"إسرائيل" وملامح التحولات الجديدة في البيئة الإقليمية
صحيفة الوطن العمانية
"إسرائيل"
وملامح التحولات الجديدة في البيئة الإقليمية
علي بدوان
ترك الحدث المصري المشتعل انعكاساته الهائلة داخل "إسرائيل"، فوضع كل قياداتها ومراكز صنع القرار فيها أمام واقع جديد، وتحديات جديدة، بعد أن كانت "إسرائيل" طوال العقود الثلاث الماضية تعتقد بأن السكون سيكون دوماً هو الأصل على الجبهة الجنوبية مع مصر العربية منذ توقيع معاهدة كامب ديفيد عام 1979.
فالإرباك الذي تعيشه "إسرائيل" وعلى كل مستوياتها هذه الأيام يبدو واضحاً، فهي تعتبر المشروع الأميركي للتسوية في المنطقة وفق المنظور الأميركي الإسرائيلي المشترك خصوصاً بالنسبة للقضية الفلسطينية، بدأ يتراجع، لا بل تنهال عليه الضربات مع هبوب عاصفة الانتفاضة المصرية التي قطعت خط اللارجعة مع استمرار حشود الشعب المصري في ميادين القاهرة والإسكندرية وباقي المدن والبلدات على امتداد الأرض المصرية.
ان انتفاضة مصر، دفعت بصناع القرار ومراكز الدراسات الأمنية والعسكرية والسياسية في "إسرائيل" لدق "ناقوس الخطر"، لأن ما تشهده مصر هذه الأيام من انتفاضة شعبية تطالب برحيل مبارك يهدد حسب تلك المصادر والمراكز "أمن واستقرار إسرائيل"، وأن ما ينتظرها ليس هيناً، بحيث لو نجح المصريون في الإطاحة بمبارك، فإن ذلك على الأرجح سيؤثر بشكل كامل على الوضع الإستراتيجي لـ "إسرائيل"، وهو ماحدا بالجنرال (شاؤول موفاز) رئيس أركان جيش الاحتلال، للقول بأن ما حدث في تونس ومصر يشكل إنذار استراتيجي لـ "إسرائيل"، متوقعا أن يكون عام 2011 نقطة تحول في عدة أماكن أخرى بالمنطقة، في ظل محاولات ما وصفه المحور الراديكالي الذي يضم سوريا وإيران وحزب الله وحركتي حماس والجهاد الإسلامي وباقي قوى المقاومة الفلسطينية، والتأثير على مجريات الأمور في مصر.
لقد أدت الانتفاضة الشعبية في مصر الى تعاظم المخاوف داخل "إسرائيل" حيث اعتبر البعض فيها ومن صناع القرار ان الانتفاضة المصرية هي أسوء كابوس استراتيجي يواجه "لإسرائيل" منذ ثلاثة عقود خلت، وقد تفتح الطريق أمام ما أسمته الصحافة "الإسرائيلية" ولادة (شرق أوسط جديد) معتبرة أن النتائج المترتبة عليها حال نجاحها ستكون وبالاً كبيراً على "إسرائيل" لجهة السياسة والاقتصاد ولجهة إعادة النظر ببناء "الجيش الإسرائيلي" في احتمال ممكن لنشوء جبهة جديدة في الجنوب، ستكون كما كانت أصلاً أكبر جبهات المواجهة "الإسرائيلية" مع العرب، وهو أمر سيلزم "إسرائيل" حسب الصحافة "الإسرائيلية" وحسب مصادر القرار "الإسرائيلي" على أعادة النظر في الإستراتيجية العسكرية وإعادة هيكلة قوات "الجيش الإسرائيلي".
ان المخاوف "الإسرائيلية" تتحدد أكثر فأكثر بالقلق على معاهدة كامب ديفيد الموقعة عام 1979، وصعود حزب الإخوان المسلمين في مصر ومعه القوى القومية والناصرية إضافة الى باقي التشكيلات السياسية المصرية التي تمتلك رؤية نقدية للدور المصري في المنطقة في ظل سياسة نظام الرئيس مبارك. فالبديل الديمقراطي الممكن حال غياب نظام الرئيس مبارك سيكون بالضرورة نظاماً وطنياً لايمكن له ان يقبل بتهميش دور مصر الى (عراب) في المنطقة، بل سيعود بمصر الى موقعها الطبيعي والأبوي، كحاضنة للحالة العربية على كافة مستوياتها.
