ثورات الربيع العربي.. والفرصة الضائعة
علاء الدين العرابي
عضو رابطة الإسلام العالمية
ثورات الربيع العربي كانت حلما للشعوب العربية في الحصول على حريتها وكرامتها من أنظمة فاسدة ظالمة
وكانت أيضا فرصة للأنظمة المستبدة أن تتخلى عن استبدادها ، وأن تتطهر من ظلمها وفسادها
كانت فرصة للأنظمة العربية أن يعلنوا انضمامهم للشعوب الثائرة ، ولكنهم بدلا من أن يراهنوا على إرادة الشعوب راهنوا على الثورات المضادة
الفرصة الضائعة هنا تتمثل في أمرين :
الأمر الأول : التوبة والتطهر من الظلم والاتجاه نحو تحقيق منظومة العدل والحرية ، وذلك قبل أن يجرفها تيار الثورات
الأمر الثاني : استقلال القرار العربي عن التبعية ، لأن انتصار الثورات تعني بشكل واضح حصول دول المنطقة بالكامل على حريتها من هيمنة الغرب ، بل تعني أكثر من ذلك ؛ تعني وضع المنطقة العربية الساقطة من قطار الحضارة إلى دائرة الفعل الحضاري ، وبالتالي التأثير في المنظومة العالمية 00 كيف ذلك ؟
نعلم يقينا أن الأنظمة العربية واقعة تحت نفوذ منظومة الغرب وأمريكا منذ رحيل الاستعمار العسكري عنها ، هذا الاستعمار الذي ذهب وترك أدوات التبعية وراءه ، والتي ما زال لها الفعل والتأثير ، وتستخدم تلك المنظومة استغلال وابتزاز أنظمة الحكم التي ترتبط بها بشكل أو بآخر ، والثمن معروف ؛ وهو بقاء تلك الأنظمة في الحكم
هذه الأنظمة اختارت طريق الثورة المضادة ومشت بالتالي في ركب أمريكا والغرب ظنا منها أن الغلبة في النهاية حتما ستكون من صالح الثورات المضادة ، طالما كانت تلك إرادة المنظومة العالمية بقيادة أمريكا وهي التي تخطط لها وتدعمها ، وهذا قد يكون صحيحا من الناحية الواقعية التي تفرضها موازين القوى 00 ولكن
فات على تلك الأنظمة شيئا مهما وهو تحقق العكس بأن تنتصر إرادة الشعوب على إرادة المنظومة الغربية ، والتي قد تكون هي الحصان الأسود في السباق ، لأن إرادة الشعوب أقوى من إرادة الاستبداد ، فهي إرادة حق ، وحين ينتفض أي شعب طالبا حقه في الحرية والعدل والكرامة فلابد أن يستجيب خالق الحياة
إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر
وهنا تبرز الفرصة الضائعة على السطح ويكون رهان تلك الأنظمة على دعم الثورات المضادة رهان على الحصان الخاسر
تخيلوا لو أن ما انفق لدعم الثورات المضادة قد أنفق على دعم ثورات الربيع العربي ، إذن لتغيرت المنظومة بكاملها واستردت شعوب المنطقة ومعها تلك الأنظمة - التي على المحك - حريتها من المنظومة الغربية
وهنا لابد أن نطرح بعض الأسئلة المنطقية التي لها علاقة بالواقع السياسي الحالي 000
أيهم أشد خطرا على تلك الأنظمة 00 شعوب تستغيث بخالقها ، وتحفر في تراب أوطانها بحثا عن الحرية ، أم المنظومة الغربية التي لا ترى في أوطاننا سوى لعبة تحركها متى شاءت وكيف شاءت تبعا لمصالحها
أيهم أشد خطرا على تلك الأنظمة 00 المقاومة الفلسطينية التي تحارب عن الأمة حرب مصير مع العدو الصهيوني مغتصب القدس والأقصى ، أم هذا العدو الذي يخرج لسانه لنا ويخرج معه حلمه التوسعي بأرض من النيل إلى الفرات وفي الطريق خيبر
أيهم أشد خطرا على تلك الأنظمة 00 شعوب مسالمة لديها استعداد أن تتمترس وراء حكامها في معركة الوجود ، أم عدو بعيد متربص بالأمة لا يريد لها استقلالا ولا يريد لها قرارا ، ولا يريد غير بقائه واضعا يده على ثرواتها ، زارعا كيانا شيطانيا وسطها يضمن له تحقيق ذلك
أيهم أشد خطرا على تلك الأنظمة 00 التيار الإسلامي المسالم (أو ما يسمونه الإسلام السياسي) الذي يؤمن بتداول السلطة ، أم الإسلام المتطرف المتمثل في داعش وغيرها من الجماعات المتشددة ، أم هذا التمدد الإيراني هنا وهناك ، في لبنان حزب الله الذي يساند طاغية سوريا ، وفي اليمن وحوثييها الذين يقودونها إلى حرب أهلية
قد تبرز الإجابة على هذا السؤال تحديدا بأن الإسلام السياسي أخطر ؛ لأنه سيسحب منهم السلطة بطريقة سلمية ، أما الإسلام المتطرف فسوف يقضون عليه بمعاونة الغرب فيما يعرف بالحرب على الإرهاب ، وهذه نظرة ضيقة وآنية ، لأن الحروب الأهلية لا تبقي أوطان صالحة للحكم ، بل تبقي أطلال أوطان
كما أن الأمور لا تسير في هذا الكون دائما وفقا لمخططات قوى الشر ، فهناك رب لهذا الكون يتصرف فيه وفقا لإرادته ، ووفقا لنواميس وضعها فيه ، ومن هذه النواميس التي قد تفوت على تلك الأنظمة
بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18) الانبياء
وأخيرا لابد من طرح هذا السؤال 00 هل ضاعت الفرصة أم لا يزال هناك أمل ؟ والجواب ليس عند هذه الأنظمة ، بل هو عند شعوب ثورات الربيع العربي فهي التي تقرر أن تمنح أو تصفح.