الصحافة الالكترونية الفلسطينية وإغفال متطلبات المرحلة
الصحافة الالكترونية الفلسطينية
وإغفال متطلبات المرحلة
محمود خلوف
صحفي وطالب دكتوراه إعلام
وجهت رسالة للقائمين على المواقع الصحفية الالكترونية الفلسطينية في الثاني عشر من كانون الثاني/يناير 2008، عبر شبكة الانترنت، أظهرت فيها أهمية مواكبة متطلبات العصر فيما يخص خصوصية صحافة الانترنت، وطبيعة القضية الفلسطينية، وعامل السرعة، والمنافسة، ولكن الرسالة في حينه لم تلق آذانا كثيرة صاغية، كما يبدو.
ناقشت في ذلك الوقت أمورا عديدة في مقال بعنوان "الصحافة الإلكترونية الفلسطينية والغرق في التقليدية"، وتعمدت إرساله لشخصيات مؤثرة في العمل الإعلامي الفلسطيني، وإلى محررين وقائمين بالاتصال في مواقع الكترونية عديدة، وها أنا أعيد توجيه الرسالة ثانية على أمل بأن تكون النتيجة مغايرة هذه المرة...
علمنا البحث العلمي بألا نطلق الأحكام جزافا دون الاستناد إلى دراسات علمية، وها أنا أخط الكلمات هذه بعدما راجعت بتعمق نتائج دراسة ميدانية محكمة نفذتها منتصف ونهاية العام 2010، تتعلق بالقائمين بالاتصال واستخدامات تكنولوجيا المعلومات في المواقع الفلسطينية وبالعوامل المؤثرة على التحرير الصحفي في الصحافة الالكترونية الفلسطينية، بعدما طبقت دراستي على سبعة مواقع فلسطينية الكترونية: حزبية، وحكومية، وخاصة، وشخصية.
ومن نتائج هذه الدراسة، التي زاوجت فيها بين تحليل المضمون والمقابلة، والملاحظة مع المشاركة، انطلق بحكمي على الواقع الراهن للمواقع الالكترونية الفلسطينية، إذ اتضح أن تجارب المواقع الالكترونية الفلسطينية في مجال استخدام الوسائط المتعددة (الملتيميديا) "ضحلة" ومازالت في البدايات الأولى، مع أن وكالات عربية ومواقع الكترونية عربية وغير عربية خاضت هذه التجربة وبنجاح واضح منذ سنوات عدة.
قد تكون الذريعة لدى القائمين على هذه المواقع ضعف الامكانات المادية، أو كادر العمل غير المؤهل بشكل كاف، أو الإمكانات التقنية، ولكن أرد عليهم، في ضوء مشاهداتي ونتائج دراستي، كل ذلك يمكن تجاوزه بوقت قياسي إذا امتلكتم الإرادة وكان لديكم التخطيط الجيد والمتابعة العلمية والأمينة، وإذا قمتم بتوظيف عدد قليل جدا من المختصين، أو إذا استفدتم من بعض الخبرات الموجودة لديكم والتي لم تستغل جيدا لظروف وأسباب أنتم تعروفون غالبيتها، ولا أرغب في الخوض بها في هذا المقال.
لا أرى مبررا لوكالات ومواقع فلسطينية كبيرة، بأن تغفل أهمية شبكات التواصل الاجتماعي "الفيس بوك"، و"تويتر"، ألم تسهم هذه الشبكات والمواقع في تغيير أنظمة حكم في بلاد شقيقة ومجاورة؟، ألم تحدث حراكا كبيرا وانقلابا في عالم الصحافة والإعلام؟!.
وكيف يجوز لنا أن نغفل أهمية شبكات التواصل الاجتماعي وقنوات فضائية كبيرة ومؤثرة بحجم "الجزيرة"، والعربية" وغيرها، تتعمد تعريف الجمهور على مواقعها على شبكات التواصل الاجتماعي على مدار ساعات البث....وهل بث الخدمة الإخبارية عبر "الفيس بوك"، أو "تويتر" يحتاج وقتا جما، أو كادر عمل كبير؟، بالتأكيد لا...
