضة تكتفي بالتغيير الكمّي، في حين تهدف الثورة إلى التغيير النوعي. وإذا ما طبقنا هذا المعيار على الحالة السورية، فيمكننا القول، أن الحراك الشعبي في سورية ضد نظام عائلة الأسد الديكتاتوري عام 2011، قد بدأ كانتفضة ثم تطوّر إلى ثورة,
3 . تقف وراء أية ظاهرة اجتماعية (والثورة ظاهرة اجتماعية) سلسلة سببية مترابطة
ومتداخلة جدليّاً، بحيث ينبثق فيها اللاحق عن السابق، وعادة ما تكون هذه الأسباب متفاوتة الدور والأهمية، ذلك أن بعضها قريب وبعضها بعيد، بعضها جوهري وبعضها عرضي، بعضها مباشر وبعضها غير مباشر، بعضها هام وبعضها أقل أهمية، بعضها ظاهر وبعضها مستتر...الخ، وذلك حسب ظروف الزمان والمكان، وبالتالي حسب الظروف الاجتماعية والثقافية المتعلقة والمحيطة بهذه الظاهرة.
4 . إن أبرز محطات / حلقات السلسلة السببية التي تقف وراء ثورة آذار 2011، والتي أدّت إلى تحول التراكمات التاريخية (الكميّة) التي كان أخرها حادثة أطفال درعا، إلى ثورة شعبية " نوعية " عارمة على مستوى الوطن كله، هي بصورة أساسية:
+ حلقات تعود إلى المرحلة الاستقلالية (بعد 1946) ولا سيما بروز دور الجيش على الساحة السياسية السورية، والمناخ السياسي الديموقراطي (نسبياً) الذي عاشته سورية في هذه المرحلة، بعد سقوط حكم أديب الشيشكلي عام 1954 .
+ حلقات تعود إلى مرحلتي الوحدة ( 195 ـ 1961) والانفصال (1961 ـ 1963)..
+ حركة 23 شباط 1966 ، والصراع على السلطة بين الجناحين المدني (عفلق ومنيف الرزاز / القيادة القومية ) والعسكري (حافظ وصلاح جديد / القيادة القطرية) في الحزب وفي الجيش وفي الحكم ،
+ حرب حزيران 1967 واستيلاء إسرائيل على هضبة الجولان.
+ الإشكالية المتعلقة ببلاغ سقوط القنيطرة رقم 66 (قبل أن تسقط فعليّاً) الذي أصدره حافظ الأسد كوزير للدفاع آنذاك.
+ الصراعات الحزبية التي تلت هزيمة حزيران، بين قيادة حركة 23 شباط 66 وحافظ الأسد، والتي انتهت.
+ بانقلاب حافظ الأسد على قيادة حركة 23 شباط 1966، وبالتالي على الحزب والحكم والجيش، وانكشاف.
الوجه الطائفي لحركته التصحيحية !!(نوفمبر 1970 وحتى هذه اللحظة).
5 . مرحلة حكم عائلة الأسد أو " أم المراحل " :
لقد وصل حافظ الأسد ومجموعته إلى السلطة في سورية عام 1970، عبر توجه مزدوج
إن مثل هذا الفهم الطائفي المؤسف لحزب البعث العربي الاشتراكي، لا يسمح ـ إطلاقاً ـ بمماهاة حزب البعث بنظام عائلة الأسد. إن حزب البعث، لم يكن واقعياً بالنسبة لحافظ الأسد ومجموعته العسكرية سوى حصان طروادة، الذي استخدموه لإخفاء عورتهم الطائفية. ولاسيما بعد أن تخلص بالقتل وبالسجن وبالكذب والخداع من كل من يقف في وجهه من العسكريين والمدنيين .
هذا ويمكن أن نقسم مرحلة حكم عائلة الأسد إلى قسمين أساسيين : مرحلة الأب التي امتدت من عام 1970 وحتى وفاته عام 2000، ومرحلة الأبن (الوريث) التي بدأت عام 2000 وما تزال مستمرة حتى اليوم (01/12/2014). لقد كان انقلاب الأب على شركائه في حركة 23 شباط 1966، (مجموعة صلاح جديد) وتفرده بالسلطة عام 1970، وتنفيذه لمجزرة سجن تدمر 1980، ومجازر محافظات حلب وإدلب وحماة (مابين 1980 و 1982) المعروفة أبرز الممارسات الدموية القذرة التي ورّثها لابنه بشار. ولقد افتتح بشار عهده الجديد بخديعة الديموقراطية وفتح باب حرية التعبير(موارباً) والذي كان مغلقاً بزمن أبيه، وذلك فيما أوحى به كذباً في " خطاب القسم "، وهكذا اندلعت شرارة ربيع دمشق الأول بإنشاء المنتديات السياسية غير الرسمية التي أخذت تعقد لتشجيع الحوارات المفتوحة بين جميع الأطراف للقضايا السياسية وقضايا المجتمع المدني، وقد كان أشهر هذه المنتديات منتدى الحوار الوطني الذي أنشأه رياض سيف، ومنتدى الأتاسي الذي أنشأته سهير جمال الأتاسي. لقد كانت مطالب المشاركين في هذه الحوارات الأساسية والتي وردت في ما سمي بيان الـ 99 (سمبتمبر 2000) ولاحقاً في بيان الـ 1000(يناير 2001) هي بصورة أساسية: التعددية السياسية والفكرية، ورفع حالة الطوارئ، وسيادة القانون، واستقلال القضاء، أي لم يكن بينها تغيير النظام،
لم يدم شهر العسل هذا طويلاً، إذ سرعان ما قلب بشار لهذه المعارضة السلمية والمشروعة ظهر المجن، وأغلق منتدياتها (بصورة خبيثة ومتدرجة) ووضع ناشطيها الأساسيين في السجن، وبعثت (بضم الباء) بهذا روح الأب ووحشيته من جديد، (وكأنك يابو زيد ما غزيت ) .
