القصد في الإنفاق والمعيشة

هايل عبد المولى طشطوش

[email protected]

 لقد كان من ابرز الجوانب التي عالجها الإسلام ووضع لها القواعد التفصيلية الدقيقة وشرع لها الأحكام الشاملة التامة هو الاقتصاد أي بمعنى آخر كل ما يتعلق بمعاش الإنسان في دنياه وأخرته ، ودلاله اهتمام الإسلام بالجوانب الحياتية والمعيشية –أي الاقتصادية – هو مقاصد الشريعة التي كان من ضمنها حفظ المال ولاشك أن هذا المقصد لا يتأتى إلا بعد المرور بقنوات عديدة واستعمال أدوات كثيرة ومتنوعة ، ولعل من ابرز هذه الأدوات والوسائل هو التدبير والاعتدال والتوسط والقصد في المعاش أي السير في إطار الوسطية والاعتدال ....، واما معنى كلمة (القصد) فهو : استقامة الطريق، ويقال: قصدت قصده، أي: نحوت نحوه، ومنه: الاقتصاد، والاقتصاد على ضربين: أحدهما محمود على الإطلاق، وذلك فيما له طرفان: إفراط وتفريط كالجود، فإنه بين الإسراف والبخل، وكالشجاعة فإنها بين التهور والجبن، ونحو ذلك، وعلى هذا قوله تعالى : (واقصد في مشيك) [لقمان/19] وإلى هذا النحو من الاقتصاد أشار قوله تعالى : {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما} الفرقان آية رقم 67 ويقول تعالى: (ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) [الأنعام/141]، (وأن المسرفين هم أصحاب النار) [غافر/ 43]، أي المتجاوزين الحد في أمورهم، فهذه دعوه وبيان للناس من خالق البشر عز وجل على التوسط والاعتدال في المعيشة والنفقة ، وأما توجيهات نبينا الكريم في هذا الإطار فهي كثيرة وعديدة فعن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من فقه الرجل قصده في معيشته " أي الحكيم واللبيب والفهيم هو من يقتصد ويتوسط في معيشته ، وكذلك عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" ما عال من اقتصد " وكذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أحسن القصد في الغنى وما أحسن القصد في الفقر وما أحسن القصد في العبادة " إن هذه النصوص تشكل قواعد هامة وأساسية وطريق معبده للناس ترشدهم وتهديهم إلى كيفية حل مشكلاتهم الاقتصادية وذلك من خلال مواجهه الموجة الاستهلاكية التي اجتاحت العالم في هذه الأيام حيث طغت النزعة الاستهلاكية على المجتمعات الإنسانية حتى أفقدتها قيمها ومبادئها ووصلت بها مرحلة الدمار والأزمات الاقتصادية التي ليس لها مخرج !! .

 وقد كان لسلفنا الصالح توجيهات عظيمة في هذا الإطار ساهمت في الحفاظ على مقدرات الأمة ومنحتها العيشة الكريمة في فترة من فترات حياتها حتى لم يبق فيها عازبا ولا عانسا ولا محتاجا للنفقة ولا مستحقا للزكاة... بل باتت خزائن بيت المال تفيض وتفيض حتى لم يعد لموجوداتها متسع يسعها وفي هذا الإطار يقول عمر بن الخطاب : كفى بالمرء سرفا ألا يشتهي شيئا إلا اشتراه فأكله . وفي سنن ابن ماجه عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن من السرف أن تأكل كل ما اشتهيت ) وقال أبو عبيدة : لم يزيدوا على المعروف ولم يبخلوا . كقوله تعالى : " ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط " [ الإسراء : 29 ] وقال آخر : إذا المرء أعطى نفسه كل ما اشتهت ولم ينهها تاقت إلى كل باطل وساقت إليه الإثم والعار بالذي دعته إليه من حلاوة عاجل ....وقال عمر لابنه عاصم : يا بني , كل في نصف بطنك ; ولا تطرح ثوبا حتى تستخلفه , ولا تكن من قوم يجعلون ما رزقهم الله في بطونهم وعلى ظهورهم . ويقول حاتم الطائي : إذا أنت قد أعطيت بطنك سؤله وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا ".

 والسؤال الهام أين نحن من هذه النصوص العظيمة وهذه الحكيمة الكريمة؟؟؟؟ حيث تشير الدراسات العلمية في بعض الدول الإسلامية إن حوالي 80% من الطعام الذي يرمى في الحاويات صالح للاستهلاك البشري وفي دول أخرى 30% من الطعام الملقى في القمامة صالح للاستهلاك البشري...!!! بينما يتضور ملايين البشر جوعا بل ويموتون من الجوع وكثير منهم يأكل من الحاويات ومكاب النفايات ، أين عدالة توزيع الدخول والثروات..؟؟ ، أين التخصيص الحقيقي للموارد ؟؟ ، أين الاستخدامات الصحيحة والموافقة للتفصيلات الاجتماعية؟؟ ، أين لتطبيق السليم للاولويات الثلاث في المعيشة : الضروريات ، الحاجيات التحسينيات ...؟؟؟.

لاشك أن الأمة اليوم مدعوة لتطبيق هذه الأسس العظيمة لتكون قدوة للأمم الأخرى وخاصة في ظل الموجات المتتالية من الأزمات الاقتصادية والتضخم الكبير والتغير السريع في المستوى العام للأسعار على مستوى العالم اجمع .