مدير... مع مرتبة "الشرف"

مدير... مع مرتبة "الشرف"*

هنادي الشيخ نجيب

[email protected]

دخل (نبيل) غرفة الاجتماعات متسائلاً عن سبب استدعائه على وجه السرعة، لكنّه فوجىء بوجود زملائه أيضاً، وعددٍ من رؤسائه في العمل... توجَّس (نبيل) خيفة من هذا المجلسِ المريب وزادت هواجسه، فما الذي يدعو إلى التئام هذا الجمع المتفاوت من الموظفين والمسؤولين إلا أمرٌ بالغُ الخطورة؟!!

وما هي إلا دقائق، حتى دخل المديرُ التنفيذي، فجلس على مقعده ليكتمل به النِّصَاب... بدأ حديثه حول أهمية اكتشاف الطاقات الجديدة وإتاحة الفرص للجادّ منها لتدريبها وإكسابها المهارات اللازمة لتطوير العمل، مؤكّداً على ضرورة تكامل المتعاقبين على المسؤولية الواحدة، لافتاً إلى محورية الأخلاق في التعامل الوظيفي، خاصة خُلُقي الصدق والأمانة...

لم تكن مقدّمةً طويلة، فسرعان ما انتقل إلى الجولة الثانية، وأعطى الإشارة لعامل المكتب ليوزّع أكياساً صغيرةً على المجتمعين، في الوقت الذي بدأ يشرح فيه التحدي الذي يمرُّ على الشركة باختيار مديرٍ جديدٍ لها من بين الحاضرين، شرط أن يجتازوا امتحان "البذرة النامية"!!

ساد التعجّب الممزوج بنظراتٍ خاطفةٍ للأكياس الموضوعةِِ أمام المجتمعين... ثمّ انقطع بتعميم المدير التنفيذي الذي بادر قائلاً:

«الفائز بمنصب المدير هو الشخص الذي سيأتي بالبذرة الموجودة في كيسه بعد ثلاثة أشهر نبتةً سليمة زاهية وارفة».

انفضَّ الاجتماع وخرج الجميع متفائلين ومستبشرين لبساطة هذا الامتحان؛ فمن ذا الذي يقصّر في هذه المهمّة الخفيفة اللطيفة!!

مرّت ثلاثة أشهر، وجاء يوم الحسم... حضر المكلّفون إلى موعد الاجتماع يتباهون كلٌّ برشاقة نبتته وبهجتها، لكنَّ (نبيل) كان يحمل الخيبة بين يديه، فقد حاول جهده في رعايةِ نبتته، لكنها لم تطلّ برأسها أبداً... ماتت قبل أن تفرحه بزهرتها، ولم يعلم ما السّبب!!

جلسوا والخضرة تخفي وجوه أكثرهم، بينما كان الخجل يكسو وجه نبيل ونظرات الشفقة تحاصره وتخنقه...

دخل المدير التنفيذي متفقّداً الممتحنين ومرحّباً بالموظفين ونباتاتهم الممشوقة...

وفي الوقتِ الذي تطاولت فيه أعناقُ "الحالمين الواثقين" لسماعِ خبرِ التعيين، توجّه المدير التنفيذي بخطواتٍ واثقةٍ ليقفَ خلفَ كرسي (نبيل) مربِّتاً على كتفه، مشيداً بنزاهته واستقامته ـ بالرغم من موتِ بذرته ـ مطالباً الجميع بتهنئته، لأنه الفائز الوحيد في هذا الامتحان البسيط!!..

في حقيقةِ الأمر، لم يكن تحدي هذه البذرة المتصلبة بالمهمة السهلة، فقد كانت كلّ البذور الموجودة في الأكياس غير صالحةٍ للإنبات!!

شبابنا الأعزاء، القصة لا تحتاج إلى كثير تحليل، فالعبرةُ منها واضحة جليّة...

نعم، إن أسوأ الناس من غشّ نفسه، وإن ظنّ أن (شطارته) قد مرّت على من حوله!

إنها أخلاقيات النجاةِ والمكرمة على كل حال، ومهما كانت النتائج.. فلنراجع أنفسنا، وعلى كل المستويات:

النيّات، والأقوال، والأعمال، والمسؤوليات،... في الخلوات... في المسرّات... وفي المشكلات...

واعلموا شبابنا، أنّ الواحد منكم إن كان معدنه ذهباً خالصاً فلن يضرَّه إن قال عنه الناس جميعاً بأنه زبر الحديد... والعكس صحيح...

                

*من سلسلة "إشراقة غدي" – مجلة غدي الشبابية - لبنان