صحابيات أديبات

رضي الله عنهن

د.أبو اليسر رشيد كهوس/المغرب

كان للمرأة المسلمة في عهد النبوة والخلافة الراشدة حضور قوي ومشاركة فعالة في المجتمع الإسلامي؛ فكانَتْ تتعلم وتُعَلِّم، ويقصدها طلاب العلم للأخذ عنها، وتُفْتِي في قضايا شائكة، وتُستشار في الأمور العامَّة، وتخرج على يديها علماء وفقهاء... وكانت حجرات عدد من أمَّهات المؤمنين رضي الله عنهن منارات للإشعاع العلميّ والأدبي...

ولم تقتصر براعة المرأة في هذا المجال فقط، بل تجاوزته إلى مجال الأدب والشعر، وفاق بعض النسوة الرجال؛ مثل أم الشهداء تماضر بنت عمرو رضي الله عنها الملقبة بالخنساء، التي أجمع علماء الشعر أنه لم تكن امرأة أشعر منها، وشعرها كله في رثاء أخويها معاوية وصخر اشتهر رثاؤها في أخويها وعظم مصابها. وأنشدت الخنساء في سوق عكاظ بين يدي النابغة الذبياني وحسان بن ثابت فقال لها النابغة: "اذهبي فأنت أشعر من كل ذات ثديين. ولولا أن هذا الأعمى (يعني الأعشى) أنشدني قبلك لفضلتك على شعراء هذا الموسم". وكان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يستنشدها ويعجبه شعرها، وكانت تنشده وهو يقول: (هيه يا خُناس) ويومىء بيده.

وامتازت آمنة بنت وهب بن عبد المناف رضي الله عنها أم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذكاء وحسن البيان قالت على فراش موتها تخاطب ابنها الصغير سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:

بارك فيك الله من غلام *** يا ابن الذي في حومة الحمام

نجا بعون الملك العلام *** فودي غداة الضرب بالسهام

بمئة من إبل سوام *** إن صح ما أبصرت في المنام

فأنت مبعوث إلى الأنام *** تبعث في الحل وفي الحرام

تبعث بالتوحيد والإسلام *** دين أبيك البر إبراهام

فالله ينهاك عن الأصنام *** أن لا تواليها مع الأقوام

وقالت عند موت زوجها عبد الله بن عبد المطلب:

عفا جانب البطحاء من زين هاشم *** وجاور لحدا خارجا في الغماغم

دعته المنايا دعوة فأجابها *** وما تركت في الناس مثل ابن هاشم

عشية راحوا يحملون سريره *** تعاوره أصحابه في التزاحم

فإن يك غالته المنون وريبها *** فقد كان معطاء كثير التراحم

وكانت أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، من الفصيحات البليغات العالمات بالأنساب والأشعار، وكان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منها إلى بعض ما ترويه من الشعر.

أما صفية بنت عبد المطلب القرشية رضي الله عنها عمّة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت أديبة واعظه فاضلة وشاعرة متقدمة عند جميع العرب بالقول والفعل والشرف، وكانت تقول:

إذا ما خلت من أرض كد أحبتي *** فلا سال واديها ولا أخضر عودها

وقد رثت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت:

ألا يا رسول الله كنت رجاءنا *** وكنت بنا برا ولم تك جافيا

وكنت رحيما هاديا معلما *** لبيك عليك اليوم من كان باكيا

لعمرك ما أبكي النبي لفقده *** ولكن لما أخشى من الهرج آتيا

كأن على قلبي لذكر محمد  *** وما خفت من بعد النبي المكاويا

أفاطم صلى الله أمي وخالتي *** وعمي وآبائي ونفسي ومالي

فلو أن رب الناس أبقى نبينا  *** سعدنا ولكن أمره كان ماضيا

هذا إضافة إلى الصحابيات  الشاعرات الأخريات رضي الله عنهن: أروى بنت عبد المطلب، وأمامة المريدية، ورُقيقة بنت صيفي، وزينب بنت العوام، سعدى العبشمية خالة عثمان بن عفان أمير المؤمنين، الشيماء بنت الحارث، عاتكة بنت زيد، قتيلة بنت النضر، نعم بنت حسان، وكبشة بنت معدي كرب الزبيدي (أورد لها أبو تمام في الحماسة)، وهند بنت أثاثة، وكبشة بنت رافع الأنصارية.

أما عن سبب تأخر المرأة المعاصرة في ولوج باب الأدب؛ فذلك راجع لارتفاع نسبة الأمية بين النساء في مجتمعنا العربي والإسلامي لدرجة أن ثلثي عدد الأميين من النساء.. وهذا لا يعني أنه لا يوجد نساء أديبات بل ظهرت في الآونة الأخيرة أقلام نسائية مميزة في شتى مجالات الأدب.