في ذكراك تغيير وإصلاح وأنظمة عربية تنهار

هنادي نصر الله

[email protected]

لم يكن استشهاده يومًا عاديًا، فقد حزنت السماء وبكت عليه، وساد الإضراب الشامل قطاع غزة الذي أسكنه، أذكر يومها أنني مشيتُ سيرًا على الأقدام أبحثُ عن سيارةٍ تقلني إلى بيته لأنقل ردة فعل أهله، أبنائه، أحفاده، وزوجته التي اقترنت بأنبل شخصيةٍ وأكرم إنسانٍ عرفتُه حتى يومنا هذا على مستوى القيادات والشخصيات رفيعة المستوى..

كان رفيعًا بتواضعه وخُلقه الحسن ولم يكن رفيعًا بربطة العنق والبدلة الرسمية والسيارة الفخمة والبيت المشيد بأفخم مواد البناء، كان بسيطًا وما أجمل تلك البساطةِ عندما تفيضُ حنانًا وتنبض حكمة وتُنتج دُررًا وتُصدر موقفًا سياسيًا جريئًا في زمنٍ ساده التطبيع والتفاوض ومحاربة الرجال الحقيقيون بعد أن كان وجودهم صعبًا إن لم يكن مستحيلاً...!

صوته كان متعبًا ومبحوحًا على الدوام لكنني كنتُ أعانق مع نبراته الشجية كل إصرارٍ وحقٍ، وكأنه كان يقول لي ولغيري من أبناء الجيل القادم" بزوغ الشمس قادم؛ فسيروا على الدربِ وإياكم والغرور والمظاهر"..

سياسيًا كان محنك، اجتماعيًا كان رائعًا، إيمانيًا كان مميزًا وإن كان مأمومًا بحكم إعاقته والشلل الذي أصابه منذ طفولته، في ذكرى استشهاده أسألُ نفسي كيف السبيل لأن أصبح مثله في الهمةِ؟ وكيف لي أن أضاهي نشاطه وكبرياءه؟ كيف لي أن أنطلق نحو عالم الروح وأسمو بنفسي وإسلامي إلى الحضارةِ التي تُحيي كل متواضعٍ وبسيط في حياته المادية متألق وناجح في حياته المعنوية؟؟

" الياسين" لم يرحل إنه باقٍ في شبابنا، كأنني أراه أمام ناظري وقد صدقت رؤياه برحيل الإحتلال الإسرائيلي مدحورًا منسحبًا فارًا من غزة تحت نيران وضربات القسام الذي طالما مدحه وأثنى عليه وشجع وبارك خطاه... لله درك أيها الياسين كم نفتقد لمن يشجعوننا ويمنحوننا الطاقة وسبل النجاة..؟!

كنت وحدويًا تحب الجميع، ترفض الإقتتال الداخلي وتنادي بحرية الأسرى والمعتقلين، عقلك كان أشبه بموسوعةٍ تعليميةٍ تاريخيةٍ عمليةٍ واقعيةٍ أينما فكرت أصبت وأينما تحدثت أصلحت كنت صلبًا في كل المواقف إلا في تلك التي تتعلق بأناسٍ طرقوا بيتك لتساعدهم، كنت ضعيفًا أمامهم لا تملك إلا أن تردهم وهم ينعمون بالصحةِ والهناء ومما أعطاك الله، كنت تؤثرهم على نفسك لتبقى على الدوام الياسين الذي لا يُنافسه أحد في كرمه وجوده وعطفه وإنسانيته..

نم قرير العين أيها الياسين.. فذكراك اليوم لها نكهة مجدٍ شاء الإله أن يبقى عملاقًا رغم حالات الإغماء والموت السريري التي سيطرت على الشعوب العربية بحكم الأنظمة الظالمة الخبيثة...

نم قرير العين فعروش الظلمة اهتزت وانقضت وما تبقى منها في طريقه إلى الزوال.. نم حيًا وابق مع الخالدين فشعارك الذي طالما رددته " الإسلام هو الحل" سيسود ويسود ويسود ويعلو فوق كل القمم، فقد خُلع بن علي ومن بعده مبارك وعلى الطريق القذافي وسائر الأسرة الظالمة، لن تنفعهم النياشين التي خدعوا أنفسهم بها، فأمريكا وحلفائها تخلوا عنهم ولم يبق لهم مفر سوى العيش في مزبلة التاريخ تطاردهم اللعنة أينما حلو ورحلوا...

نم قرير العين.. فمن غزة التي أحببتها كانت شرارة التطهير والإصلاح والتغيير، وها هي الثورة تستمر وتشتعل في كل الأرجاء العربية.. إنها ثورة حتى النصر حتى يتجلى الإسلام ويظهر...