وفي متابعتها للحدث المصري الذي هز العالم بأسره، وأذهل المراقبين، وسحر شعوب العالم إعجابا وتقديراً واحتراماً لحركة الشعب المصري بكافة فئاته ومواطنيه، كرّست وسائل الإعلام "الإسرائيلية" خلال الأيام الأخيرة جلّ تغطياتها لمتابعة تلك الانتفاضة المصرية وحراكاتها اليومية المتعاظمة، مبدية القلق والتوجّس من الحراك الشعبي المصري المتصاعد، بخاصّة لجهة تأثيره على صعود جماعة الإخوان المسلمين، وعلى مستقبل معاهدة كامب ديفيد الموقعة عام 1979، فشدّدت بعض تعليقاتها على ضرورة أن تلتفت القيادات "الإسرائيلية" الى النتائج المتوقعة جراء وقوع تحول جديد مفترض داخل مصر ونظامها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، معتبرة إياها هي التي ستحدِّد بشكل كبير اتجاه الشرق الأوسط الجديد في الفترة المقبلة ومعتبرة في الوقت نفسه أن "المعسكر المعتدل" في منطقة الشرق الأوسط، سيلقى ضربة قاسية حال وقوع أي تغير في مصر.
وفي هذا الصدد، فإن الصحافة "الإسرائيلية" وبعض كتابها المعروفين، وان ابدوا الإعجاب بشعب مصر وبانتفاضته التي سحرت العالم بأسره، وجذبت اهتمامه، إلا أنهم يشاركون مراكز صنع القرار في قلقها، حتى لو جاء الى القيادة الجديدة المرتقبة في مصر شخص شديد الاعتدال ومقرب من الغرب والولايات المتحدة كالدكتور محمد البرادعي، معتبرين إياه لا يملك دواءً ناجعاً لأمراض مصر المستعصية؟ ولا يعرف من أين يبدأ، ولا يعرف كيف يدير الجيش الذي سيقع ضمن مسؤولياته. بل وحدا الأمر بكاتب "إسرائيلي" للقول بأن بعض الرجال الذين على شاكلة البرادعي، ممن تقبل المعارضة رئاستهم، ولكنهم لا ينتمون إلى أي فريق منها؛ ليسوا قادرين على الصمود إلاّ بضعة أشهر، ففي حال تمّ تغيير النظام الحالي في مصر، فمن المرجّح ألاّ يحلّ الجيش محلّه على الفور أو جماعة الإخوان المسلمين، ولكن لأنهما المؤسّستان الأكثر تنظيماً في الساحة المصرية، سيقرِّر أحدهما في وقت لاحق أنّ البرادعي مكث أطول من اللازم في موقع السلطة، وأنه حان الوقت لتستولي القوّة الحقيقية على السلطة، مستشهداً بـ (إلكسندر كيرينسكي) إبان قيام الثورة البلشفية في روسيا، فثورة فبراير 1917 استطاعت خلع القيصر (الروسي) نيقولاي الثاني، ولكنها لم تعد نفسها لاستبداله بقائد مناسب، فاختارت إلكسندر كيرينسكي مدير مدرسة سابق وقانوني ومصلح اجتماعي معتدل وعضو مجلس الدوما (الشعب) "البرلمان الروسي"، والذي شغل منصب وزير العدل ثم شغل في وقت لاحق وزارة الحرب، فتمّ انتخابه رئيساً للوزراء في يوليو 1917، ودعَم استمرار مشاركة روسيا في الحرب ضد دول المحور، وأعلن روسيا جمهورية ديمقراطية وطالب بإجراء انتخابات حرّة، وهذا ما لم يقبله فلاديمير لينين ورفاقه، فقاموا بثورة أكتوبر البلشفية، وهو مادفع بـ (كيرينسكي) للهروب خارج روسيا.