ميدان التحرير (المدينة الفاضلة)

ميدان التحرير

(المدينة الفاضلة)

د. بدر عبد الحميد هميسه

[email protected]

المدينة الفاضلة كما تم التعارف عليها هي أحد أحلام الفيلسوف المشهور " أفلاطون " وهي مدينة تمنى أن يحكمها الفلاسفة .. وذلك ظناً منه أنهم لحكمتهم سوف يجعلون كل شئ في هذه المدينة معيارياً ، وبناءاً عليه ستكون فاضلة.

ولكنها عندنا نحن المسلمون كل بلد يحكمها شرع الله عز وجل .. لأن الله هو الحكيم الخبير .. ولو حكمنا شرعه لسادت قيم العدل والرحمة .. وسادت جميع الأخلاق الفاضلة .. فسوف تكون فاضلة بحق لأنها تحيا في ظل شريعة الرحمن.

وأصدقكم القول في ميدان التحرير تحققت سمات وصفات هذه المدينة الفاضلة , ففي ميدان التحرير، كلنا مصريون، الغني والفقير، المسلم والمسيحي، اليميني واليساري، الجندي والمدني... الكل يتبارى ليقدم أفضل ما عنده، فهو يتفنن في كتابة الشعارات المبتكرة، فهذا يحمل على كتفه صندوقاً ثقيلاً من زجاجات المياه يدور به على الناس ليسقي العطشى طواعية، وآخر الأكياس والأوراق من الأرض, وثالث يربت على كتف زميله مشاركا ومواسياً , الكل يجمعهم مكان واحد كما جمعهم هدف واحد , تجد جميع أطياف الناس ؛ المتعلم وغيره , الطبيب والعالم والمهندس والمدرس والقاضي والحرفي , والطلاب من جميع الجامعات العامة والخاصة , وكذا النساء ؛ المنقبة والمحجبة وحتى المتبرجة , الكل مشغول بشعار الحرية والعدالة , والعجيب أنك تجد المسلم حينما يصلي تجد المسيحي يقف ليحرسه , والمسيحي حينما يقيم قداسه يقف المسلم ليحرسه , فروح الود والتآلف تسيطر على الجميع , فلا إكراه لأحد على فكر أو رأي , ولا إكراه لأحد على دين أو عقيدة , كما قال سبحانه : " لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ . سورة البقرة: 256.

وقال: " وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) سورة يونس .

وقال " وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ .. (29) سورة الكهف .

ولقد طبق المسلمون هذه المبادئ السامية في حياتهم , فأنصفوا الآخرين من أنفسهم أيما إنصاف .قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : "  إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (106) سورة النساء .

إن ما حدث في ميدان التحرير سوف يظل ملحمة يرويها جيل بعد جيل , ليدللوا بها على أن دولة الظلم ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة , وكما قال الله في كتابه الكريم : " فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17)  سورة الرعد .