ثانياً ، ثورة آذار 2011، أبرز المحطات :
يطلق بعض الكتاب، وبعض وسائل الإعلام العربية والعالمية، على الحراك الشعبي الذي شهدته سورية في آذار إسم "ثورة 15 آذار"، اعتماداً على عدد من الاعتصامات والاحتجاجات التي نظمها بعض النشطاء في دمشق في شهري شباط وآذار 2011 طلبا للحريات المفقودة، والتي كان أبرزها مظاهرة " سوق الحميدية " بتاريخ 15 /3/2011 التي دعا إليها عدد من النشطاء تحت إسم " يوم الغضب " وقام شبيحة الأسد بتفريقها بالقوة، بينما يطلق عليها البعض (ولا سيما أبناء محافظة درعا / حوران) أسم " ثورة 18/ آذار /2011 " اعتماداً على أن أول شهداء الثورة قد سقطوا في هذا اليوم وفي اليوم التالي ( يوم التشييع ) في مدينة درعا، وأن هؤلاء الشهداء (الأربعة) هم من يمثل الشرارة الحقيقية لانطلاقة الثورة السورية، ويعطيها أسمها الفعلي، إضافة إلى أن ثوار درعا هم أول من دمّر وأسقط تمثال حافظ الأسد في مدينة درعا .
من جهتنا لن نتوقف طويلاً عند هذه الإشكالية، فشهداء الثورة قد بلغوا اليوم قرابة ربع مليون شهيد، ولا فضل لمحافظة على أخرى في استمرار وفي صمود " ثورة آذار 2011 " ، فالكل أمام أسلحة بشار الأسد الصاروخية والكيماوية سواء ..
وفيما يلي أبرز محطات هذه الثورة الثورة :
جاك الدور يا دكتور) وذلك بتاريخ 27.02.2011، وسرعان ما تم اعتقالهم من قبل الأجهزة الأمنية في درعا، وإرسالهم إلى أقبية التعذيب في دمشق.
2. حاول آباء هؤلاء التلاميذ الصغار، ومعهم العديد من أعيا ن المدينة التوسط لدى مدير فرع الأمن السياسي بدرعا (عاطف نجيب / أحد أفراد الأسرة الحاكمة )، للإفراج عن هؤلاء الأطفال، بيد أن ردة فعل هذا المسؤول الأمني على مطالب هؤلاء الآباء والأعيان كانت استفزازية، وغير أخلاقية، وغير محتملة اجتماعيّاً، الأمر الذي معه خرجت المظاهرات الشعبية "سلميّاً" في مدينة درعا(18.03.2011)، فيما سمي بـيوم "جمعة الكرامة"، حيث جابهتها الأجهزة الأمنية الأسدية بالرصاص الحي الذي أوقع عدداً من الشهداء، الذين كانوا الصاعق الذي فجر في الأيام والجمع التالية الثورة السورية، بداية في محافظة درعا، ونهاية في كافة أنحاء سورية. ( لقد وثق المغني السوري سميح شقير هذه الواقعة بأغنيته الرائعة والمعبرة " يا حيف ! " ) ..
اللي بيقتل شعبه خاين). إن مواجهة المظاهرات الشعبية السلمية، بالرصاص الحي، واستمرار السقوط اليومي لعشرات الشهداء في كافة أنحاء سورية، وأكذوبة العصابات المسلحة قد دفع بشباب الثورة وقادتها إلى الارتفاع بسقف مطالبهم، من الإفراج عن تلاميذ درعا، ومطالبة النظام بالقيام بعدد من الإصلاحات السياسية، إلى المطلب الذي بات لاحقاً على كل لسان " الشعب يريد إسقاط النظام "، وقد طور بشار الأسد بدوره ردّه الوحشي على المتظاهرين، وبالتالي على الثورة الشعبية، بالانتقال من استخدام الرصاص الحي، إلى البراميل الطيارة المتفجرة والصواريخ الروسية المدمّرة بعيدة المدى، إلى أسلحة الدمار الشامل المحرمة دوليّاً (السلاح الكيماوي)، مستغلاًّ بذلك الصمت العربي والدولي، ومستغلاًّ ضعف أداء المعارضة، وانشغالها بصراعاتها الداخلية، الناجمة عن ارتباطاتها الخارجية العربية والدولية وعن علاقاتها البينية القديمة المأزومة.
4. إن بشار الأسد لم يعد بنظر أبناء الشعب السوري، بعد كل ما صنعته يداه بهم يستحق حتى صفة "الرئيس"، وإنما أصبح بنظرهم مجرد "رئيس عصابة "ثلاث مرات (مرة لأنه جاء على ظهر دبابة، ومرة لأنه كذب على الشعب بخصوص ما سمّاه زوراً (الحركة التصحيحية)، وثالثة لأنه دمر مدينة حماه وقتل عشرات الألوف من أبنائها عام 1982)، فإن الأبن بشار قد أضاف إليها ثلاثة أخر هي : (وصوله إلى السلطة كأبيه عن طريق المؤسسة العسكرية، وفضيحة تعديل الدستور عن طريق مجلس الدمى من أجل التوريث، وأخيراً وليس آخراً مواجهته الدموية الفاشية والمشبوهة لثورة آذار 2011 الشعبية، والتي اعترف بنفسه بمشروعية مطالبها، والتي توشك اليوم على طي عامها الثالث، والدخول في عامها الرابع .
5. تعاني ثورة آذار السورية من وقوعها بين المطرقة والسندان، والإشكالية التي يطرحها هذا التشبيه هي :
أمّا عنصر الشبّيحة فيتجسّد وفق تفسيرنا الخاص لهذا المفهوم، في ما سأطلق عليه أسيجة الحكم السبعة والتي هي ::
2) الجيش العقائدي (!!)، الأجهزة الأمنية السرية والعلنية، الحرس الجمهوري الطائفي، ومؤخراً اللجان الشعبية !! (واقعياً الميليشيات الطائفية الداخلية والخارجية).
