الشياطين مصابون بالاكتئاب

د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري

[email protected]

[email protected]

سكوووووت ....وهدووووء , يعم أرجاء المكان , الحركة مقطوعة تماما , والألسن يبست وجفت وعجزت عن الكلام , إلا بصوت ضعيف ومتقطع , وحشرجة تدل على أن صاحبه يعيش في لحظاته الأخيرة قبل الموت , أو أن الحمى قد انتشرت في جسده وارتفعت حرارته بحيث أدت فيه إلى الحالة التعيسة تلك

يريد أن يشرب ليروي لسانه , أو يريد من يساعده ويسعفه , ينظر حوله يرى زوجته وأولاده وحالهم لم تكن أقل سوء من حالته التعيسة تلك

ولا يوجد في البيت إلا الأنين , إنه أنين الشياطين التي تسكن ذلك المكان مع العشيرة كلها

لقد أصيبت العشيرة كلها بمرض لا شفاء منه

إنه مرض الاكتئاب , صحيح أن المرض ليس صعباً لهذه الدرجة , ولكن عندما يصبح مزمنا , يشتد خطره ويعم على الجسد ليصبح الجسد كله يتألم , مع انه لا توجد عوارض طبية أو فيزولوجية تدل على وجود مرض ما , يمكن تشخيص المرض , فهو مرض ناتج ربما عن إحباط داخلي , أو فشل في مهماته , أو أنه لم يصل ولن يصل لهدفه

ولكن تلك الشياطين تعرف سبب مرضها

وعلاجه ليس سهلاً , وخصوصا في هذه البقعة المعروفة عندنا ونحن منها

تقول الشيطانة لزوجها , يا زوجي الحبيب

لقد ضقنا زرعا بهذه الحياة , وضاقت علينا أنفسنا , ووهن عظمنا , وانقطع رزقنا , ولم نجد ولن نجد من يخرجنا من حالتنا المزرية تلك , والتي مضى عليها عقود طويلة , فالإنس هنا لم يعودوا بحاجة لنا , فهل تبحث لنا عن مكان , ندير شؤوننا ونعود لسابق عهدنا وقوتنا ونشاطنا

فقال لها يا حبيبتي , من الصعب الخروج من الحالة التي نحن فيها , فقد انتهت مسالكنا وسدت ووصلنا لطريق مسدود , وقد تكون الأيام القادمة هي نهايتنا

لقد انتهت مهمتنا وسبب وجودنا الذي وجدنا من أجله , لقد طغى الإنسان علينا , وكان من المفروض وواجبنا تعليمه , ولكننا أصبحنا بحاجة لنتعلم منه . فلم يبق لنا سبباً للحياة أو البقاء , ولا أجد  أمامنا إلا أن نجتمع في مكان واحد , ونحرق أنفسنا لنموت موتاً جماعياً

لقد أخطأنا كثيراً , ووثقنا فيهم , ولكنهم تفوقوا علينا وأضاعونا في إنسانيتهم التي يسمونها

فهاهي رؤؤسهم الإنسانية , تخطط لوحدها , فالله تعالى يقول الشيطان يعدكم الفقر , ولكن إنسانيتهم لم تعدهم الفقر فقط وإنما أفقرتهم بالكامل ,وأفسدوا بطرق لم تخطر على بال كبير الأبالسة , ونهبوا أبناء جنسهم , وقتلوا الخيرين منهم , وشردوا كل صوت ينادي بضد الأبالسة , أو سجنوه وعذبوه حتى مات , وفرطوا في كل ما يمت إلى الإنسانية , مع هذا كله يلعنون الشيطان

وأي شيطان يستطيع أن يصل لمنزلتهم تلك , كانت مهمتنا تنحصر في أن نزين السوء , بينما هم يفعلون السوء ويقولون:

لن تجد الأرض خيراً منا , وعلى صدوركم باقون وما أنتم إلا خدم لنا صاغرين , تحيط بكم لعنتنا أو عطاؤنا , ولعنتنا أقرب إليكم من حبل الوريد , أما عطاؤنا أو خيرنا فهو أبعد عنكم وستحلمون فيه ولن يصلكم منه إلا, قد تكون قطعة خرجت بدون علمنا , أو سقطت سهواً فتم التقاطها , وهذه الأرض لنا وأنتم ليس لكم سوى فتات يقيكم الموت حتى تتمون ما نريده منكم لعزنا

الأخ يغدر بأخيه , والأم تغدر بابنها , والولد يقتل أباه ,والنصب والفساد والسرقة والقتل , والفقر والجهل , واختلاف القلوب وتغيير الشكل الذي خلق عليها البشر , والتعذيب وقطع الشجر , وبيع الأرض ويقولون هذه هي رجولتنا فحيوها , وشجاعتنا فقلدوها , واهتفوا لها بكل حناجركم ويفعلون.

والمغيظ أكتر في الأمر , أنهم يفعلون بتصميم وإرادة وسابق إصرار , ويرسمون خططا ويبتكرون وسائل للفتن والقتل والاحتيال والفجور

وأعتقد لو كان الشيطان الأكبر يعلم الغيب لكان سجد لآدم وما عصى ربه , لعلمه مسبقا , أن ذرية آدم ستكون المتبوعة من قبل الشياطين وليس العكس

فما على الشياطين الآن إلا أن تصبر على حياتها هذه, وتكتفي بالأنين والمرض والاكتئاب والعذاب والمراقبة من بعيد

لعل الشعب يصحو وينقلب على شياطينهم , وعندها أكيد سوف نجد أمامنا عملاً كبيراً وخير الشياطين سوف يكثر , لأننا سوف نجد من نوسوس له السوء , ليعدل عن صلاحه

أما الآن فلا يمكن لنا أن نخرج من حالة الكساد التي نحن فيها , والبطلة القاتلة التي نعيشها بتأميم الإنسان لكل مصانعنا , وتفوقه علينا واستلام القيادة منا

وهذا هو سبب الاكتئاب الذي نعيشه , في أننا نعيش في بطالة قاتلة منذ عدة عقود.