لأجعلن من ماليزيا نسخة من سوريا

هذه الفترة هي فترة ( الشيشكلي ) الذي سمّي بالرجل الحديدي ، وكذلك سمّي بالدكتاتور ، وشتّان مابين دكتاتوريات تلك الأيام والدكتاتوريات التي جاءت بعده 

لا أظنّ أنّي بحاجة للتعليق على نص الرسالة ، أو ما قاله مهاتير محمد الذي زار دمشق تلك الأيام ، سوى سقى الله أيامك الغابرة يا حبيبتي يا دمشق 

لديّ من العمل ما يمنعني عن الكتابة ، كما لديكم الرؤية والمقارنة بين دمشق في تلك الأيام وهذه الأيام ، وبين ماليزيا تلك الأيام وما آلت إليه هذه الأيام 

إنني أرفع قبّعتي لمهاتير كما يفعل له شعبه وزيادةً عنهم ( أنحني له ) ، ولا أرفع قبعتي ولا أنحني لمن هم السبب في تخلف بلدي ومدينتي 

أعتذر إليكم بسبب إنقطاعي عنكم طيلة هذه الفترة ولعلّ الانقطاع يمتدّ لنهاية هذا الاسبوع 

كنّا نغطّي معاً الأحداث التي تجري في البلاد العربية ، ولايُخفى عليكم أنّ ما سُمّيت بالثورة في سورية بدأت في يوم ( 15 / آذار ) ولا زال يشتدّ أوارها يوماً بعد يوم 

والحقّ يُقال : أنّ المعارضة كانت تُطالب بالافراج عن سجناء الرأي والسجناء السياسيين ، فسارعت الدولة ، وأفرجت عن المجرمين 

والحقّ يُقال : أنّ المعارضة كانت تُطالب بالحرية ، فسارعت الدولة فخفّضت الخدمة العسكرية ثلاثة أشهر 

هل لاحظتم معي التجانس التام بين الدولة والمعارضة ؟ 

أليس هذا أشبه بمن يطلبُ ماءً فيعطوهُ ملحاً ؟

الأيام القادمة حبلى 

غداً العيد القومي للأكراد ( نو روز ) وتعني بالكردية يوم جديد 

وسأقول لكم بشكل مختصر جدّاً ( اسطورة نوروز ) : 

يُحكى أنّه كان هناك ملكاً اسمه ( الضحّاك ) أصابه مرض ، فنبت له قرنين في كتفيه أو رأسه ، فوصف له الطبيب أن يأكل كل يوم دماغَيْ بشر ، ففي ذلك الدواء ، فكان يومياً يُقتل اثنين من البشر ( من الأكراد ) ، حتى أحد الحكماء نصح 

بأن يكون دماغ بشر وآخر حيوان ، حتى يخفّف من الجريمة التي تُرتكب بحقّ الضعفاء 

وكان هناك شخص قوي يعمل في مهنة الحِدادة اسمه ( كاوا الحداد ) كان يتألّم كثيراً لِما يجري للمقهورين والضعفاء ، وكان يتمنّى بينه وبين نفسه أن يخلّص الناس من ظلم ذلك الطاغية ....

ففي أحد الأيام دعا الملك الحداد لبيته كي يصنع لسطح بيته سوراً من الحديد ، وبينما كان الملك يشرح للحدّاد هندسة السور الحديدي ، كان كاوا الحدّاد يتمكّن من القبض على مطرقته بساعديه القويتين فهوى بها على رأس الطاغية 

فأرداه قتيلاً ، وأشعلوا النار في البلاد فرحاً وابتهاجاً لميلاد يومٍ جديد لا طاغية فيه 

ربّما لا نستطيع أن نكون مثل كاوا ، ولكن نستطيع أن نملك مطرقة أصغر من مطرقة كاوا ، كلٌّ منّا يطرق بسماراً صغيراً في نعش الطاغية 

أتمنى لكم يوماً جديداً مغايراً لأيامكم الغابرة كنوروز كاوا 

أبو عُبادة 

الزمان: عام 1952

المكان: دمشق "الفيحاء" ..

القائل: مهاتير محمد ( السياسي الماليزي المعروف ومهندس النهضة الماليزية )

هل فهمتم شيء ؟

عذراً على هذا الأسلوب الغامض !!

القصة وما فيها أن مهاتير محمد زار دمشق في عام 1952 وفي وقتها كانت سوريا الحبيبة متقدمة ومنفتحة صناعياً واقتصاديا على العالم, وكانت صناعتها مشهورة بالجودة واقتصادها كان قوياً (كانت الليرة تعادل الريال السعودي الآن) .. واسألوا آبائكم أو أجدادكم الذين عاصروا تلك الفترة ..

عالعموم رأى مهاتير ذلك وكان طالباً شاباً ورأى التقدم في سوريا وجودة الصناعة وعلى فكرة نسيت أن أقول لكم إن سوريا يومها كانت تسمى:

( يابان الشرق الأوسط ) !!

فانبهر من ذلك واستاء من حالة بلده التي كانت فقيرة ومتأخرة ..

فقال: ( سأجعلن من ماليزيا نسخة من سوريا ) !! ووضعه هدف له ..

وفعلاً ... ذهب لماليزيا وأصبح أحد السياسيين الناجحين وفاز برئاسة الوزراء .. ثم .. وضع جدولاً لتنمية ماليزيا وجعلها من الدول المتقدمة , وكان هدفه كالتالي:

- أولاً يجب محاربة الفساد المنتشر والقضاء عليه .. وتم منع الفساد والرشاوي وحث الموظفين على ذلك وتحمل الراتب القليل لأجل ماليزيا .. ومن ثم تم إعدام عدد من الفاسدين المرتشين في ميادين عامة أمام الناس وتم تشجيع المواطنين على الإبلاغ عن المسؤولين المرتشين وتخصيص مكافأة لكل مواطن يبلغ عن مسؤول مرتشي !!

وهكذا رويدا رويداً تم القضاء على الفساد ..

- ثم الهدف الثاني هو: تطوير التعليم في ماليزيا ..

عالعموم لا نريد التشعب أكثر, حقق مهاتير أمور كثيرة والآن نحن نرى "ماليزيا" المسلمة ذات الـ 22 مليون إلى أين وصلت ...

تقدم صناعي وتقني واقتصادي هائل .. الشوارع والمرافق العامة نظيفة , الشعب واعي ومنتج وعامِل ..

والأجمل من ذلك أن الحكومة تتبنى منهج "الإسلام الحضاري" في البلاد فلم تنبذ الدين الإسلامي الذي هو دين أغلبية الشعب ولم تحاربه .. بل شجعت عليه وحمته وشجعت النساء على الحجاب وجعلت المحاكم التي يتحاكم إليها المسلمون تحكم بالشريعة الإسلامية والاقتصاد اقتصاد إسلامي وتبنّت ماليزيا عملة الدينار الإسلامي في معاملاتها الخارجية, وهي الآن تهدف لأن تكون عاصمة للتمويل والاقتصاد الإسلامي في العالم ..

أصبحت من الدول الصناعية الرائدة والناجحة .. وبات الشعب الماليزي يكنّ كل تقدير واحترام لـ "مهاتير محمد" ..

أما ما حصل في سوريا منذ ذلك الوقت !!.......