3) الحكومة ومؤسسات الدولة ، الرسمية وشبه الرسمية ( الاتحادات والنقابات المدجّنة ).
4) المرتزقة من شبيحة السيف وشبيحة القلم وشبيحة المال وشبيحة الدين وشبيحة السياسة.
5) التضليل الإعلامي والشعارات الكاذبة عن التصدي والممانعة، ودعم المقاومة..
6) حزب البعث، الذي هو ــ تطبيقياً ــ، وبمليونيه الكاذبين (!!) الأسم الحركي لحكم عائلة الأسد.
ثالثاً ، التكلفة المرّة :
لقد كانت تكلفة وقوع الثورة السورية بين المطرقة والسندان عالية جداًّ، حيث طالت هذه التكلفة كلاًّ من البشر والشجر والحجر بل والحيوانات أيضاً (مذبحة الحمير)، ولكي لا أكرر الأرقام التي باتت معروفة للجميع، أذكر فقط ما أورده تقرير الأمم المتحدة ( 22/08/ 2014) عن أن أرقام ضحايا النظام السوري (عائلة الأسد) قد بلغت حتى أفريل 2014 (191000) ضحية (شهيد)، وهو ما يعادل حسب منطوق التقرير الأممي أكثر من ضعف عدد الضحايا قبل عام واحد، بل إن نافي بيلاي مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أردفت وهي تقدم التقرير أن رقم الـ 191000 هو أقل من الحقيقة. ويؤكد قول بيلاي الأخير هذا إحصاءات مركز دراسات الجمهورية الديموقراطية التابع للثورة السورية، والتي تشير إلى أن عدد " جرائم النظام السوري من منتصف أزار 2011، وحتى نهاية أكتوبر 2014 " قد وصل تقديرياً إلى 250000 شهيد،( 80 % منهم مدنيون ، 68 % ذكور ، 32 % إناث ) بينهم 2800 فلسطيني ، 17100 طفل، 16000 امرأة ، 20600 شهداء تحت التعذيب، عدد الجرحى فوق 205890، عدد المعتقلين التقريبي فوق 265085، عدد المفقودين التقريبي فوق 102595، عدد اللاجئين خارج سوريا فوق 3854440، عدد النازحين داخل سورية فوق 8180000.
وقد وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان بدورها، حصيلة ضحايا شهر نوفمبر / تشرين الثاني 2014، على يد قوات نظام عائلة الأسد (سنكتفي بذكر المدنيين من غير المقاتلين فقط ) على النحو التالي :
1169 شخصاً، بينهم 171 طفلاً (بمعدل 6 أطفال يومياً)، و78 امرأة، وبلغ عدد من ماتوا تحت التعذيب ما لا يقل عن 231 ضحية (بمعدل 8 ضحايا يومياً). بلغت نسبة الأطفال والنساء من الضحايا المدنيين 22 % مما يشير إلى الاستهداف المتعمد لهذه الشريحة المجتمعية من قبل قوات النظام .
(أنظر الفقرة ثامناً للوقوف على التشابه الإعلامي بين السياسة الإعلامية لكل من بشار الأسد ونتنياهو )
رابعاً ، أزمة الثورة السورية ::
1. تعاني الثورة السورية داخلياً، من تردد بعض الأقليات في الالتحاق بالثورة، وذلك نتيجة لتخويف بشار الأسد وأعوانه لهم من إمكانية أن تأتي الديمقراطية التي تنادي بها الثورة، ببديل إسلامي (الأكثرية ) يمكن ألاّ يتعامل معهم على أساس مبدأ " المواطنة " الذي يتساوى فيه الجميع أمام الدستور والقانون. ولاسيما بعد أن قدمت " داعش " النموذج المرعب عن الإسلام، والذي لا يمت برأينا للإسلام الذي يعرفه المسلم الحقيقي بصلة. إن كافة بيانات وأدبيات التيار الإسلامي الوسطي، المنخرط في الثورة وفي المعارضة والتي أمكننا الإطلاع عليها، تؤكد بصورة لا لبس فيها ولا غموض، على الالتزام بمبدأ المواطنة، الذي يساوي بين جميع المواطنين أمام الدستور والقانون. بل إن أحد الأسباب الكامنة وراء قيام ثورات الربيع العربي كلها هو غياب كل من الديموقراطية ومبدأ المواطنة في ظل أنظمة ما قبل هذا الربيع العربي، فالمواطنة الحقّة، والديموقراطية الحقة لا يتناقضان (حسب فهمنا الخاص لمبادئ الإسلام) لا مع مبادئ الإسلام ولا مع شريعته.
إننا نذكّر (بضم النون) هنا، بأن المجتمعات البشرية كلها، ومنها مجتمعنا السوري، ليست كأسنان المشط، ولكنها تطبيقيّاً كأصابع اليد، من حيث تفاوتها في الطول والعرض والحجم والوزن، ولكنها تتضافر عملياً في تأدية وظيفة بيولوجية واحدة موحدة هي وظيفة اليد المعروفة للجميع، والتي هي خاصية بشرية بصورة أساسية. إن ما يعنيه هذا التشبيه من الناحية العملية، هو أن كلاًّ من الأكثرية والأقلية، لابد وأن يكون خاضعاً لحكم الدستور والقانون اللذين يساويان بين الجميع على أساس مبدأ المواطنة، (اليد الواحدة)، ولذلك فإنه من غير المقبول، أن تعلق بعض الأقليات، موقفها من الثورة، وبالتالي من صندوق الاقتراع، على إقصاء الآخرين، (التيار الإسلامي المعتدل تحديداً)حتى في حالة الخلاف والاختلاف معهم سواء في التكتيك أو في الاستراتيجية. ولنا في قول الإمام الشافعي لمختلف معه في الرأي : (إن رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأيك خطأ يحتمل الصواب)، وأيضاً في قول فولتير لمختلف معه في الرأي أيضاً: (إنني أخالفك الرأي، ولكني مستعد أن أضحي بحياتي من أجل أن تقول رأيك بحرية ) أسوة حسنة .
