صفة الدولة الإسلامية (دولة الخلافة) 39
الحلقة التاسعة والثلاثون
سياسة التعليم
صفة الدولة الإسلامية (دولة الخلافة)،
مطلب المسلمين الأعظم
محمد سعيد التركي
إن التعليم مطلب لكل البشر، والعلم يتشكل ويتلون بشكل النظام الذي يخضع له هذا التعليم، والنظام يخضع عادة لفكر أو عقيدة الدول، فكل دولة من دول العالم اليوم تُخضع شعوبها للتعليم بنظام هي ترتضيه، مما يوافق العقيدة التي تحملها هذه الدولة أو تلك، وخاصة في العلوم المتعلقة بوجهة النظر في الحياة، كاللغة والدين أو فلسفة الحياة، وعلاقة كل هذه بالتربية الشخصية والفكرية للفرد والشعب والدولة، وعلاقة هذه العلوم كذلك بالنهضة التي تسعى لتحقيقها الدولة المرتبطة بتاريخها وحاضرها ومستقبلها، فترسم الدول للفرد فيها وللمجتمع ولقوانينها علاقاتهم الثلاث: علاقتهم بإلههم )أياً كان هذا الإله) وعلاقتهم بغيرهم من بني الإنسان (علاقات الأفراد ببعضهم، وعلاقات الشعب ببعضه، وعلاقات الشعب بدولته، وعلاقة الدولة بشعبها، وماهية الأنظمة التي تُطبق عليهم، السياسية والاقتصادية والاجتماعية)، وعلاقتهم بأنفسهم (فيما يتعلق بالتعامل مع المطعومات والملبوسات والأخلاق الفردية والاجتماعية والآداب العامة والخاصة)، فتتشكل هذه الشعوب وتنصهر بشكل هذه الأفكار والأحكام التي رسمتها لها دولها من خلال وجهة نظرها في الحياة .
هذا فيما يتعلق بتعليم العلوم المتعلقة بوجهة النظر في الحياة، أما العلوم الأخرى التجريبية، الطبيعية والزراعية والصناعية والتقنية وغيرها، فهي علوم غير مرتبطة بعقيدة أو فكر عن الحياة، فهذه تأخذ بها الدول والشعوب كافة، وتتشارك في تبادلها، والتعاون في تطويرها، وهي تعتبر إلى حد ما مَشَاع، لأنها فنون لا تتعلق بوجهة نظر معينة عن الحياة، إلا بعضاً منها، كفن النحت والتصوير أو فن الرقص وفن الأزياء، أو صناعة الأسلحة الفتاكة العمياء، أو فن العمارة، فقد تأخذ هذه أو تلك كيفية متعلقة بعقيدة معينة تحملها الدولة وتعلمها أبناءها وشعبها.
فلو نظرنا إلى التعليم الغربي الذي يحمل وجهة النظر الرأسمالية، (والذي حاولت وتحاول الدول الغربية الاستعمارية تحميله للدول التابعة لها من بلدان العالم الإسلامي (فإن التعليم المتعلق بوجهة النظر في الحياة الرأسمالية قائم على فصل الدين عن الحياة، أي على حرية الاعتقاد، أي على تهميش الدين كاملاً عن جعله مرجعاً لأفعال الإنسان وأقواله وعلاقاته،،، هذا الواقع يفتح باب باقي الحريات على مصراعيها وعلى رأسها الحرية الشخصية والحرية الملكية وحرية الرأي، فتنطلق هذه الحريات لأن تكون هي المسير لأفعال العباد، فتكون بالتالي علاقة الإنسان بخالقه أو علاقته بنفسه وكثير من العلاقات مع بني الإنسان تسير بحسب حرية الإنسان واختياره.
على هذه الكيفية من الحريات والعلاقات تقوم سياسة التربية والتعليم الرأسمالية، فيما يتعلق بالعلوم التي تحاكي وجهة النظر في الحياة، بخلاف العلوم الطبيعية والعلمية والفنون والعلوم الأدبية والتقنية والزراعية وغيرها.
