المياه والأمن القومي العربي

المياه والأمن القومي العربي

(الجزء الأول)

محسن الخزندار

[email protected]

يجب أن يكون الأمن المائي القومي العربي على سلم أولويات الأجندة الإستراتيجية العربية كأولوية مطلقة للسياسة الخارجية العربية، فمشكلة المياه من وجهة النظر الأمنية والعسكرية من أكبر المشاكل وأكثرها خطورة وحساسية على المدى القريب و البعيد ، فجميع الدول العربية تعاني من مشكلة المياه حيث أن 67% من موارد المياه تأتي من أراضي غير عربية، ولذلك فان الدول العربية ليس لها سيطرة على الموارد المائية، وعليه فان خطط التنمية للدول العربية مهددة دوماً بتهديدات توريد المياه من خارج الأراضي العربية، وحاجة الدول العربية للمياه ملحة مع الزيادة الهائلة لعدد السكان فيها.

أصبحت مسألة المياه تحظى بأهمية كبيرة إقليمياً وعالميا،ً حيث تشير الدراسات المعدة بهذا الخصوص إلى أن الصراع القادم في العالم سيكون من أجل السيطرة على مصادر المياه ومنابعه, فالمياه كانت ومازالت مصدر النزاعات والأطماع رغم الاتفاقيات المبرمة دولياً .

لقد كانت في الماضي قائمة الدول التي تعاني من نقص المياه على مستوى العالم تعد على أصابع اليد الواحدة، أما اليوم فقد زادت هذه القائمة لتصل إلى 26 بلداً على مستوى العالم، أو ما يمثل 300 مليون فرد، وبحلول عام 2000 م أصبحت المياه في "الشرق الأوسط" سلعة إستراتيجية تتجاوز في أهميتها النفط والغذاء.

ومن المعروف أن مناطق الصراع المائي في الشرق الأوسط تتركز في أربعة أحواض لأنهار( النيل– الفرات – الأردن - الليطاني)، أما دول الخليج العربي يتحتم عليها أن تعيد النظر في التكلفة الباهظة التي تدفعها ثمناً لتوفير المياه العذبة بتحلية مياه البحر في ظل معدلات استهلاك عالية تصل أحياناً إلى حد الإسراف والهدر وتبديد الموارد.

يهدف الأمن المائي العربي إلى حماية الموارد المائية العربية كماً و نوعاً، سواء كانت ذات مصدر داخلي أم خارجي، و اتخاذ خطوات فاعلة لتنمية هذه الموارد، وترشيد استخدامها لمواجهة العجز المائي و المحافظة على البيئة و الموارد لأجيال الحاضر والمستقبل .

يقع الوطن العربي في المنطقة الجافة وشبه الجافة، وتخترقه من الغرب إلى الشرق صحارٍ واسعة جدا يكاد ينعدم المطر فيها، أما المناطق الساحلية والجبلية القريبة منها فإنها تتعرض لتيارات هوائية بحرية ومنخفضات جوية تسبب هطول الأمطار في فصول ومواسم محددة، ففي البلدان العربية المتشاطئة مع البحر الأبيض المتوسط، تسقط الأمطار عادة في فصل الشتاء، أما البلدان الواقعة على بحر العرب وفي بعض مناطق الجزيرة العربية وجنوب السودان فإنها تتعرض لتأثير الرياح الموسمية الصيفية الحاملة للأمطار.

تتراوح المعدلات السنوية لهطول الأمطار في الوطن العربي بين 250 -400 ملم، وتتجاوز الألف ملم في بعض مناطق جبال لبنان والساحل السوري ومرتفعات اليمن وجنوب السودان، ويسقط على الوطن العربي 2100 - 2300 مليار م3 سنويا.

يفتقر الوطن العربي إلى الأنهار الداخلية الكبيرة، وأهم أنهاره هي النيل في مصر والسودان، والفرات ودجلة في سوريا والعراق، وهي أنهار دولية تستمد القسم الأكبر من مياهها من خارج المنطقة العربية.

ينبع نهر النيل من أواسط أفريقيا وتقع في حوضه عشر دول منها ثماني في منطقة المنابع من الحوض في حين تتقاسم مصر والسودان مجرى النهر، وتعاني جميع دول حوض النيل عدا مصر من مشاكل داخلية متفاقمة وتخلف اقتصادي.

تتقاسم تركيا وسوريا والعراق حوضي دجلة والفرات وتتحكم تركيا بحكم موقعها بجريان المياه في النهرين،  وترفض تركيا إخضاع نهري الفرات ودجلة للقانون الدولي والتوصل إلى تفاق مع سوريا والعراق لاقتسام مياههما.

تقدر الموارد المائية العربية المتجددة بحوالي 350 مليار م3 سنويا، يؤَمِن نهر النيل منها84 مليار م3، ويؤَمِن نهر الفرات منها 30 مليار م3، ويؤَمِن نهر دجلة منها 40 مليار م3.

