الاعتراف الغير ملزم بالدولة الفلسطينية

د. هاني العقاد

اعترفت مملكة السويد بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس على اراض العام 1967وكانت اول دولة بالاتحاد الأوروبي تعلن هذا ولا تكترث بالصحة العقلية لساسة اسرائيل او تكترث بما يتفوه بها مراهقيها السياسيين وشجعت من يتردد من البرلمانات الاوروبية ودول العالم للتصويت على الاعتراف بالدولة الفلسطينية حتى ولو لم يكن هذا القرار ملزم للحكومة , فتبعها البرلمان الفنلندي والذي صوت بالإجماع على الاعتراف بالدولة الفلسطينية وقد تتخذ الحكومة الفنلندية خطوات بعد ذلك بالاعتراف الملزم, وجاء البرلمان البريطاني الذي يعتبر بلادة الحليف الأوفى لإسرائيل والحليف الاستراتيجي والبلد التي ارتكبت اكبر خطيئة في التاريخ وحكمت على شعب فلسطين بالشقاء والتعاسة والموت فقرا وحصارا  دون كيان سياسي حتى اللحظة يتساوى مع اسرائيل في الحرية والاستقلالية والاستقرار فكان تصويت مجلس العموم البريطاني فاصلة هامة في التاريخ وكأن اعضاء البرلمان البريطاني قرئوا السياسة السابقة لبريطانيا وأرادوا أن يكفروا قليلا عن خطايا الاجداد فجاء التصويت بالإجماع على الاعتراف بالدولة الفلسطينية لكنه غير ملزم للحكومة البريطانية حتى اللحظة  ولم يغير هذا القرار شيء في سياسة الحكومة البريطانية تجاه العلاقة بالفلسطينيين سوي أنه خطوة أولى على طريق تصويب التاريخ الاسود لبريطانيا ,وما نشاهده من تحضيرات في كل من البرلمان الإسباني والفرنسي والإيطالي واليوناني والدنماركي والبلجيكي والبرتغالي وبرلمان الاتحاد الأوروبي  من اعتراف بالدولة الفلسطينية جاء نتيجة طبيعية لعدم قبول استمرار الاحتلال ولإسناد الكفاح الفلسطيني نحو اقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف وكضغط حقيقي لقبول تلك الحكومة بتطبيق حل الدولتين  .

يأتي اعتراف تلك البرلمانات في مرحلة حساسة و دقيقة في حياة الفلسطينيين ونضالهم السياسي حيث شرعت قيادة هذا الشعب بشق طريق صعب وطويل يوصل في النهاية الى انهاء الاحتلال والاهم انه طريق بلا دماء وبلا عنف وبلا دمار ,قد يكون طريقا طويلا نعم لكنه اقرب من طريق المدافع والبارود والدم والدمار وهذا ما جذب انتباه تلك الحكومات والبرلمانات التي تتابع كل تحرك في هذا المجال , وتسارع الى تقديم مشاريع التصويت للاعتراف بالدولة الفلسطينية لبرلماناتها اسلوبا سياسيا هاما لدعم التحرك الفلسطيني , لذا فإن مشروع القيادة الفلسطينية لاستصدار قرار من مجلس الامن ينهي الاحتلال اصبح خطة تقنع المجتمع الدولي بالرغم من جنوح امريكا وبعض حلفاء اسرائيل , وبالتالي فإن المعركة أصبحت أمام العالم بمعادلتها انهاء الاحتلال او تشجيع الاحتلال لا غير ذلك من خيارات وان كان القرار انهاء الاحتلال فعلى العالم أن يلزم اسرائيل بالاعتراف بالحقوق الفلسطينية وحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم على أرضهم والتخلي عن الاحتلال المعيق الاساسي لذلك والجلوس على طاولة المفاوضات لتحقيق السلام على هذا الاساس والاقتناع بأن لا غير ذلك يحقق السلام .

