مراجعات في مسيرة العمل الإسلامي المعاصر 4

مراجعات في مسيرة العمل الإسلامي المعاصر

-4-

د. موسى الإبراهيم

[email protected]

رابعًا: خطابنا إلى الأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامي

1. افتحوا لنا قلوبكم.

 أيها السادة قادة الدول، وأيتها الأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامي.

نناديكم من قلوبنا آملين أن تفتحوا لنا قلوبكم وتصغوا لنا بأسماعكم، فإنها صيحة ناصحة مخلصة نوجهها إليكم وأنتم في مواقع المسؤولية لنبرئ بها الذمة، ونمحض بها النصح لمن بصلاحهم صلاح الأمة، وقد تفسد الأمة بفسادهم أيضًا.

2. قدروا المسؤولية قدرها.

 أنتم في مواقع المسؤولية على شعوب إسلامية، وفي بلاد إسلامية، فلا تنسوا طبيعة الشعب والأرض التي تحكمونها.

3. اعرفوا عظمة الإسلام.

 نذكركم بأن الإسلام العظيم هو الدين الرباني الذي يملك منهجًا للحياة والأحياء، يتكفل بنشر الأمن والسلام والسعادة والحياة الطيبة لسائر الناس الذين يعيشون في المجتمع الإسلامي، حتى غير المسلمين، وقد طبق هذا المنهج في الحياة عبر قرون متلاحقة من الزمن، وأثمر استقرارًا وتكافلاً وحبًا وتعاونًا وأمنًا وسلامًا، وأنتج حضارةً إنسانية راقية لم يشهد لها التاريخ مثالاً من قبل، وتلك بدهيات لا تحتاج إلى نقاش، يعرفها القاصي والداني، والمسلمون وغيرهم على حدّ سواء.

4. اعرفوا أثر الإسلام في الحياة.

 وإن من حقائق التاريخ أنه لم تشهد الدنيا منذ خمسة عشر قرنًا فلسفة من الفلسفات أو مذهبًا من المذاهب أو حزبًا من الأحزاب قد أثر في الحياة وفي الشعوب كما أثر فيها هذا الإسلام العظيم، الذي تحكمون أيها السادة أرضه وشعوبه، فهل تدركون ذلك وتقدرونه قدره؟

5. الإسلام أعظم من يعرف قدر الحكام وحقوقهم واحترامهم.

 إنه ليس في دنيا الفلسفات والأفكار والمبادئ من يقدر دور المسؤولية والقيادة والإمارة كما يقدرها الإسلام، ولن يجد الساسة والرؤساء والزعماء نظامًا يفرض احترامهم وتقديرهم، ويحفظ لهم حق المسؤولية والسمع والطاعة من شعوبهم مثل الإسلام العظيم الذي تحكمون أرضه وشعوبه أيها السادة. فهل تدركون ذلك وتقدرونه؟

6. فشل المناهج البشرية في حياة الناس.

 أيها السادة، إن الدول القطرية التي نشأت بعد سقوط الخلافة الإسلامية وبعد نهاية حقبة الاستعمار لوطننا العربي والإسلامي الغالي، إن هذه الدول قد جربت كثيرًا من النظريات والفلسفات، وكثيرًا من المناهج والنظريات المستوردة والمحلية، وجميعها لم تحقق لأمتنا العربية والإسلامية طموحاتها، لا على مستوى الشعوب ولا على مستوى القيادات والأنظمة الحاكمة؛ فالإشتراكية والرأسمالية والليبرالية والقومية والوطنية وشعارات الوحدة والحرية كلها لم تحقق لأمتنا تنمية ولا وحدة ولا حرية، ولم تُعد لنا أرضًا مغتصبة، بل إن الأنظمة العالمية سقط منها ما سقط، وتهاوى منها ما بقي، ويتطلع الغرب وهو في زهو انتصاره بعد الحرب الباردة إلى حالة الانهيارات التي يعيشها اليوم اقتصاديًا وعسكريًا وأخلاقيًا فيشعر بالخيبة، وينادي مفكروه بالتوجه إلى الإسلام -عدوهم اللدود- لعله ينقذ اقتصادهم المتداعي والأقرب للانهيار. وتلك حقائق توثقها الفضائيات ووسائل الإعلام المختلفة، ولا يخفى على من له أدنى دراية بما حوله من تقلبات ومتغيرات ومستجدات.