إن نتائج دراستي العلمية جعلتني أصاب بالذهول، بل بالصدمة، ليس فقط بما يخص الشكل المتبع في هذه المواقع، بل المضمون، ما يجعلني أوجه تساؤلا ملحا: هل الصحفي موظف يؤدي عمله بداخل المكتب؟، وهل طبيعة الصراع مع الاحتلال تجعل الخبر فنا مؤثرا ويجب أن نركز عليه بالأساس في عملنا؟ وهل تناول الضحايا بالأرقام مجد، أم أننا بحاجة للتوجه نحو القصص الإنسانية؟، وهل مرحلة بناء الدولة ومحاربة الفساد تتطلب منا البعد عن التحقيقات الصحفية، و"الريبورتاج"؟، وهل عدم خوض تجربة الوسائط المتعددة بشكل أعمق مبررا؟!!.
من الواضح أن هناك سوء تقدير واضح لدى كثيرين من القائمين بالاتصال في هذه المواقع، وبخاصة فيما يخص الخدمة التي تقدمها الوسيلة...، فمن الخطأ أن نقول بأن جمهور الموقع الالكتروني هو الجمهور الفلسطيني، أو حتى الجمهور العربي، فالمواقع متاحة لكل البشر على امتداد المعمورة، ما يستدعي إعادة النظر في نطاق التغطية والمعالجة، وحتى لو استدعى الأمر النقل عن وكالات أخرى دولية أو عربية أو حتى عن قنوات فضائية أو وسائل أخرى، مع مراعاة الإشارة للمصدر الأصلي للمادة الصحفية.
لقد أثبتت الدراسة المشار إليها سلفا أن غالبية القائمين بالاتصال يعتبرون أن جمهورهم هو الذي يتلقى الخدمة عبر الموقع الالكتروني، وهذا يظهر أن نظرتهم قاصرة ومحدودة إلى حد ما، أليست الصحف ناقلا عن المواقع ووكالات الأنباء؟، أليست محطات إذاعية وتلفزيونية، أو قنوات فضائية بإمكانها أن تنقل الخبر عن هذه المواقع والوكالات....
وهل بات مقدسا بأن تنقل الصحف المحلية الأحداث العربية عن وكالات عربية أو دولية؟، ولم لا نحفزها ونقدم لها تقارير وأخبارا دولية وإقليمية وعربية؟، وهنا لا أقصد فقط الأخبار العربية والإقليمية والدولية المتعلقة بدعم القضية الفلسطينية، بل مجريات الأحداث الداخلية في تلك المناطق...
وهذا ينقلي لإعادة التأكيد على ضرورة عدم حصر نطاق التغطية بالمحلية؛ لأن استمرار الوضع على حاله يجعل المواقع في واد، والجمهور في واد آخر، فلو نفترض جدلا(مع أن هذا غير صحيح ) بأن جمهور المواقع الفلسطينية هو الشعب الفلسطيني، ألا يعني هذا الجمهور ما يجري في ليبيا واليمن ومن صدامات ونزاعات؟، ألا يهم هذا الجمهور ما يحدث في مصر وتونس بعد نجاح الثورات؟، ألم يكن الجمهور الفلسطيني راغبا في معرفة ما يجري من مآس إنسانية في اليابان نتيجة الزلازل المدمرة و"تسونامي" فلم تغفل أخبار هذه الدول؟!!.
المشكلة أن مواقع فلسطينية ووكالتين على الأقل لديها مراسلون خارج فلسطين ومن خلال تواصلي معهم، عرفت كم أنهم مصابون بالألم وخيبة الأمل، لأنهم يرسلون تقارير ومواد إخبارية عديدة إلى مؤسساتهم عن واقع البلاد التي يعيشون بها، وبخاصة التي تشهد الثورات والتغيير، ولكن عددا كبيرا من موادهم تسير بالطريق الأسهل بالنسبة للمحرر وهي "سلة المهملات".
أدرك بأنني لم أف هذا الموضوع حقه، ولكن الصورة قد تكون أكثر وضوحا بالرجوع إلى المقال الذي نشرته عام 2008 بخصوص التقليدية في المواقع الفلسطينية الالكترونية.