إن كل من يرهن موافقته على الديموقراطية، بهذا الشرط أو ذاك، لا يمكن أن يكون منطقيّاً وتطبيقيّاً ديموقراطياً حقيقياً، ولا مناضلاً ثوريّاً، ولا مؤمناً بحق الشعب في اختيار من يحكمه، إنه ببساطة إقصائي، والإقصائية بكل صورها تعتبرــ بنظرنا ــ نقيضاً لكل من الديموقراطية والمواطنة معاً، بل إنها بصورة أو بأخرى شكل من أشكال الديكتاتورية.
2. تعاني المعارضة السورية لنظام بشار الأسد، سواء في إطار التحالف، أو في إطار المجلس، سواء في الداخل أو في الخارج، سواء المعارضة المدنية أو العسكرية، من خلل بنيوي، ليس فقط في علاقاتها البينية، وإنما أيضاً في علاقاتها الداخلية (داخل المجموعة ذاتها)، مما أضعف فعالياتها ومواقفها سواء أمام النظام السوري الذي تعارضه، أو أمام الرأي العام السوري والعربي والعالمي الذي من المفروض أنه يحتضنها ويقف إلى جانبها ضد النظام الذي تعارضه. وتعود الأسباب الأساسية لهذا الخلل البنيوي ـ من وجهة نظرنا ـ إلى :
ـــ الطابع التراكمي الكمي والكيفي لتشكل هذه المعارضة، والذي بدأ بمرحلة الاستقلال الأولى(مرحلة الجهاد الأصغر)، في ثلاثينات والنصف الأول من أربعينات القرن الماضي (ثورة 1925، الكتلة الوطنية، عصبة العمل القومي) ثم استمرّ في مرحلة الاستقلال الثانية (مرحلة الجهاد الأكبر)، بعد 1946 (جلاء الاستعمار الفرنسي)، وصولاً إلى حكم عائلة الأسد ( الذي بدأ رسميّاَ عام1970، والذي ما يزال مستمرّاً حتى اليوم)، مروراً بمرحلة الانقلابات العسكرية بعد 1949، ومرحلة الوحدة (من 1958 إلى 1961)، ومرحلة الانفصال (1961 – 1963) ومرحلة ثورة الثامن من آذار (من 1963 – 1970).
ـــ تسبب هذا الطابع التراكمي للمعارضة بوجود أزمة ثقة مزمنة بين مختلف أطراف وأجنحة هذه المعارضة، ويرجع السبب في ذلك إلى أن بعض هذه الأطراف والأجنحة كان ذات يوم إما في السلطة، أو جزءاً من السلطة، ومارس إما بصورة مباشرة، أو غير مباشرة اضطهاد وإقصاء من كان معارضاً له آنذاك، والذي هو الآن شريكه وزميله في معارضة نظام عائلة الأسد، وبالتالي فإن جميع أطراف وأجنحة هذه المعارضة تختزن في داخلها عدداً كبيراً من إشارات الاستفهام والتعجب والتوجس حيال بعضها بعضاً، وبالتالي الخوف من أن تعود حليمة لعادتها القديمة بعد سقوط نظام عائلة الأسد، أي في ما بات معروفاً باسم ( اليوم التالي the day after لسقوط النظام )،
ـــ التداخل بين بنية المجتمع وبنية الأحزاب السياسية التي تشكلت في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي، الأمر الذي جعل من هذه الأحزاب، وبالتالي من سلوك ممثليها في المعارضة (سواء في المجلس أو في الائتلاف) انعكاسا بهذه الدرجة أو تلك، من جهة، للتركيب القبلي والعشائري والمذهبي والطائفي الغالب على المجتمع السوري، ومن جهة أخرى، لإشكالية الأقلية والأكثرية التي تعاني منها الثورة السورية اليوم، هذا مع العلم أن الطابع الأقلياتي هو الطابع الغالب على الأحزاب العلمانية، سواء على مستوى القيادات أو على مستوى القواعد، وهو ما يعتبر بنظرنا أمراً طبيعيّاً ومبرراً، ذلك أن برامج هذه الأحزاب، وأيديولوجياتها غالباً ما تشدد على مبدأ المواطنة الذي تتساوى فيه هذه الأقليات مع الأكثرية، ولكن علمانية هذه الأحزاب غالباً ما انطوت على (وهذا أمر يؤسف له) على جرثومة العداء للإسلام الذي هو دين الأكثرية الساحقة في المجتمع.
مبدأي المواطنة والديموقراطية، إنما يمثل ـ من وجهة نظرنا ـ الطريق الأقصر والأسلم لانتصار ثورة الحرية والكرامة على نظام بشار الأسد الديكتاتوري الفاشي. ذلك أن مبدأ المواطنة، يحول الطابع الديني لمفهوم الأقلية والأكثرية على شموليته (إنما المؤمنون إخوة)إلى طابع سياسي أكثر شمولية (إنما المواطنون إخوة) محكوم ليس فقط بالتناقض، وإنما بالوحدة أيضاً (قانون وحدة وصراع المتضادات) بينما تحل الديموقراطية، وبالتالي صندوق الاقتراع، الإشكالية المتعلقة بالأكثرية والأقلية حلاًّ علمياً وعملياً وأخلاقياً.
3. إن "الأقلية" بمختلف ألوانها وتسمياتها (وفيما نعتبره قانوناً سوسيولوجي)، إذا ما وصلت إلى السلطة، بما هي أقلية، وعن غير طريق الديموقراطية وصندوق الاقتراع، فإنها لا تستطيع الاحتفاظ بهذه السلطة إلاّ بإلغاء الديموقراطية وصندوق الاقتراع، وهو ما يعتبر خرقاً واضحاً وصريحاً لمبدأ المساواة على أساس المواطنة، وهو ما حدث ويحدث في سورية منذ الثامن من آذار عام 1963 بصورة عامة، ومنذ عام 1970 على وجه الخصوص. إن صندوق الاقتراع النزيه والشفاف هو العدو الأساسي لأية أقلية يمكن أن تصل إلى السلطة عن غير طريق هذا الصندوق.
