علم الإنسان ما لم يعلم

سوزي حمود

لا احد يستطيع أن ينكر دور العلم في بناء أي حضارة انسانية على مر التاريخ ولذلك فان الله تعالى لما خلق آدم عليه السلام لم يعطه المال أو القوة وانما اعطاه العلم فقال تعالى ( وعلم آدم الأسماء كلها) فجعل سلاحه في استخلاف الارض التي من اجلها خلق.

 فالوظيفة الاساسية للانسان في هذه الدنيا استخلاف الارض وعمارتها وفقا للمنهج الالهي الذي قررته الكتب السماوية بالوحي المنزل على الانبياء وهذا لايتاتى الا بالعلم.

الا ترى ان الله تعالى ميز المتعلمين على غيرهم فقال( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات) وقال ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون) ولو تفكرنا في الامم السابقة ومابنوا من بنايات وماشادوه من حضارات سنجد ان العلم هو السلاح الذي استخدموه لتطويع السنن الكونية لبناء الحضارة وتشييدها ومانراه اليوم من حضارة هائلة وتكنولوجيا متقدمة في كل المجالات الطبية والهندسية والالكترونية وغيرها من المجالات سنجد ان العلم هو الاساس في هذا التطور الحضاري والباعث الوحيد له، ومن ملك زمام العلم ملك زمام وقيادة الامم فبالعلم تبنى الامم وتتطور المجتمعات ويرتفع قدر الافراد.

 والعلم ليس مقصورا على شيء معين بل مجالاته مفتوحة ومتسعة وكل علم يؤدي الى عمارة الارض واستخلافها علم يرضي الله تعالى اذا توفرت له النية الصادقة والمخلصة فلافرق بين علم وعلم ولا مجال ومجال لانها في الاخر تحقق الغرض الاساسي الذي هو استخلاف الارض وفقا لمنهجه تبارك وتعالى.

 انك لو تاملت قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً) ستجد في ذلك إشارة إلى الهيئة و الفلك و ارتباط السماء بالأرض ثم يكمل تعالى الاية فيقول: (فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا) وفي ذلك الإشارة إلى علم النبات و غرائبه و عجائبه و كيميائه , (وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ) وفي ذلك الإشارة إلى علم الجيولوجيا و طبقات الأرض وادوارها وأطوارها , (وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ) وفيها الإشارة إلى علم البيولوجيا و الحيوان بأقسامه من إنسان وحشرات وبهائم فهل ترى هذه الآية غادرت شيئا من علوم الكون ؟

 ثم يردف ذلك كله بقوله تعالى : (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) فجمع الله علوما شتى ومختلفة في اية واحدة ليلفت انظار المسلمين اولا اليها ثم انظار البشرية فتعمر هذا الكون وتلتفت لخيراته وماركبه الله تعالى فيه .

ويختم بأن الخشية لن تتاتى الا بالعلم والتفكر في مخلوقاته وكم من العلماء آمنوا ودخلوا في هذا الدين بعد اكتشافات علمية عرفوا بها قدرة الله تعالى الخالق العليم الخبير فعلينا بالعلم اذا اردنا ان نواكب ركب الحضارات ويكون لنا بين الامم هيبة وعزة فالعلم هو الاساس وهو السلاح الذي به نستطيع ان نملك زمام الامور.

من هنا تأتي أهمية التعليم بشتى أنواعه الإيجابية وضرورة الأخذ بنواصي العلم والمعرفة ،فمن الوسائل :الأسرة ، المدرسة ،المحيط الاجتماعي ،الحاسوب ،الانترنت ،المذياع ،الشاشة الصغيرة ووسائل الاتصال عموما ...إلخ. ومن النتائج :الرفاه الفردي ،الأسري ،الاجتماعي، الاقتصادي والمبتكرات والمخترعات في الحياة المختلفة. لهذه الوسائل والنتائج أصبح من المهم بمكان وأصبح لزاما علينا نحن شباب ذوي القربى أن نسترد ماضي الأجداد العظماء المخلصين لذاك التراث الديني بشهادة الغير وأن نضمن التلاقي الحضاري بين الماضي الأصيل والحاضر الدليل من أجل المستقبل الجميل.

فالعلم نواة والنواة جذر والجذور تنساب في الأرض لتشكل جذعا والجذع يرتفع في السماء ويورق فيصبح ظلا وارفا يستظل به الجميع ويأمن به عواصف الدهر العاتية. والعلم كما جاء في الأثر"نور ونور الله لا يؤتي لعاص". والعلم شعلة خالجة لا تنطفئ . والعلم جذوة تشعلها النخبة المتعلمة لتضيء الآخرين . والعلم منارة تستهدي بها الأجيال والأجيال المتعاقبة .فبالعلم والمعرفة يمكنك أن تري العالم من حولك بعيون مستبصرة .

وبالعلم يمكنك الاستفادة من الوقت والحياة .وبالعلم وحده بناء الفرد والمجتمع. وبالعلم تصنع الحياة الراقية في الملبس والصحة والمحيط والبيئة ، وبه تتغير مظاهر الأشياء نحو الأفضل والأجمل . وبالعلم يزدان الإنسان ليكون أهلا لخلافة الله علي الأرض ،ومن أهم أسباب أخذه عن طريق التمدرس ،ويؤخذ من أفواه الرجال ،ويستنبط من بطون الكتب ورفوف المكتبات ووسائل الإعلام وغيرها كثير .

فالأمية داء ولكل داء دواء ،والدواء هو الأخذ بالعلم والمعرفة .والأمية أنواع وصنوف تتهدد العالم بأسره فهناك الأمية :أمية القراءة وأمية الكتابة ، وهناك الأمية الدينية : حيث يسود العالم الآن الغلو والتطرف ، وهناك الأمية الثقافية : حيث تغلب الأنانية علي المثقفين دون العمل لمجتمعاتهم ، وهناك الأمية المدنية : حيث يعم الجهل بالحقوق والواجبات ، وهناك الأمية الاقتصادية : حيث تنتشر أحزمة الفقر والتخلف ، وهناك الأمية الحضارية : حيث العولمة وما لها من سلبيات ،فيأخذ الكثير بمساوئها وقشورها بدل الإستفادة من إجابياتها والتركيز علي لبها ألا وهو : ضرورة التعلم والتمدرس والتخطيط والتنظيم والبرمجة والبحث العلمي والتقني المتاح بالوسائل المتقدمة والحديثة . فبالعلم والمعرفة يتجاوز الإنسان كل المعوقات والتحديات فيسخر بإذن الله تعالي ما في الذهن وما في اليد لتطويع وتذليل كل الصعوبات التي تعترض طريقه من أجل بناء حياة أفضل في محيط أجمل لخلق مجتمع متحضريقوم علي الرقي والرفاه.