 أيها السادة، يا حكام عالمنا العربي والإسلامي، هل تفكرون معنا بهذه المعاني وتلك الحقائق والبصمات الثابتة على أرضنا، وهل تتطلعون إلى البديل؟ وماذا عساه أن يكون؟

7. "أزمة ثقة وتبعية مهينة".

 إن بلادنا عانت ما فيه الكفاية من أزمة الثقة بين الشعوب وقياداتها، وخسرت أمتنا كثيرًا من كرامتها ومقدراتها وخيراتها وكفاءات أبنائها جرّاء هزيمتها النفسية ولهاثها وراء أعدائها تستجدي منهم النظم والمبادئ، وتعلن لهم الولاء والتبعية.

 وأخطأت قياداتنا السياسية أخطاء كبرى عندما ظنت أن ولاءها للغرب أو للشرق سوف يحقق لها أو لشعوبها أهدافهم وأحلامهم، والواقع المشاهد على الأرض أكبر دليل على الخسارة الكبرى وخيبة الآمال.

8. المراجعات والنقد البناء ضرورة حياة.

 أيها السادة، يا حكام عالمنا العربي والإسلامي.

إننا، بعد قرابة قرن من الزمن عشناه حيارى حالمين، عشناه غصصًا وآلامًا، عشناه تجارب فاشلة، عشناه كالأيتام على موائد اللئام، إننا جدير بنا أن نقف وقفات جادة للمراجعة والنقد البناء، نقف جميعًا، قيادات وشعوبًا، أنظمة حاكمةً وأحزابًا معارضة، نقف جادين مخلصين متجردين، نمحض أمتنا النصح، ونعصف عقولنا وأفكارنا بالبحث علنا نصل إلى مخرج يوصلنا إلى شاطئ السلام وبرّ الأمان، ورحم الله شاعرنا العربي أبو ريشة:

تقضي الرجولة أن نمـد جسومنا جسرًا وقل لرفاقنا أن يعبروا

9. الإسلام هو الحل.

 أيها السادة.

نقولها بملء أفواهنا، وبكل اعتزاز وثقة: إن المخرج هو الإسلام، والإسلام وحده، الإسلام بعقائده وشرائعه ونظمه ومناهجه التي طبقت في واقع الحياة ردحًا طويلاً من الزمن، فآتت ثمارها طيبة يانعة سعدت بها الدنيا كلها، المسلمون وغيرهم على حد سواء.

 نعم أيها السادة والقادة، إن الطريق الوحيد الذي يوحد بين الشعوب والحكومات، ويوجد الثقة ويبعث على التضحيات، ويفجر الطاقات ويوظف الكفاءات بأمانة ونزاهة، ويمنح الناس الحريات الحقيقية، ويكفل حقوق الفقراء، ويحفظ كرامات الناس، ويعيد للأمة عزتها وهيبتها ويقطع أطماع الأعداء بخيراتها ومقدراتها، إن الذي يفعل جميع ذلك وما هو أكثر منه هو الإسلام بسماحته وصفاته ونقائه، الإسلام الذي لا يظلم في ظله أحد، ولو من غير المسلمين.

10. الشعوب لن تسلم قيادها إلا للإسلام.

 أيها السادة، أيها القادة، إننا نعلنها صافية بيضاء نقية، إن الأمة لن تصلح ولن تعود لها كرامتها إلا يوم تصطلح شعوبها وقياداتها السياسية، وتوجد الثقة بين القيادات والشعوب، ولن تجد القيادات أصدق ولاءً لها من الشعوب المسلمة عندما تشعر بالثقة والأمان، وإن العلماء هم أولى من يقوم بدور الإصلاح وإيجاد اللحمة الصادقة بين القادة وشعوبهم، إذا صحت النوايا ووجدت الإرادة الجادة والعزيمة الصادقة، ولن ترتاح الشعوب ولن تسلم قيادها إلا يوم يكون الإسلام هو المنهج وهو الشعار وهو المرجعية العليا للأمة شعوبًا وقيادات، فهل تفعلونها أيها السادة، وهل تحققون الحلم الواعد لشعوبكم وتقودون الأمة إلى عليائها، بل تقودون العالم الحائر الذي يبحث عن منقذٍ ومخلص؟؟

اللهم قد بلغنا، اللهم فاشهد.