اللحظة الأليمة .. حيث لانصر.. ولاهزيمة

نوال السباعي

[email protected]

مشاعر مختلفة ومضطربة تجتاح المرء ،وهو يرى احتفال بنغازي بقرار مجلس الأمن تطبيق الحظر الجوي اخيرا على ليبيا بشروطه وملابساته ، بعد أن منح "المجتمع الدولي" النظام في ليبيا شهرا ، ليحاول استعادة سيطرته على الدولة والشعب ، لكن صمود الثوار الليبيين وعزمهم وتصميمهم ، حال دون أن يستطيع القذافي وأبناءه استعادة أمجاده الواهية ، وإحكام السيطرة من جديد على شعب كان قد نهب ثرواته الهائلة ، وسامه سوء الذل والعذاب .

على الرغم من المبررات الكافية التي قد يجدها أهالي بنغازي للاحتفال بذلك القرار ، لردع هذا النظام الإجرامي ، ولجمه عن الولوغ في الدماء ، بعد أن استنفذ كل وسائل القهر والتركيع ، حتى وصل به الحال ان يقطع عن الناس الماء والكهرباء ، ويهددهم بأعراضهم ودمائهم ، فإننا لانجد حلاوة لتلك اللحظة الأليمة ، حيث لانصر.. ولاهزيمة ،فلم ينتصر الشعب ، ولم يُهزَم الطاغية الجبان الذي يستأسد على شعبه ، لقد انتصر المجتمع الدولي بقدرته على حياز كل مصالحه في الوقت الذي يبدو فيه المخلص الوالمنقذ ، وانهزمنا ، انهزمنا لأننا وللمرة الثالثة ومنذ غزو الكويت ، نضطر للاستعانة بالآخرين للخلاص من طغاتنا ، إنها ساعات مريرة تلك التي تحتاج فيها الأمم للاستعانة ب"الأعداء" لتتخلص من ذوي القربى ، ولقد تكررت هذه اللحظات في تاريخنا القريب والبعيد ، حتى أن حكامنا أنفسهم وعلى رأسهم القذافي المذهول ، كان قد استعان بإسرائيل لإعادة سيطرته على ليبيا !.

لم يترك لنا حكامنا خيارات كثيرة في معاركنا معهم من أجل الحرية والكرامة والحياة ، لقد سدّوا الأبواب في وجه الأمة ، إلى درجة استعانتها بالرمضاء من النار ، معظمهم اليوم مابين مرقع ومقرقع ومفرقع ، لهم بطائن لاتسمع ولاتعي ولاتفهم ، يستمدون منها وجودهم ، وتستمد منهم قوتها الشيطانية على البطش الوحشي ، وبينما يقوم البعض منهم بالاستعانة بالعسكر لقمع الثورات، يقوم آخر بمعالجة شعبه  الصامد المتألق المذهل ، بالغازات السامة المحرمة ، ويقوم ثالث برشوة شعبه بالمليارات التي لايدري أحد من أين جاء بها على حين غرة ، وكأنها كانت قد سقطت منه سهوا! ، مليارات تنهض بها أمم ودول ومدنية ،لكنها في سياق رشوة الشعوب سترمى في مقالب التضييع والترهات ، بينما يستصدر الرابع مذكرات قضائية بحبس الأحرار الثوار الأبطال ، الذين وقفوا في وجه طغيانه الأعمى الذي أصم وأبكم شعبا لاقدرة لديه على رفع الصوت ، ولاقدرة لرجاله على الثورة ، فكانت نساؤه هن الرائدات وهن الثائرات وهن أشجع الشجعان في أرض الذل والاستكانة.

لايتعلم معظم حكامنا الدروس ، ولايفقهون سنن الحياة ، لأنهم لايتمتعون بأدنى قدر ممكن من الذكاء ولاالإنسانية ولا الأخلاق ، ولأنهم يحكمون شعوبا لا تحبهم ولاتثق بهم ، وأوطانا لايخدمونها ولايحرصون عليها ، لقد ركبوا ظهر الأمة وادّعوا نصرة القضية ، التي باسمها خانوا الأمة والأمانة والحاضر والمستقبل والقضية نفسها!، لاتجد فيهم حريصا على مشاعر شعبه ولاسلامة مواطنيه ولاأمن بلاده ، لقد جعلوا خياراتنا محدودة للغاية ، بين الامن والحرية ، بين التهريج والتصفيق لهم أو الفرم في آلات تعذيبهم الرهيبة ، بين الذبح والاستعانة بالعدو الذي أصبح صديقا وملاذا !، وأجارنا الله من من مثل زمن ملوك الطوائف!!.

نجد أنفسنا هذا اليوم العصيب ، أمام تحديات تاريخية ، تعيد رسم خارطتنا النفسية والفكرية ، من هو العدو ؟ ومن هو الصديق؟ من هذا الذي يمدّ لنا يد العون ، وقلبه على مصالحه وعينه على ثرواتنا ؟ ومن ذاك الذي غلّب مصالحه وشراكاته السرية على سيل الدماء وعذابات الشعوب ؟ من نحن؟ وماذا نريد؟ وإلى أين تمضي الأمة في هذه الايام المباركات باستيقاظ الشعوب ، النحسات بأداء حكام أقل مايقال فيهم أنهم أغبياء عملاء! .

أين ستتجه ليبيا ؟ وماذا تخبيء لنا الأيام القادمة ؟ هل هي الحرب الأهلية؟ هل هو انقسام ليبيا ؟ هل هي قدرة الشعب على إخراج هذه العائلة الحاكمة من أرضه وحياته ، وهو ليس بالأمر السهل ؟ ، وماهو الثمن ؟ ، ماهو الثمن الذي سندفعه عاجلا وآجلا لهذه المساعدة الغربية الأممية ؟ ، وهل نحن قادرون على تحويل هذه المساعدة إلى فعل إيجابي في عالم البناء الاجتماعي ، والقرارات السياسية ، ونهوض الأمة والإنسان ، وبدء مرحلة جديدة في تاريخنا تتغير فيها كل الأشياء ، بدءا من نظرتنا للإنسان والوطن ، وانتهاءا بنظرتنا إلى القضية الفلسطينية ، وإمكانيات التعامل معها ، لأنها أولا وآخرا هي القضية ، وهي التي تطوف حولها كل عذاباتنا وثوراتنا وآمالنا ، وإليها يجب أن تحج كل تطلعاتنا نحو الغد والمستقبل .