كيف نبني مستقبل مصر

عبد الرحمن بريك

بعد نجاح الثورة:

عبد الرحمن يوسف بريك

الشواشنة / الفيوم /مصر

[email protected]

إن النجاح الهائل الذي حققته ثورة الغضب المباركة في إزاحة النظام الذي جثم على صدور المصريين طيلة عقود ثلاثة ، والذي أذهل العالم كله ، حتى أن أوباما قال إن المصريين علموا العالم كيف تكون المطالبة بالعدالة دون إرهاب ، وقال إننا سمعنا صرخات المصريين من ميدان التحرير ، أقول بعد هذا النجاح الهائل لابد من وقفة جادة حتى لا تلهينا فرحة الإنجاز عن استثمار نتائجه التي يجب أن تصب جميعها في صالح هذا الشعب العظيم ، وهنا أود – أولاً - أن أشير إلى النقاط التالية : -

1-    إن الثورة العظيمة التي تمت كانت نتاجاً لسنوات عجاف عاش فيها الشعب المصري يعاني من فئة قليلة نهبت خيراته واستخفت بعقول أبنائه ، وحسبوا أنهم مانعتهم أموالهم ومناصبهم من غضبة الشعب المصري الذي استمد من النيل العظيم هدوءه وصبره ، لكنه حين يفيض لا يقف شئ أمام فيضانه ، هكذا كان الشعب المصري ، صبر طويلاً وحق له أن يجني ثمار صبره ، وها قد حان وقت القطاف .

2-    إن الحرس القديم في كل طبقات المجتمع وشرائحه وقواه السياسية – إلا القليل – كانوا جزءاً من النظام السابق ، فإن لم يشاركوه فساده ، فقد شاركوه البطء في التصرف والبطء في قراءة الأحداث والرضا بالقليل ، حتى أن كل استجابة كان يقدمها النظام السابق للمتظاهرين كان هذا الحرس القديم يسارع بالدعوة إلى الاكتفاء بما تم ، وتسمع المثبطين والراضين من الغنيمة بالقليل يملأون وسائل الإعلام صراخاً داعين الشباب إلى التعقل ، وهل ترك النظام السابق عقلاً لأحد ؟ أقول إن  هذا الحرس القديم آن له أن يرحل عن سدة السلطة أياً كان توجهه ، في أي حزب أو قوة سياسية أو حركة قديمة أو جديدة ، ويترك الفرصة لهؤلاء الثوار ليرسموا مستقبلهم بأنفسهم ، ويكون هؤلاء القدامى مستشارين عند الضرورة ، وحسبهم ذلك شرفاً .

3-    إن الجيش المصري أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أو الريبة أنه حصن حصين للشعب المصري وأنه ليس تابعاً لسلطة ، بل هو يعمل فقط لمصلحة مصر ، وأقول إذا كان الشباب قد بدأوا الثورة فإن الجيش هو من ساعد على نجاحها وظهورها أمام العالم بهذا الوجه المشرف الناصع الذي أذهل العالم .

بعد هذه النقاط لابد من بعض المحاذير التي يجب مراعاتها في هذه اللحظة :-

1-    إن للثورة أعداءٌ كثرٌ عددهم لا يريدون إلا المنفعة الشخصية والدفاع عن مكتسباتهم القديمة ، وهؤلاء لن يدخروا جهداً في سبيل الوثوب على هذه الثورة ، فإن لم يستطيعوا إفشالها أو تفريغها من محتواها ، ركبوا موجتها وساروا مع الركب حيث يسير ، هؤلاء هم " أتباع كل ناعق ، مع كل ريح يميلون " ، يريدون أن يكونوا سدنة أي نظام وماسحي الأحذية لأي سلطة ، يرتدون مسوح الرهبان وهم أمكر من الثعالب ، فيجب الحذر منهم ومحاسبتهم أولاً على ما اقترفوه في حق الشعب ، ثم عدم السماح لهم بالوثوب على الثورة ، وكشفهم أمام الرأي العام ، لن نقول لهم : اذهبوا فأنتم الطلقاء إلا بعد أن يقروا بخطأهم السابق ويعلنوا توبتهم عما أجرموه في حق الشعب .

2-    إن المرحلة القادمة تتطلب توافر الجهود والعمل سوياً لعودة مصر إلى ريادتها في منطقتها والعالم في شتى المجالات ، تعود مصر إلى ثقلها السياسي ، وتوازنها الاقتصادي ، وتحقق العدالة الاجتماعية التي كانت غائبة ، ينعم فيها الفرد بأمنه ، يعيش كريماً في وطنه ، رافعاً رأسه خارج وطنه ، ولن يتأتى ذلك بجهد فئة أو فصيل بعينه ، بل بجهود كل الشرفاء والمخلصين ، يجب أن نكون - أولاً وأخيراً - أبناء مصر بلا تفرقة بين أبناء الشعب الواحد بسبب دين أو انتماء سياسي ، وحسبنا ما زرعه النظام السابق من تفرقة بين أبناء هذا الشعب الذي أظهر في ميدان التحرير معدنه الأصيل الذي أذهل العالم .

3-    إن عجلة التاريخ لن تعود – كما قال الجميع – للوراء ، لذا فلابد من إفساح المجال للعقول النابهة لتفكر وتخطط وترسم مستقبل هذا الوطن العظيم ، يجب دعوة العقول المصرية التي هاجرت للخارج وأذهلت العالم بما تقدمه ، أقول يجب دعوة هذه العقول للعودة إلى مصر - ولو لفترة – ليضيفوا خبرتهم على الحماس المتدفق من الثوار ، فتخرج لنا مصر من كنوزها ما كان مخبوءاً أو مسروقاً ، يرسم هؤلاء مشروعاً وطنياً لمصر يكون عماد نهضتها في المستقبل القريب ، يلتف حوله الجميع وتصب كل الخبرات في سبيل تحقيقه .

4-    إن ظاهرة مخيفة بدأت تظهر في خطاب بعض الشباب هذه الأيام ، هي ظاهرة التعالي على الرأي الآخر والتشبث برأيهم وحدهم ، واعتبار أنهم – وحدهم – أصحاب الثورة ، وعدم الإنصات لصوت الحكمة عند الشيوخ ، هذه الظاهرة – إن استشرت – ستكون وبالاً على الثورة وستفتح المجال للفوضى التي ستأكل في طريقها الأخضر واليابس ، إنني أخشى على مصر من التهور والاندفاع والتعصب للرأي قدر خشيتي عليها من الفساد السابق ، وأتمنى من كل قلبي أن أكون مخطئاً .

 هذه بعض تأملاتي ، كتبتها بخفقات قلب يحب وطنه ، ويخشى عليه ، ويأمل في رؤيته في طليعة الشعوب ، ونحن – أبناء مصر - قادرون على رسم هذا المستقبل المشرق بإرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف ، ووفاء ثابت لا يعدو عليه تلون ولا غدر ، وتضحية عظيمة لا يحول دونها طمع ولا بخل ، وإيمان بالمبدأ وثقة به وتقدير له يعصم من الزلل عنه والمساومة عليه والخديعة بغيره .