الملاك فوق النجوم
د. جبر خضير البيتاوي
أ. مساعد في قسم اللغة العربية/ كلية الآداب
جامعة النجاح الوطنية
خرجت الملاك العاشقة يوما من بيت العنابر والخنافس، لتوقد شمعة النهار في جو ملبد بالغيوم، في أيام أيار الحصاد. لتقطف زهرة حمراء، فهي تحب الربيع والقتال، وتعشق الصوامع والكهوف. تراها رابطة الجأش دائما، تتنقل بين الحدائق والأشواك، تنظر إلى السماء، وتحب أيام البيارق والورود.
تمسك في يدها سيفا ووردة بيضاء، فهي تعلم أنها قادمة من السماء الرابعة، تحمل رسالة إلى ملاك أخر ينتظرها على شاطئ المحيط، ليكتبا معا سفر الحياة والوجود، وليقيما المدينة الفاضلة الموعودة.
إنه الملاك القدر الذي أدرك منذ سنين، إنه يحمل رسالة من جبار العالي المتربع على جبل الخلود والقيامة، اختار أن يضع الأمانة في الملاك السابع والرابع فهذه مشيئة الله.
تحب الملاك دائما أن تسير في النهار المبصر، مع فراشات خضراء وأخرى صفراء، ترى النحل يتنقل من بستان إلى بستان، ومن زهرة إلى زهرة ليقطف رحيق العنابر والمواجع.
في أيام الرعود والصواعق كانت تبحث عن نجم الثريا، وفي برج الميزان التقت بملاك قادم من السماء السابعة، حاولت الاقتراب منه، لتنقل له سفر التكوين الجديد، لكنها دائما تبحث عن رعد لا يخيف، فهي تحسب التكليف قبل المداخل والمخارج، ولا يمكن ان تثق إلا بأهل السماء.
قالت لها امرأة أخرى من عالم الأبراج والأفلاك: أرى فيك طاقة متوقدة لا تقبل بأنصاف الأمنيات، وفيك أمور غريبة كأن المقدر يريد منك أن ترسلي أسرار السماء إلى بني الإنسان، فأنت وحدك مع ملاك أخر ستحكمان الأكوان والبيارق مع كوكبة مضيئة. ففيك عالم الأسرار والوجود، وأنت مصغر الكون السماوي، وستهبطين مضطرة إلى الأرض، وهناك ستلتقين مع القدر المحتوم.
يومها قال لها الملاك القادم من السماء السابعة: هل تعلمين أن الأقدار ساقتني أنا وأنت، لنرسلا المفاوز والصلوات والأسرار إلى عالم الحق والقيامة؟ فهنا يكمن الوجود الجديد. وها هي بركات السماء تهطل على الأرض، لتزرع انجيلا، ونرجسا، وأمطارا، وبراكين. فهذه صوامع الأكوان تتحرك سريعا، لنبدأ مشوار القوة والزلازل، والعدل والخسف، والخير والشر.
فرجال العالي قادمون ومعهم بيارق وسيوف مسننة يريدون القضاء على أبرهة الأصفر الذي يريد إحراق المصحف المقدس، موهما نفسه أنه المسيح المخلص لبني البشر من أشرار أمة دعوة النبي العربي إبراهيم الخليل عليه السلام.
فقال الملاك القدر: أتدري أننا لا بد أن نصنع الحياة من جديد؟ فنحن نملك الحب المتدفق في دنيا ترفض الحياة والضياء، والخلود والنور والأقمار، والعدل والأنصاف.
سألته يوما: وهل أهل السماء يعشقون؟ فأجابها: نعم، فقالت: إذن، ذو القرنين يهبط اليوم مجددا. قلت خافتا: قرأت في مرويات تراث أهل الأرض أن مجنون ليلى بعد أن توفاه الله، رؤي يوما، فقيل له أين أنت؟ فقال: أدخلني الله الجنة، قيل له: بم؟ قال: لأن الله جعلني مضرب المثل لعشاقه.
وها نحن اليوم نعيد اليوم قصة العشق الأبدي القادم من الأبراج العليا، ومن فوق النجوم، لنقول للخلق أجمعين: ها نحن عدنا من جديد، لنعيد الأمل للصغار والكبار، ولنحي في النفوس المتعبة صلوات الحب والعطاء، والنور والأضواء. ولنقول لهم لا زال في الحياة متسع من الخير والأنوار. فقد بدا نور الحق في الظهور، وشمس الحرية في البزوغ.
فإن مركبا جمع من فوق النجوم قلبين من الصوامع العليا، ومعهم أهل الراية، لن تستطيع قوى الظلام لجمه، والوقوف في طريقه. فها نحن اليوم نبدأ الحياة من جديد، لنعيد الحق إلى نصابه، والأمل لأهله، والنور لأصحابه، ونطبق حكم الكون الرشيد.