4. إن التداخل والتعارض بين العوامل الموضوعية والذاتية، في عملية التغير الاجتماعي، عادة ما يترتب عليه تباين وتعارض في الرؤى السياسية والأيديولوجية سواء بين الأفراد أو بين الجماعات، بما في ذلك بين الأكثرية والأقلية وداخل كل منهما، وذلك بسبب التباين في زوايا النظر إلى الظواهر الاجتماعية، الأمر الذي سيؤدي بالضرورة إلى " التعددية " في الرؤى والمواقف، وبالتالي الاجتهادات المتباينة، المتعلقة بماضي وحاضر ومستقبل الأمّة والثورة، ولذلك فإن ما نراه من " فوضى" البيانات والمؤتمرات والتصريحات والمواقف والأخطاء، ينبغي ألاّ تخيفنا، ولا سيما، أن شعبنا وأن أحزابنا، وبالتالي المعارضة قد عانت على مدى نصف قرن من الحكم الفردي الشمولى الذي لم يكن فيه مكان حتى للتنفس بحرية. إنه لأمر طبيعي، أن نشهد مثل هذه الفوضى السياسية والفكرية والاجتماعية، بل وأحياناً الأخلاقية، بعد أن فتحت ثورة آذار2011 المجيدة، أمام الشعب السوري في الداخل والخارج أبواب تنفس الحرية على مصراعيها.
خامساً، المعارضة والمواقف المتباينة من النظام :
1. تتكون المعارضة السورية لنظام عائلة الأسد، من ستة تيارات هي : التيار الشعبي، تيار الإسلام السياسي، التيار القومي، التيار اليساري، التيار الليبرالي، وتيار ثورة آذار، وهي تنقسم في موقفها من نظام بشار الأسد إلى ثلاثة تيارات رئيسية هي:
+ تيار "الشعب يريد إسقاط النظام" وهو التيار السائد والغالب، سواء في الداخل أو الخارج، وهو يرفض الحوار مع النظام ولكنه مستعد للتفاوض معه فقط على رحيل بشار وإعادة السلطة لأصحابها الشرعيين الشعب السوري.
+ تيار " الشعب يريد تصحيح المسار"، ولكن دون استبعاد الحوار والتعاون مع النظام، من أجل أن يقوم النظام نفسه بإصلاحات سياسية، تؤدي لاحقاً إلى إقامة مجتمع مدني ديموقراطي تعددي وتداولي، أي تطبيقياً إلى سقوط النظام الطائفي في نهاية المطاف.
+ تيار إصلاحي (مزدوج الولاء) يطالب بشار بأن يجري بنفسه إصلاحات سياسية تحول دون سقوط النظام .بيد أن الحدود والأبواب مفتوحة بين هذه التيارات الثلاثة، وهي تسمح بالتالي بالتنقل والتحرك من جماعة إلى أخرى بدون أية عوائق أو إشكالات، ولا سيما أن لكلٍّ تيار من هذه التيارات الثلاثة، ظاهر يتفق فيه مع الآخرين، وباطن يحتفظ فيه لنفسه، بل ويحاول إخفاءه عن الآخرين، ولذلك فإن هذا الحراك بين التيارات الثلاثة، لا يؤثر كثيراً على الموقف الحقيقي لكل منها.
عندما بدأت انشقاقات الجيش السوري الحر، وكانت غالبية المنشقين من المسلمين السنة ومعهم أسلحتهم الفردية، وتداخلت المعارضة المدنية مع المعارضة العسكرية، وجد بشار الأسد ضالّته، في استمرا ر الحديث الممجوج عن العصابات المسلحة، ناسياً أو متناسياً، أن العصابات المسلحة إن هي إلاّ تلك التي بلغت ضحاياها تلك الأرقام المذهلة التي أوردناها أعلاه. إن الجندي أو ضابط الصف أو الضابط المنشق، هو ـ برأينا ـ المواطن السوري الشريف الذي رفض إطلاق النار على أخيه وعلى أمه وأبيه، إنه النقيض الحقيقي للعصابات المسلحة التي يطنطن بها كذباً وتدليساً بشار الأسد وأعوانه في الداخل والخارج، على حد سواء. دون أن نغفل ــ بطبيعة الحال ـ الأخطاء المؤسفة التي اكتنفت الثورة، قيادات وقواعد، والتي وصلت في بعض الحالات حد التماهي مع ممارسات النظام المدانة التي قامت الثورة أساسا بسببها، ودون أن نغفل اللعبة الدولية التي عملت وتعمل على إشغال الجيش الحر بانشغالات (عرب وين طنبورة وين) أي إبعاده عملياً عن ساحة محاربة النظام .
33. لم يكن الهدف من المسرحية التي أُثيرت حول مؤتمر جنيف والتي كان أبرز ممثليها بان كيمون ونبيل العربي كممثلين عن دول الفيتو الخمس، هو حل الصراع الدموي بين النظام والمعارضة، وإنما على العكس من ذلك كان، هو استكشاف أشكال من التضليل السياسي، سورياً وعربياً وإسلامياً وعالمياً لإطالة هذا الصراع ما أمكن، دون أن ينكشف دور هذه الدول الخمس (دول الفيتو) في هذه الإطالة. ولهذا السبب، لم نر أحداً يشد شعر رأسه أو يمزق ثيابه، حزناً على وفاة المرحوم (مؤتمر جنيف)، بمن فيهم الأخضر البراهيمي، بل إن ما رأيناه وما سمعناه من الدول العظمى المعنية وأتباعها هو " إنّا لجنيف وإنّا إليه راجعون ". إن ما يجب ألاّ يغيب عن عاقل فيما يتعلق بموضوع مؤتمر جنيف، هو أنه، لو كان المطلوب فعلاً هو حل الصراع الدموي بين المعارضة ونظام الأسد في هذا المؤتمر، لكان على "الدول العظمى" أن تفرض على بشار الأسد وقف عملياته الوحشية (الطيران والصواريخ والبراميل) ضد المدنيين، والإفراج عن المعتقلين والمعتقلات، ولاسيما الأطفال والنساء كحد أدنى، قبل الذهاب إلى جنيف، وذلك لكي يبدأ الحوار في جنيف حول المطالب الجوهرية للثورة، وليس حول إطعام المحاصرين في حمص، والإفراج عن بعض المعتقلات والمعتقلين، والتي تعتبر من الأمور التي تدخل تحت مفهوم الحق المطلق للإنسان في الحياة، وفي حرية التعبير عن رأيه، والمفروض أنها لا تدخل في إطار أية مساومات سياسية.
