ديكتاتورية القائمين على المؤسسات

جميل السلحوت

[email protected]

قبل اكثر من عشر سنوات كتبت مقالا بعنوان"الشطار" وهم لصوص المنظمات غير الحكومية الذين أثروا على حساب شعبنا المنكوب، والذين قدموا الرشاوي  للتغطية عليهم، ووجه ممولوهم بعض وسائل الاعلام –ومنها فضائيات- لاجراء مقابلات معهم يزاودون فيها حتى على الشهداء الذين يحلقون في سماء المجد والخلود،  من أجل تلميعهم واعدادهم للقيادة مستقبلا، ومنهم من تبوأ مناصب قيادية فعلا، ومنهم من ينتظر، لكنه لا يزال يواصل اللصوصية والفساد من ذات اليمين وذات اليسار، ويبدو أنهم يلبسون "طاقية الخفاء"فلا تشاهدهم هيئة مكافحة الفساد.

 ومن اللافت في الأراضي الفلسطينية أن المؤسسات الأهلية، والكثير من الجمعيات والنقابات التي تتستر بتسميات براقة مثل"الاسلامية الخيرية"وهي بعيدة عن الاسلام والخير بعد السماء عن الأرض، ابتلاها الله بهيئات ادارية ارتأت أن تكون خالدة مخلدة لا يغيبها الا الموت، وان اضطرت الى اجراء انتخابات، فان لها شروطها في عضوية الهيئة العامة، فهم لا يقبلون من يتقدم بطلب عضوية الهيئة العامة الا اذا كان مقدم الطلب من شاكلتهم، وبالتالي فهو مضمون الولاء لهم، ويجرون انتخابات شكلية تعيدهم الى الهيئة الادارية، لأنهم يعتبرون المؤسسة مشروعا استثماريا خاصا بهم، لكنهم لا يستثمرون فيها شيئا، بل ينهبونها ويثرون من خلالها، حتى أن بعض المهنيين متفرغ للهيئات الادارية للمؤسسات والنقابات، فهو فاشل في مهنته، ولا يمارسها، لكنه عضو في أكثر من هيئة ادارية، فيسرق وينهب ويزور ويحتال، ويترشح لانتخابات الهيئات الادارية باسم تنظيم ما، مع أنه مشكوك بصحة ولائه وانتمائه، وثبوت ادانته بالسرقة والتزوير والنصب والاحتيال، مما يعني أن أعضاء كتلته اما هم من شاكلته، أو مضللون به، أو هو مفروض عليهم.

ومع ذلك فهناك مؤسسات تتمترس فيها الهيئات الادارية، وكأنها لا تؤمن بالانتخابات الا لمرة واحدة، هي التي توصلهم الى الهيئة الادارية، وكأن ربنا لم يخلق من هذا الشعب سواهم، وبغض النظر عن ممارستهم للفساد أو عدمها، الا أن التغيير ليس واردا في حساباتهم، وحتى يبدو أنهم لم يسمعوا بثورات الشباب في المنطقة والتي تطالب بالتغيير، وفي الوقت الذي نجد فيه رئيس سلطتنا الفلسطينية السيد محمود عباس يزهد في السلطة، ويطالب بتوحيد شطري الوطن من أجل اجراء انتخابات تشريعية ورئاسية لن يترشح لها-وهو صادق فيما يقول-الا أن هيئات أدارية مضى عليها سنوات، ولم تحترم أنظمة مؤسساتهم الداخلية، والتي تدعو الى اجراء انتخابات دورية، فانهم غير معنيين بتفعيل الهيئات العامة، وغير معنيين باجراء انتخابات، دون ابداء الأسباب، ولا يجدون من يحاسبهم على ذلك، فمثلا جمعية المقاصد الخيرية الاسلامية في القدس، المسؤولة عن مستشفى المقاصد الذي يشكل صرحا صحيا نفاخر به، وتدير عددا من المستوصفات الطبية، فان هيئتها الادارية التي استلمت مهامها في العام 1997 ولم يحصل انتخابات بعدها، وبغض النظر عمّا انجزت الهيئة الادارية أو لم تنجزه، فانه لا يحق لها البقاء كل هذه السنوات الطويلة، وقد سمعت تذمرا كبيرا من أعضاء هيئتها العامة لذلك، فهل تتكرم الهيئة الادارية وتدعو لانتخابات هيئة ادارية جديدة، ولا يسعنا هنا الا أن نترحم على الراحل محمود حبيّة الذي كانت له اليد الطولى في تأسيس الجمعية والمستشفى، وأدارها بنجاح لافت، الى أن جرى استبعاده في العام 1997، وليقضي نحبه بعدها غريبا في أمريكا، ولم تكلف الهيئة الادارية للجمعية نفسها حتى بنعيه أو اقامة حفل تأبين له.