نعم قد يكون اعتراف تلك البرلمانات غير ملزم للحكومات لكنه في الاساس اعتراف بحدود الدولة الفلسطينية على حدود العام 1967 ورسالة هامة لحكومة الاحتلال لتدرك  أن الموقف الدولي في طريقه الى رفع صوته والخروج عن العباءة الأمريكية واستباقها بالتحدث عن معارضته للاحتلال وممارسة انتهاك حقوق الانسان الفلسطيني ,وقد يعطي الفرصة لدولة الاحتلال بعد الرسالة الاولى للتراجع عن ممارسة الاحتلال ,لكن ليس مدي الحياة فالمجتمع الأوروبي اصبح يعي اهمية دورة السياسي في التأثير على صناع القرار السياسي بالعالم لاتباع سياسة اكثر عدلا تجاه مشكلة فلسطين وهذا ما عكسته تصريحات رئيسة الدبلوماسية الاوروبية بالاتحاد الاوربي الجديدة فردريكا موغريني حول أهمية قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس , وما عكسته الوثيقة التي تعكف اللجنة الدبلوماسية بالاتحاد الاوروبي على اعدادها لفرض عقوبات على اسرائيل إن تجاوزت الخطوط الحمراء التي حددها الاتحاد الاوروبي قبل ذلك فيما يتعلق باستمرار اسرائيل بالبناء في منطقةE1 ,التي تتكون من ثلاث مستوطنات داخل القدس الشرقية العاصمة الفلسطينية . وتصل هذه العقوبات الى حد اعادة سفراء  دول بالاتحاد الاوروبي من تل ابيب ,وتعتبر الوثيقة أن اتخاذ خطوات متقدمة في تعزيز الاعتراف الرمزي بالدولة الفلسطينية يساهم كثيرا في وقف مساعي اسرائيل لإعاقة تطبيق مشروع الدولتين بأحداث تغيرات على جغرافية على حدود اراض العام1967  ,واقتراب اعتراف برلمان الاتحاد الاوروبي بالدولة الفلسطينية , وهنا اصبح الاعتراف الغير ملزم مرحلة اولى للاعتراف  الكامل الذي ستعلن عنه حكومات تلك الدول في القريب العاجل وقد لا تنتظر تلك الدول حتى تنهي اسرائيل الاحتلال وتقبل بالشرعية الدولية اساس للسلام وانهاء الاحتلال في منطقة الشرق الاوسط  وتملى على تلك الدول من يعرف ومن لا يعترف بالدولة الفلسطينية ,وقد يأتي الاعتراف نتيجة طبيعية لفقدان دور مجلس الامن في اصدار قرار ينهي الاحتلال ويعتبره سببا لحالة التطرف التي تجتاح اسرائيل والمنطقة العربية على السواء و بالتالي يتأثر بها كل العالم.

مع هذا التحول في الموقف الاوروبي تحقق القيادة الفلسطينية نجاحا كبيرا في مسيرة النضال السياسي والذي تقوده القيادة بخطوات متدرجة ومحسوبة سياسيا لضمان تحقيق الاهداف الاستراتيجية لمسيرة النضال السياسي وتحقيق الاستقلال السياسي الكامل , ولعل هذا النجاح لا يتطلب الاستمرار بنفس وتيرة التحرك الفلسطيني السابقة بل زيادة في استخدام اجراءات وأساليب وأسس ولغة مخاطبة العالم ومخاطبة كافة الدوائر السياسة بكل بلدان اوروبا وامريكا اللاتينية واسيا وكافة دول العالم لتحقيق اعتراف ملزم ولحشد جبهة دولية عريضة تساند النضال السياسي الفلسطيني وتشكل قوة ضاغطة ومؤثرة على كل من اسرائيل والولايات المتحدة للاستجابة للطموح الدولي للأنهاء الاحتلال الاسرائيلي والاعتراف بحدود الدولة الفلسطينية على حدود العام 1967 وعاصمتها القدس الشريف , وبالتالي انهاء الصراع الطويل والمرير على اساس القرارات والشرائع الدولية ومبادرة السلام العربية ومشروع حل الدولتين.