لقد أرسل الكاتب إلى قيادة الإتلاف الوطني في استنبول، بتاريخ 6/12/2013 مقترحات محددة وتفصيلية للوفد الذي ذهب إلى جنيف2، وهي ما تزال صالحة ـ على ما نرى ـ لمن يمكن أن يذهب إلى جنيف 3 ، ألا وهي التالية :
[[ مقترحات الدكتورمحمد الزعبي لوفد المعارضة الذي يمكن أن يذهب إلى جنيف2 في 22.12.2014 :
ينبغي أن يتم الاتفاق بين المعارضة المدعوة لحضور مؤتمر جنيف2، في 22.01.14، والجهة الداعية والراعية لهذا المؤتمر، وذلك قبل التوجه إلى جنيف، على ما سيأتي، بحيث يصبح لقاء الطرفين في جنيف، فقط للتعديل والتصحيح والتوضيح وليس للانطلاق من نقطة الصفر :
أولاً : قبل الذهاب إلى جنيف ،
1. وقف إطلاق النار بين الطرفين بصورة شاملة وكاملة.
2. انسحاب كافة المسلحين من الطرفين من المدن والقرى إلى خارجها، بانتظار أوامر جديدة.
3. تسمية رئيس وأعضاء هيئة الحكم التي ستتولى كامل السلطات التنفيذية في المرحلة الانتقالية.
4. ينبغي أن يكون رئيس الهيئة من المعارضة .
5. ينبغي أن يكون ممثلو النظام في وفد المفاوضات وفي هيئة الحكم ممن لم تتلطخ أيديهم ولا مراكزهم المدنية والعسكرية بدماء أبناء الشعب السوري.
6. ينبغي أن تكون هيئة الحكم كاملة الصلاحية في المجالين المدني والعسكري بما يعني نهاية نظام الأسد.
ثانياً : في جنيف ،
7. تصدر هيئة الحكم في اجتماعها الأول، وفي جنيف، وكجزء من أعمال المؤتمر، القرارات التالية :
ــ قراراً بالإفراج الفوري عن كل المعتقلين والسجناء السياسيين.
ــ حل مجلس الشعب السوري (مجلس بشار الأسد).
ــ حل مجلس الوزراء (وزارة وائل الحلقي).
ثالثاً : ما بعد جنيف ( في دمشق ) ،
8. تصدر هيئة الحكم، ووزير الدفاع التوافقي الجديد، قراراً فورياً بعودة العسكريين المنشقين إلى تشكيلاتهم التي انشقوا عنها، ويعطون كافة الحقوق التي افتقدوها بسبب انشقاقهم عن جيش النظام.
9. تصدر هيئة الحكم قراراً بحل كافة التشكيلات المسلحة. التي تشكلت بعد 15.03.2011 ، وسيكون على هذه التشكيلات تسليم أسلحتها للجهة الرسمية المخولة من الهيئة.
10. تصدر هيئة الحكم قراراً بعودة كافة الموظفين المدنيين إلى وظائفهم السابقة، وتصرف لهم تعويضاتهم المالية عن الفترة التي توقفوا فيها عن استلام رواتبهم بسبب التحاقهم بالثورة.
11.تضمن هيئة الحكم حرية التنقل في جميع أنحاء البلاد لكافة الصحافيين، السوريين والعرب والأجانب.
رابعاً : المرحلة الانتقالية ،
ــ إقامة نظام سياسي ديموقراطي تعددي، يتساوى فيه المواطنون بغض النظر عن انتماءاتهم وطوائفهم ومذاهبهم، ويتم تداول السلطة فيه بشكل سلمي.
ــ إعادة الأمن والاستقرار في البلاد، وإعادة تنظيم الجيش وأجهزة الأمن، بما يكفل هذا الاستقرار.
ــ إنشاء هيئة مستقلة مفوضة للتحقيق في الانتهاكات التي تعرض لها المواطنون، وإنصاف الضحايا (في إطار قوانين توافقية مؤقتة، خاصة بالعدالة الانتقالية).
ــ وضع خطة علمية وسريعة من قبل خبراء ومختصين لإعادة إعمار المدن والقرى والبنى التحتية، بما في ذلك تأمين التمويل اللازم لهذه الخطة .
ــ قيام هيئة الحكم الجديدة بالإعداد لإجراء انتخابات لجمعية تأسيسية، على أن تكون انتخابات شفافة ونزيهة وبرقابة عربية ودولية، وذلك خلال ( .........) من تشكيلها.
ــ تتولى الجمعية التأسيسية المنتخبة، إعداد مشروع دستور جديد للبلاد، يتم إقراره عبر استفتاء عام .
ــ تجرى انتخابات برلمانية ورئاسية على أساس هذا الدستور الجديد .
ــ يتم تشكيل وزارة جديدة على أساس نتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية والدستور الجديد
ــ وبتشكيل هذه الوزارة.تعتبر الفترة الانتقالية قد انتهت. تعود الحياة الطبيعية وفق كل ما ورد أعلا ه.]]