أما الدولة الإسلامية (دولة الخلافة) فإنها تتبع منهجاً تعليمياً يخدم وجهة نظر الإسلام في الحياة، وهو الإيمان بأن الإنسان مخلوق لخالق وهو الله سبحانه وتعالى، والإيمان بأن القرآن العربي اللغة منزلٌ من عند الله، وأن محمداً العربي رسول الله، وأن شريعة الله فوق كل الشرائع، وأن غير الإسلام لن يقبل من الإنسان العبد في كل علاقاته الثلاث) مع الله ومع غيره من بني الإنسان ومع نفسه(، وأن المسلمين مكلفين بحمل دعوة الإسلام إلى كل البشر، في كل الأزمان والأماكن، وأن المسلمين يد واحدة على من عاداهم، وأن دم المسلم وماله وعرضه على المسلم حرام، وأن المؤمنين أخوة.
على هذه الأسس العقائدية في الإسلام تقوم كل أحكام الأنظمة السياسية، الداخلية والخارجية، وأحكام الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية والتربوية المستنبطة من القرآن والسنة المطهرة. أما فيما يتعلق بالعلوم التجريبية والعلمية المتعلقة بالنهضة الصناعية والزراعية والتجارية والتقنية وغيرها فنتحدث عنها لاحقاً.
وعلى هذه الأسس كذلك يقوم نظام التعليم في الدولة الإسلامية من ناحية بناء الشخصية الإسلامية في أبنائها وأفراد مجتمعها (كما بينا في الحلقات السابقة)، وعلى أساسها تتوجه كافة الطرق والوسائل والأساليب التربوية والتعليمية، في مدارسها وجامعاتها ودور العلم فيها.
اللغة العربية هي اللغة التي ستعود بها النهضة الإسلامية إن شاء الله، فاللغة العربية هي روح نهضة الإسلام والمسلمين، وألفاظ القرآن ومدلولات ألفاظه، ومعانيها ومجازاتها، وآداب اللغة والبلاغة فيه عربية، فنصوص القرآن عربية ونصوص الحديث الشريف،، إذن فإن اللغة العربية والأدب والشعر والقرآن والتفسير والحديث والفقه، دراستهم دراسة عميقة مستنيرة شيء أساسي في التعليم والتربية الإسلامية في دولة الإسلام.
أما في الجانب الغير عقائدي، أي في العلوم التجريبية وغيرها من علوم الزراعة والصناعة والطب والعمارة والاقتصاد والإدارة والسياسة والتجارة والتقنية وغيرهم من العلوم المدنية والعسكرية، فإن الدولة تقوم ببناء أفرادها وأمتها بناء علمياً مكثفاً، وتوظف كل طاقات الأمة الإسلامية برجالها وأموالها وثرواتها وبلدانها الواسعة في شؤون تعليم هذه العلوم، وكذلك تقوم الدولة بتوظيف العلماء للقيام بالنهضة في جميع الاتجاهات، حتى يتحقق أمر الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم في الأمة، في قوتها وعزتها ومنعتها، ولتسود الأمم الأخرى، فتنشر العدل والرحمة في العالم، وتضع الموازين القسط، لتحل محل القيادة العالمية الإجرامية القائمة اليوم منذ أكثر من قرنين من الزمان.
وهناك من الأساليب التي تحقق أهداف التربية والتعليم المنهجي، المنضبطة بالأنظمة والقوانين، تقوم الدولة الإسلامية (دولة الخلافة) باستخدامها لتنفيذ الأحكام الإسلامية والعلوم التجريبية في التربية والتعليم المنهجي، حيث أنها ليست مقيدة شرعاً بتنفيذ نهضتها بأساليب محددة، وكذلك بالنسبة للوسائل حيث أن لها أن تتخذ من الوسائل ( كمبيوتر، اتصالات وغيره) ما يضمن لها تحقيق هذا التعليم المنهجي.
ويجب أن لا نغفل بأن نظام التعليم وسياسته، وغيره من أنظمة الدولة، تسير جنباً إلى جنب مع الأنظمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والسياسة الخارجية والسياسة التجارية والإدارية الأخرى، وهي تعمل كلها كمنظومة واحدة تخدم أهدافاً محددة، وغاية واحدة (نوال رضوان الله)، أي لا يمكن لأحد من المنافقين أو الحكام الحاليين أن يطبق نظام التعليم الإسلامي أو يدعي ذلك، لأن ذلك كغيره من الأنظمة غير قابل للتطبيق وحده دون باقي أنظمة الدولة الإسلامية .
قال الله تعالى في سورة النساء 136
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيدًا
وقال الله تعالى في سورة القصص 77
وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ
ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم
ويل لأمة تأكل مما لا تزرع، وتلبس مما لا تصنع، وتشرب مما لا تعصر.