هل يمكننا تغيير العالم بالفعل

مازن كم الماز

[email protected]

منذ فكرت بالكتابة لأول مرة , و خاصة بعد أن بدأت الكتابة بالفعل , كان السؤال كبيرا جدا أمامي : لماذا أكتب , بل ما هو جدوى كل شيء قد نفعله خارج الالتزام الحرفي و النصي بكل ما يفرض علينا , بكل ما يفرضه علينا رجل الدين و السياسي و المثقف و الشرطي و حتى أي شخص وقح يملك ما يكفي من العضلات و النذالة ليصفعك , أذكر هنا ما قاله شاعرنا المعري , أحد أكبر أساتذتي في مادة الحرية , عن أنه كان ينوي أن يفعل ما لم يفعله الأوائل , لكن ها هو المعري مات و مر على كلماته قرون طويلة بينما كل شيء انتقده في هذا العالم , و ربما حلم بتغييره , ما يزال على حاله .... إذا لم تكن تكتب كمهنة , كمهنة تعتاش منها كما يعتاش العمال من قوة عملهم , إذا كنت تزعم أنك تبحث عن الحقيقة أو شيئا منها , عن فسحة من الأمل في هذا العالم , فلماذا تكتب ؟ بدأت يومها بالكتابة فقط كجزء من وجودي نفسه , أي بذات الطبيعية التي أتناول فيها الطعام أو أمارس أو أحلم بالجنس و أنام عندما يمكنني النوم , لم أناقش فعل الكتابة تماما كما لم أناقش أي شيء آخر أفعله , ربما كان الأمر على هذا النحو : أنا أكتب إذا أنا موجود , لكن هذا العالم العصي على التغيير , مصدر عذاب الملايين ممن يعيشون فيه , يولدون فيه و يتركونه فقط لضرورة أن تعيش قلة من البشر كما ينبغي , هذا العالم كان أيضا يعذبني , و يستمر بتعذيبي , هل يمكن التخفيف من قسوة و غباء هذا العالم , هل يمكننا يوما ما أن نعيش كبشر في نهاية المطاف , أم أننا سنفعل كما فعل أستاذنا المعري , نكتب , نثرثر , ثم نمضي , تاركين هذا العالم كما هو , ينام , ينوء بكل ثقله على أجساد الفقراء و المحرومين كما قال غيفارا ذات يوم ... اليوم و هذا العالم يبدأ بالتغير من حولنا , يخفف قليلا من وطأته على أجساد الفقراء و المحرومين بسبب صرخاتهم المرتفعة اليوم بدلا من أنينهم المكتوم بالأمس , أكتشف كما تكتشفون جميعا أنه عالم يمكن تغييره , لعل المعري كان ينتظر حتى نهاية حياته أن يرى ما نراه اليوم , لكن يمكننا اليوم فقط أن نقول أنه حتى لو لم نر ما يجري اليوم كما كان حال المعري و الآلاف , الآلاف من غيره , ممن حلموا ذات يوم بتغيير العالم , يمكننا اليوم أن نقول أن الحلم بتغيير العالم ليس فقط أروع و أعظم حلم على وجه الأرض , أعظم أحلام الإنسان على الإطلاق , بل أنه أحد أهم القوى التي تغير العالم بالفعل , لا يمكن القول أن ما جرى في مصر في 25 يناير كانون الثاني كان فقط نتيجة دعوة على الفيسبوك , تعود الدعوة الأولى إلى أول لحظة تمرد فيها المحرومين على سادتهم , لحظة واحدة في التاريخ اختزلت كل ذلك التاريخ الطويل جدا من الحلم بعالم أفضل , نحن نعرف اليوم أنه سيجيء يوم ما بعد كل هذا القهر الطويل جدا سيصبح فيه الحلم أكثر من مجرد حلم , يوم سيكتب فيه المهمشون تاريخا جديدا , سيبدأ عنده التاريخ من جديد .....