4. إن رؤية بعض أطراف المعارضة، في ضرورة الحوار مع النظام على طريق حل هذا الصراع الدموي، الذأحد. مرحلة الاستعصاء بالنسبة للطرفين، إنما تنطوي برأينا على خللين أساسيين: الأول هو أن هذا الحوار واقعياً ذو بعد واحد، وإن تمثيلية استعداد النظام للحوار مع بعض (!)أطراف المعارضة، إن هو إلاّ نوع من التكتيك والمناورة الرخيصة، التي ينبغي ألاّ تنطلي على أحد . إذ لو كان الأمر صحيحاً لظهر ذلك في مؤتمر جنيف، الذي لم يلب النظام فيه مطلباً واحداً من مطالب المعارضة المشروعة، بما في ذلك المطالب الإنسانية والأخلاقية (الإفراج عن النساء والأطفال). نعم إن الحوار هو من أبجديات المصالحة الوطنية، ولكن الحوار المجدي لابد وأن يكون بين طرفين مستعدين لسماع بعضهما بعضاً وهذا لا يتأتى إلاّ إذا كان هذان المتحاوران متكافئي القوة (لا عدل إلاّ إن تعادلت القوى/ أبو القاسم الشابي) وهو أمر لم يكن متوفراً في مؤتمر جنيف. أما الخلل الثاني، فيتمثل في أن المصالحة الوطنية تكون واردة فقط، عندما تكون التناقضات القائمة بين النظام والمعارضة هي من نوع التناقضات الثانوية وليس الجوهرية كما هي الحال مع نظام عائلة الأسد الطائفي الوراثي وغير الديموقراطي، وخاصة بعد أن دمر معظم مدن وقرى سورية، وقتل مئات الألوف وهجر الملايين. إنهما خللان جوهريان، ولا يستقيم معهما أي حوار مع مثل هذا النظام. إنني في الوقت الذي أؤكد فيه على ضرة احترام " الرأي الآخر " المختلف، إلاّ أنني لا أستطيع أن أتسامح مع نظام همجي، دونه همجية هولاكو ونيرون وموسوليني وهتلر، إنه نظام فاسد ومتعفّن من رأسه حتى أخمص قدميه، والعضو الفاسد ينبغي أن يبتر قبل أن ينتشر فساده في كل أنحاء الجسم.
سادساً ، إشكالية العلاقة بين العروبة و الإسلام :
تجدر الإشارة فيما يتعلق بهذه الثنائية إلى التداخل والتشابك بين كل من الانتماءات الكبيرة والانتماءات الصغيرة في المجتمعات. ففي سوريا مثلاً، يتداخل الانتماء القومي العربي مع الانتماء الديني المسيحي، ويتداخل الانتماء الديني الإسلامي مع الانتماء القومي الكردي والتركماني، ويتداخل الانتماء الديني الكبير في كل من الدين الإسلامي والدين المسيحي مع الانتماءات الطائفية الصغيرة في كل من هاتين الديانتين. ولقد نجم عن هذه الشبكة المعقدة من التداخلات الاجتماعية، إشكالية سياسية تداخلت فيها الانتماءات الكبيرة مع الانتماءات الفرعية، ألا وهي إشكالية الأكثرية والأقلية التي سبقت الإشارة إليها، والتي انعكست على مجمل الحياة السياسية في سورية منذ مطلع القرن الماضي وحتى هذه اللحظة، والتي تجسدت بعد عام 1963 في الصراع بين معارضة يشكل العرب السنة عمودها الفقري، ونظام أقلياتي تشكل الطائفة العلوية عموده الفقري، أما ما يكسو كل من هذين العمودين الفقريين من اللحم والدم والأعصاب وبقية مكونات الحياة، فإنما يعود إلى كافة مكونات المجتمع السوري القومية والدينية والطائفية.
وهنا تجدر الإشارة أيضاً، إلى أن طائفية " الأقليات " هي صناعة غربية بصورة أساسية وأن طائفية الأكثرية (التي بدأت تظهر هذه الأيام)هي من صنع طائفية الأقليات، ولاسيما طائفية الأقلية العلوية الحاكمة. إن كسر هذه الحلقة الطائفية المفرغة والخروج من شرنقتها يقتضي من كافة الأقليات، وخاصة الأقلية العلوية، أن يعرفوا أن سورية هي وطنهم، وأن القومية العربية هي أمّهم، وأن العرب المسلمين السنة هم أخوتهم في المواطنة، وأن نظام عائلة الأسد الديكتاتوري الفاشي هو عدو كل المواطنين الشرفاء من كل الطوائف، والذين ينتمون جميعاً إلى " الوطن " قبل انتمائهم إلى هذا الدين أو ذاك، إلى هذه الطائفة أو تلك. إن العروبة والإسلام ومبدأ المواطنة، إنما تمثل المثلث الذهبي الذي يحمي ثورتنا، ثورة الحرية والكرامة، ثورة آذار2011 المجيدة، من الانحراف ومن السقوط. وحسب تصورنا لهذا المثلث الذهبي، فإن الإسلام هو قاعدته المتينة، وإن العروبة والمواطنة هما الضلعان الآخران اللذان يكملانه ويعطيانه صورته التاريخية والجغرافية التي تسمح لنا أن نقول إننا مواطنون سوريون، نعتز بقوميتنا العربية، وبديننا الإسلامي الحنيف
سابعاً، الربيع العربي والغرب :
النفط (عصب الصناعة الغربية) وإسرائيل (الثكنة العسكرية الغربية في فلسطين).