يحتوي الوطن العربي على كميات مهمة من المياه الجوفية تتوزع على ثلاثة أحواض كبيرة، هي الأرج الشرقي جنوب جبال أطلس في الجزائر، وتقدر كمية المياه المخزنة في هذا الحوض بنحو 1400مليار م3،  وحوض النوبة بين مصر وليبيا والسودان وتقدر كميات المياه المخزنة في هذا الحوض بنحو 7000 مليار م3 ويمد هذا الحوض الواحات الصحراوية بالمياه مثل واحة الخارجة والداخلة والفرافرة في مصر، ويمد أيضا النهر العظيم في ليبيا، الذي ينقل المياه الجوفية من الحوض إلى ليبيا ويقدر الماء المتدفق من خلاله بـ700 مليون م3 سنويا، وحوض (الديس) بين الأردن والسعودية، وتوجد أحواض مياه أخرى أقل أهمية تتيح كميات من المياه بحدود 15.3 مليار م3 يستغل معظمها.

يوجد مصدر آخر للمياه هو مياه البحار غير المحدودة، وتجري تحلية مياه البحار في دول الخليج على نطاق واسع،  ويمكن أيضا اعتبار معالجة مياه الصرف الزراعي والصحي مصدراً مهما للمياه وتقدر كميات الصرف المستخدمة في الوطن العربي بحوالي 6 مليارات م3، ويتوقع أن ترتفع في المستقبل إلى 12 مليار م3.

إن أهم مصادر المياه في الوطن العربي هي : الأنهار و الينابيع و المياه الجوفية و السدود السطحية ، و لكن الأنهار تبقى الأهم .

الأنهار :

في سوريا و العراق : أهمها نهري دجلة و الفرات

في الأردن و فلسطين : يعتبر نهر الأردن من أهم المصادر المائية بالنسبة لكل من الأردن و فلسطين ، إضافة إلى نهر اليرموك الذي يعد مصدراً مائياً هاماً و مجموعة أنهار ساحلية تصب بالبحر.

في لبنان : تعتبر الأمطار المصدر الأساسي للموارد المائية في لبنان إضافة إلى الثلوج،  وهناك خمسة عشر نهراً هاماً ... مما جعل منه خزاناً مائياً .

في مصر و السودان : يعتبر النيل عصب الحياة، وهو ثاني أطول أنهار العالم

و من أنهار المغرب : الملوية ، السبو ، بو رقراق ، أم الربيع ، الشليف .

المصادر المائية الأخرى :

المياه الجوفية العميقة :

هي غير متجددة و مخزونها المائي كبير، و تتراوح أعمارها بين 4 آلاف إلى 44 ألف سنة تقريباً، تم تفجير كميات كبيرة من هذه المياه في المنطقة الشمالية الشرقية من شبه الجزيرة العربية .

الينابيع :

و لها نوعان : عذبة مثل الخابور و الأردن و العاصي و الليطاني و السن و أم الربيع و الهفوف،  و ينابيع معدنية كثيرة موزعة في أرجاء الوطن العربي منها ( الحمه في سوريا ، حمام العليل قرب الموصل ، السخنة في اليمن ، بو حنيفة قرب الجزائر، لييف قرب تونس)

الآبار :

حفرت عشرات الآلاف من الآبار على أعماق متفاوتة للاستفادة من المياه الجوفية .

الأمطار :

تقدر كمية الأمطار بحوالي 2228 مليار م3 ، 90% يتبخر و يتسرب 1.8% على الخزانات الجوفية و 8.2 % يجري على السطح،  و تتفاوت كمية الأمطار بين دولة و أخرى .

تحلية مياه البحر و المياه الجوفية المالحة ، و مياه الصرف الصحي المعالجة ، و مياه الصرف الزراعي و الصناعي المعالجة .

تقع غالبية البلدان العربية في الحزام الصحراوي الذي يلف المنطقة الاستوائية، و الذي يعد من أكثر مناطق العالم جفافاً،  وزاد من تصاعد المشكلة ازدياد الطلب على المياه ، وضعف كفاءة استخدامها،  والاستخفاف بأهميتها .

تشير الدراسات العالمية إلى أن غالبية الدول العربية تعاني من نقص حاد في المياه، حيث يقدر العجز المائي الحاصل بنحو162,3مليار م3 .

و يقدر نصيب المواطن العربي من المياه وسطياً بنحو 750 م3 سنوياً، أي دون الحد الأدنى لحاجة الفرد في السنة البالغ 1000 م3 .

وعلى ضوء الزيادة الحالية للسكان في الوطن العربي سيصل عدد السكان في عام 2010 حوالي 350 مليون نسمة،  وسيكون نصيب الفرد 400 م3 في السنة .

