هالوين

ناديا مظفر سلطان

يطل هالوين على البلاد الغربية عيدا  في أواخر أكتوبر من كل عام . فتحتفل به البلاد، ويرتدي له الناس الملابس الغريبة والأقنعة المرعبة ، وتزدان المحلات التجارية بأنواع الألعاب والحلوى.  حيث تحقق بهذه المناسبة نشاطا تجاريا ومكاسب مالية كبيرة .

وتعود جذور هذا العيد إلى إيرلندة وتقول الأسطورة ، أن الأرواح الشريرة تعود في هذه الليلة من البرزخ إلى الأرض فتسود وتموج حتى الصباح ويتنكر الجميع من كبار وصغار كي لا تعرفهم الأرواح الشريرة .

 وينتقل الأطفال من بيت لآخر وبحوزتهم أكياس لتملأ بالشوكولا والحلوى، في طقس يعرف باسم( خدعة أو حلوى) ومن لا يعطي الأولاد المتنكرين حلوى تغضب منه هذه الأرواح .

ويعيش الناس منذ منتصف أكتوبر وقبيل العيد بأسابيع مع مظاهر العيد  الاحتفالية ، فلا يخلو دكان من الجماجم والأيدي والرؤوس المقطوعة والعيون المفقوءة  والعناكب الزاحفة والحيوانات المفزعة .

كما تتضافر جميعقنوات التلفزة لبث أفلم الرعب عن الشياطين ومصاصي الدماء والموتى المبتعثين من القبور والقتلة المتوحشين والمجانين والمهووسين وأكلة اللحوم البشرية في غاية لبث أقصى درجات الخوف بين المشاهدين.

والخوف شعور طبيعي ، خلقه الله سبحانه في الإنسان  وله وظيفته وأهميته ، وله قانونه . وإذا وافقه الإنسان كتبت له السعادة ، وإن رفضه أجبره هذا القانون على السير فيه . وعند ذلك يفقد الإنسان سعادته التي يسعى إليها . ولذلك تعمد بعض القصص والأساطير إلى اتجاه منحى مرعب ك غاية لتوظيف هذه الغريزة.

والخوف ليس شعورا سلبيا وإنما أوجده الله لحكمة  وغاية حسنة وهو يحدث نوعا من التوازن بين المشاعر داخل الإنسان كما أنه يحفظ بقاء الإنسان ، فالطفل الوليد يخشى الأصوات العالية ، ويبكي خوفا إن وقع أرضا.

وقد أكد العلماء أن المنطقة الأمامية  من قشرة الدماغ هي المسئولة والمتصلة بالشعور بالخوفوهي كذلك المسئولة عن الإبداع والقيادة والتوجه والخطأ والكذب وتنشيط هذه المنطقة يقلل الخوف عند الإنسان

 ومن المؤكد أن هذه المنطقة تنشط كثيرا أثناء السجود وفي القرآن "بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولاهم يحزنون "

والخوف في اللغة يرد بعدة معان فهو يعني الفزع ... أو المعرفة وفي سورة النساء"وإنامرأة خافتمن بعلها نشوزا أو اعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما"

ومعنى الخوف هنا هوالعلم بالشيء، وأجهزة الإعلام اليوم والمسئولة عن العلم والمعرفة قد تحولت إلى آلة لنشر الرعب بين الأنام وغسيل الدماغ بشتى الأساليب.

ومختلف الأنباء التي تبثها تتراوح بين أكاذيب ملفقة أو أخبار نصف حقيقية وعن هذا فإنالشاعر الإنكليزي ألفرد تينيسون يقول( إن الكذبة التي تكون نصف حقيقية هي أكثر أنواع الكذب اسودادا)

ومنذ سنوات ابتدأت أجهزة الإعلام تدق طبول الذعر من أجل جنون البقر، ثم الحمى القلاعية، ثم الجمرة الخبيثة ،ثم السارز، ثم أنفلونزا الطيور، ثم أنفلونزا الخنازير، وتتزايد هذه الأخبار طردا مع تأزم الأوضاع السياسية والاقتصادية  والاجتماعية  لصرف  أنظار الناس عن بؤرة الأحداث لتشتيت الانتباه بقنبلة دخانية تزرع الخوف ولو إلى حين

وقنبلة أنفلونزا الخنازير مثلا أنفقت لأجلها  دول العالم مليارات الدولارات على إجراءات الأمن وعلى شراء اللقاح (تاميفلو)  والذي تبين أن وزير الدفاع الأمريكي السابق رامسفيلد عضو في مجلس إدارة المختبر الذي طوره في كاليفورنيا

الخوف أيضا أصبح مصدر رزق عظيم بعد الحادي عشر من سبتمبر إذ قام الكثير من الضباط المتقاعدين بتأسيس شركات أمنية بغاية تأمين الحماية والأمن للمطارات والهيئات الحكومية وغير الحكومية . ثم اتسع نطاق عمل هذه الشركات لتصل إلى حد المشاركة في الحروب وعمليات القتل بدم بارد، حتى وصلت إلى بعد تجاري هائل يصل إلى عشرات المليارات من الدولارات.

واليوم أصبح موظفو قوات الأمن الرسمية موظفين لدى هذه الشركات  ذات اليد الطولى في السيطرة على أجهزة الأمن في العالم وإدارتها بنفس الطريقة لتي يديرون بها الأمور في أفغانستان وفي العراق.

والعراق اليوم يعيش هالوين حقيقي ابتدأت حلقاته المشوقة منذ أن نحر صدام حسين  صبيحة الأضحى من عام 2006(الموافق هذا اليوم من السنة الهجرية)وتتسابق أجهزة الإعلام في عرض الجثث المشوهة والأعضاء والأشلاء الممزقة في عرض حي يقبض ثمنه الجميع (المنتج والمخرج ودور العرض )

 وقتل المصلين الأبرياء في كنيسة النجاة هو حلقة من هذا المسلسل وماتبعه من قتل وحشي لجماعات الشيعة وما سبقه من محاولات لإبادة جماعات السنة وتبني القاعدة لهذا العمل يذكرني إلى مدى بعيد بالصدفة المحضة ل بزوغ بن لادن على أجهزة التلفزيون مهددا الغرب بهجمات إرهابية قبيل تجديد البيعة ل جورج بوش برئاسة جديدة بأيام قليلة.وكان هذا التهديد(الغير متوقع، سبحان الله )  حافزا لأمريكا كي تلقي بنفسها بأحضان المنقذ المخلص( سانت جورج)

و(هالوين) الذي أنتجته هوليوود بلغ قمة الإيرادات الأمريكية في أسبوعه الأول جامعا 26.5 مليون دولار والله وحده يعلم العوائد المالية التي يجنيها المستفيدون الحقيقيون من هالوين الحقيقيفي لعبة تجارة الخوف العالمية.