لقد كانت الإشكالية التي واجهت الغرب، في هذه الهبَّة الشعبية، وشكَّلت له مأزقاً سياسياً وأخلاقياً على المستويين الداخلي والخارجي، هي رفع الجماهير الشعبية المنتفضة في كل دول الربيع العربي، لشعارات الديموقراطية والتعددية والتداولية وحقوق الإنسان، والتي من المفروض أنها نفس الشعارات تمثل بنظر المنتفضين صلب وجوهر القيم والمبادئ السياسية الأورو ـ أمريكية (الغربية). لقد انعكست هذه الإشكالية بصورة جلية على الخطاب السياسي والدبلوماسي الغربي أمريكا، أوروبا، روسيا)، وجعلته خطاباً بائساً، لا يعرف (بضم الياء) رأسه من ذنبه، ولا صحيحه من كذبه، وأصبح البحث عن مخارج تحفظ ماء الوجه ، وتوقف مد الربيع العربي (ولاسيما في الدول المجاورة لإسرائيل)، وتعيد المياه إلى جاريها في مرحلة ما قبل هذا الربيع ( مع بعض التعديلات : مثل استبدال السيسي بحسني مبارك، وربما أسد آخر ببشار، ...الخ)، هو الشغل الشاغل لوزارات الخارجية وخبرائها في هذه الدول. هذا ولم تكن تلك الاجتماعات الدورية لما بات معروفاً بـمجموعة "أصدقاء سورية "، وتقديم دعم رفع العتب إلى المعارضة من بعض الدول العربية والأجنبية، سوى بعضاً من هذه المحاولات الخلّبية، التي تسعى إلى احتواء ثورات الربيع العربي الشعبية، بأقل الخسائر المادية والمعنوية الممكنة.
لقد أوقعنا الغرب ووسائل إعلامه وتضليله التي لا تحصى، في فخ وجود تناقض بين العروبة والإسلام والاشتراكية. إننا لا ننكر وجود مثل هذا التناقض، ولكنه يدخل في خانة التناقضات الثانوية وليست الرئيسية والجوهرية، والمطلوب اليوم تصحيح هذا الخلل التاريخي الذي أوقعنا فيه الغرب، والنظر إلى ثلاثية الإسلام - العروبة - الاشتراكية، من زاوية التداخل والتكامل وليس من زاوية التعارض والتناقض. بيد أن هذا الموقف السلبي من الغرب، لا يعطينا الحق في أن نتنكّر لإيجابيات هذا الغرب، بل وعلينا أن نتعلم منه :
- العلوم الطبيعية والعلوم الدقيقة، وبالتالي التكنولوجيا والتصنيع المرتبطين بتقدم وتطور هذه العلوم.
- رسوخ أسس المجتمع المدني، ولا سيما: العلمانية، وضمور الولاءات التقليدية ( القبلية ، الطائفية ...الخ ) .
- سيادة القانون المكتوب على الأعراف والتقاليد المرتبطة بالمجتمع التقليدي ما قبل الصناعي .
ثامناً ، فلسطين، والطبيب النرويجي الإنسان ماس غلبرت :
استمعت مساء أمس ( 3/12/ 2014 )، وفي برنامج بلا حدود، للطبيب ماس غلبرت وهو يروي للمشاهدين تجربته الإنسانية كطبيب، ما شاهده وما عايشه بنفسه في مستشفى الشفاء في غزة، جراء العدوان المتكرر الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، والذي تمنعه إسرائيل اليوم من العودة إلى غزة لممارسة مهنته الإنسانية في مستشفى الشفاء، أي عملياً تمنعه من إنقاذ حياة الأطفال الذين انسكب الرصاص الإسرائيلي على أجسادهم الغضّة والبريئة، وعلى بيوتهم، وعلى أمهاتهم وآبائهم، وعلى كل من يمكن أن يعيلهم ويرعاهم.
لقد كانت أبرز الحقائق التي كشف عنها هذا الطبيب المحترم هي :
1) إن السبب الأساسي لمنعه من دخول إسرائيل وبالتالي العودة إلى ممارسة عمله الإنساني في مستشفى الشفاء في غزة ، هو محاولة إسرائيل حجب الحقائق والأعمال الهمجية التي كان يمارسها جيشها ضد أبناء وأطفال الشعب الفلسطيني (2006،2008،2009،2012 ،2014)، والتي كان يشاهدها ويشهد عليها، بما هو مواطن أوروبي، وبما هو أستاذ جامعي ، وبما هو طبيب بشري .
2) النظام الإسرائيلي هو نظام احتلال، ونظام فصل عنصري ولا يفترق عن نظام جنوب أفريقيا السابق بشيء.
3) خلال 51 يوماً من العدوان الإسرائيلي الأخير (2014)، كان عدد المصابين من الأطفال 2100 وعدد القتلى 521 طفلاً، وذلك مقابل 71 إسرائيلياً، منهم 66 عسكرياً و5 مدنيين فقط.
4) وجه الطبيب النرويجي، من مقره في مستشفى الشفاء بغزة، رسالة إلى الرئيس أوباما، دعاه فيها إلى النوم ليلة واحدة في غزة، حيث يمكن له أن يغير وجه التاريخ فيما لو بات هذه الليلة في غزة. لقد عمم غلبرت رسالته إلى أوباما على عدد من أصدقائه في أوروبا وأمريكا، وهو يعتقد أنها قد دخلت في قلوب الجميع، ولكنها لم تدخل إلى قلب أوباما، على حد تعبيره.
5) تساءل الطبيب النرويجي مندهشاً عن موقف الزعماء العرب من العدوان الإسرائيلي على غزة، في الوقت الذي تقف فيه شعوبهم ضد إسرائيل، والأمر لا يكلفهم ـ حسب تقديره ـ سوى التهديد بإغلاق صنبور النفط عن الغرب الذي يحمي إسرائيل، ويتستر على جرائمها، ويتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني.
6) تقوم إسرائيل بقتل الأطفال، وتشويههم، وتحويلهم إلى معاقين، ثم تمن إنقاذهم وعلاجهم، هذا ظلم كبير تقع مسؤوليته على الولايات المتحدة الأمريكية وعلى حلفائها .
8) لقد كانت وصفته الطبية لحل المشكلة الفلسطينية هي: ارفعوا الحصار عن غزة، وأدرجوا الشعب الفلسطيني في عداد العائلة الإنسانية، وأخيراً، التوصل إلى حل سياسي عادل لقضية الاحتلال، (وأيضاً هنا على حد تعبيره).