و بهذا تكون معظم الدول العربية واقعة تحت خط الفقر المائي،  و منها : سوريا و الأردن و السعودية و ليبيا، وتقع مصر ضمن المناطق الجافة، وجميع المشروعات لا تفي باحتياجاتها بسبب التزايد السكاني الكبير فيها.

و يبدو الواقع المائي في الأردن مخيفاً لعدم التوازن بين المصادر المائية و عدد السكان، و عدم القدرة على تأمين مياه الشرب للمدن .

و لقد أثبتت البحوث و الدراسات أن المنطقة العربية هي من أكثر مناطق العالم تأثراً بأزمة المياه.

وتعرّف الأزمة المائية بأنها خلل في التوازن بين الموارد المائية المتجددة والمتاحة والطلب المتزايد عليها، والذي يتمثل بظهور عجز في الميزان المائي، يتزايد باستمرار ويؤدي إلى إعاقة التنمية، وهذا العجز هو الحالة التي يفوق حجم الاحتياجات المائية فيها كمية الموارد المائية المتجددة والمتاحة .

ويطلق على هذا العجز تسمية ( الفجوة المائية )، وعندما يصل العجز المائي إلى درجة تؤدي إلى أضرار اقتصادية واجتماعية تهدد بنية الدولة فإنه يكون قد وصل إلى ما يسمى بالأزمة المائية.

وتعاني المنطقة العربية من نقص في الموارد المائية،  مما يمهد إلى حدوث صراع أو قيام تعاون إقليمي يراعي حاجات هذه الشعوب من المياه، وهناك ثلاثة محددات تفرض نفسها على قضية الأمن المائي العربي، وهي أن غالبية دول المشرق العربي ووسطه تعاني من أزمة مائية متزايدة وبدرجات مختلفة، وغالبية الأنهار العربية (دجلة، الفرات، النيل) تنبع من خارجه، مما يعني بأنها عرضة لتحكم قوى أجنبية، وأخيرا" ارتباط المشروعات الإسرائيلية بالهيمنة على مصادر المياه مع ازدياد أعداد المهاجرين بنسبة لا تتفق مع موارد المياه،  وفيما يتعلق بالأبعاد الجيو سياسية للأزمة المائية العربية هناك البعد الجغرافي، حيث تتحكم دول الجوار العربي بنحو 85% من الموارد المائية العربية، أما البعد السياسي فيمكن إجماله في النقاط التالية:

* غياب المعاهدات والاتفاقيات الدولية الناظمة لاستغلال واستخدام المياه بشكل قانون يراعي حقوق الدول المائية وبسبب ضعف إلزامية القانون الدولي.

* نظرا" لطبيعة العلاقات التي تسود بين دول الإقليم فإن العامل المائي وحاجته وندرته أصبح مرتبطا بـ" البعد السياسي"، إذ أضحى يوظف في خدمة الأغراض والأهداف والنفوذ والسيطرة والمنافع والمصالح المختلفة.

* ترتبط دول الجوار الجغرافي مع الدول العربية بعلاقات استعمارية مع (إسرائيل)، ومع رغبة إسرائيل في استغلال هذا العامل كعنصر ضغط سياسي وحرمان للدول العربية، فإسرائيل تعتمد في تأمين مياهها، على سرقة المياه العربية سواء من الأراضي المحتلة (فلسطين والجولان) أو من الأراضي العربية المجاورة، كالعراق وسوريا ولبنان والأردن ومصر،  ومنذ أيام الانتداب البريطاني و قبيل الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين كان زعماء الحركة اليهودية، والساسة البريطانيون يدركون أن مشكلة المياه ستشكل حجر عثرة في أي تسوية سياسية مستقبلية،  لذا فإن زعماء اليهود طالبوا بعد صدور وعد بلفور بأن يمتد احتلالهم حتى (جنوب لبنان)، كي يتسنى لهم السيطرة على مياه نهر الليطاني،  وسعت إسرائيل إلى الاستيلاء على المياه منذ احتلالها الأراضي العربية،  لذلك فهم عملوا على:

* الاستيلاء على مياه نهر الأردن بعد تحويل مجراه في عام 1964م، وضخ حوالي 450 مليون متر مكعب من مياهه إلى صحراء النقب والجزء الجنوبي من الساحل الفلسطيني .

* احتلال هضبة الجولان السورية بهدف السيطرة على المياه والأراضي الخصبة في تلك المنطقة، وتؤمن هذه المياه 22% من الاحتياجات المائية لإسرائيل.

*احتلال الجنوب اللبناني في عام 1982م، بهدف الاستيلاء على المياه اللبنانية التي تغذي مياه نهر الأردن وبحيرة طبريا، التي تؤمن مياه الشرب والري للعديد من المستوطنات الإسرائيلية.

* منع لبنان من استغلال مياه نهر الحاصباني عام 1965م، الذي تسرق منه إسرائيل حوالي 157