عائد من بلاد القفقاس
يحيى بشير حاج يحيى
هو واحد من أبناء القفقاس ـ موطن الشركس ـ وقد أتيح له أن يزور موطن أجداده في ثلاث جمهوريات يشكل الشركس فيها نسبة أربعين بالمائة من مجموع السكان .
قال محدثاً : دخل الإسلام بلاد القفقاس عام 22هـ في عهد الخليفة عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ وبقي أثره متفاوتاً إلى أن جاءت الشيوعية ، وحاولت القضاء عليه ، ظنت أنها أجهزت نهائياً على آخر أثر له ، ولكن ما إن انهارت الشيوعية حتى بدأ المسلمون يعودون إلى جذورهم الإسلامية ، ويبحثون عن هويتهم الأصيلة ، وهم متشوقون إلى كل شيء في الإسلام ولهم في ذلك حكايات عجيبة .
فمريم البالغة من العمر 67 عاماً ، والتي تعد الخبيرة الأولى في تدريس اللغة الروسية ، وهبت كل ما تملك لإنشاء مركز إسلامي ، وقد حافظت على عقيدتها منذ أن كانت طالبة في الأربعينات في جامعة موسكو !
كانت أمها تسألها عن صلاتها فتجيبها مطمئنة بأنها ما تزال متمسكة بها ـ على الرغم من الظروف القاسية ـ وهي تصلي في مهجع الطالبات بعد أن ينمن جميعاً فتتيمم وتؤديها !!
وشيخ عجوز تجاوز المئة يقول : كنت أدخل إلى الغابة القريبة كلما حان وقت صلاة ، فأؤديها سراً !
وطفلة صغيرة تقول لأهلها بعد أن حصلوا على نسخة من المصحف :
ـ اذهبوا الآن ودعوني وحدي فعندي ما يؤنسني !!
وأما حبهم للغة التي نزل بها القرآن ، فلعل هاتين الحادثتين على ما فيهما من بساطة تعبران أصدق التعبير :
كان بعض أهل تلك البلاد ـ إبان السيطرة الشيوعية ـ ينتظر أن يرمي أحد العرب سيكارته ليتناولها بدوره ويحتفظ بالكلام العربي المكتوب على ما تبقى من ورق اللفافة !!
واحتفظت امرأة عجوز بكتاب باللغة العربية أكثر من خمسة وعشرين عاماً ! وحين زارها أحفاد المهاجرين ، أحضرت الكتاب وقد لفته بأربطة من قماش وهي تقول : لقد احتفظت به زمناً طويلاً ، وقد تركه طالب عربي كان يدرس هنا ، ولم أُطلع عليه أحداً ؟!
وحين فتحوا الكتاب ارتسمت على شفاههم ابتسامات حزينة إذ لم يكن سوى قصة لإحسان عبدالقدوس ، من قصصه ـ إياها ـ والعجوز تتصور أن ما كتب بالعربية لابد أن يكون شيئاً عظيماً مباركاً !؟
ومن حسن الحظ أن العجوز خبأته كل هذه الفترة !
ومن حسن الحظ أنها لم تكن تفهم العربية ، وإلا لفاجأها " الوسادة الخالية " أو " البنات والصيف " أو " النظارة السوداء " ولكن الله سلّم !!