إذا إلهٌ لِلْكَلامِ كانَ …

معتز عبد الحميد صقر

إذا إلهٌ لِلْكَلامِ كانَ …

 (1)

معتز عبد الحميد صقر

كلية دار العلوم – جامعة القاهرة

[email protected]

*************خلو تلفونوووووووووووو**************

لمّا كانَ الإنْسانُ يَسْعى - حينَ يُصيبُهُ شَيْءٌ مِنَ الضّيقِ - إلى كَبيرٍ خافٍ ، يَشْكو إلَيْهِ بَثَّهُ وَحُزْنَهُ ، وَيَدْعوهُ طالبًا الغَوْثَ ، كانَ ذلكَ اللهَ أو إلَهًا بَديعًا – لَمّا كانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ رَأَيْنا  اللهَ قَدْ غَرَزَ في الإنْسانِ حُبَّ التَّعَبُّدِ وَفَطَرَهُ عَلى شَغَفِ التَّطَلُّعِ إلى مَعْرِفَةِ الإلَهِ أَيًّا مَنْ كانَ ذَلِكَ الإلَهُ …

ولما كانَ الإنسانُ يسعى – حينَ يصيبُ شيئًا من الكمالِ – إلى صغيرٍ بادٍ ، يمارسُ عليهِ كمالَه ، ويحاولُ أن يحوجَه فيحتاجَ لعونِه ، وأنْ يأمرَه فيأتمرَ لأمرِه ، ويزدادُ لديهِ هذا الشعورُ بازديادِ شعورِه بالكمالِ – لما كانَ ذلكَ كذلكَ رأينا اللهَ قدْ غرزَ في الإنسانِ حبَّ التألُّهِ ، وفطرهُ على شغفِ التطلعِ إلى معرفةِ العبدِ أيًّا منْ كانَ .

لما  كانَ مارأينا منْ أمرِ حبِّ الإنسانِ ممارسةَ فعليِ التألهِ والتعبدِ – لما كان ذلكَ كذلكَ رأينا الإنسانَ أبى إلا أنْ يغرزَ فيهمْ هذينِ الفعلينِ ، حبَّهما ؛ فيجعلَ لكلٍّ إلهًا هوَ الرئيسُ ...

ولما كانَ الكلامُ مما أبدعَ الإنسانُ منْ مخلوقاتٍ ، بلْ ربما أولَ ما أبدعَ – لما كانَ ذلكَ كذلكَ رأينا الإنسانَ أبى إلا أنْ يجعلَ إلهًا للكلامِ ، وعبيدًا للإلهِ ، يرى في ذلكَ الإلهِ مثلًا أعلى للكلامِ جميعًا ، إذا اقتربَ كلامُه منهُ فقدِ اقتربَ منَ الكمالِ .

هكذا كانَ العربُ منْ قديمهمْ إلينا ، يدعونَ ديوانَ شعرهمْ إلهًا عادلًا ، يَرِدونَ إليهِ إذا أرادوا الصحةَ للكلامِ ؛ فقدِ اجتمعتْ لديهِ مفاتيحُ الصوابِ اللغويِّ التي تنفتحُ لها أقفالُ المشكلاتِ .

عجيبٌ .. أنْ يطبَعَ الإنسانُ الأشياءَ بطابَعِه ، ويختِمَها بخاتَمِهِ .

ثمَّ عجيبٌ .. أنْ يخلُقَ الإنسانُ خلقًا مُعَقَّدًا  كاللغةِ . فأعظِمْ بهِ منْ خَلْقٍ ، وأوهِنْ بهِ منْ خالقٍ .

ثُمِّتَ عجيبٌ .. أنْ ينافِسَ اللهُ الناسَ ليعجِزَهمْ ، ويعجِزَ كلامَهمْ ، وإلَهَ كلامِهمْ بكلامٍ جديدٍ منْ عندِهِ ، مُعْجِزِ النظمِ ، معجزِ التراكيبِ ، معجزِ الدلالةِ ، معجزِ الأساليبِ ، غالَبَ بهِ كلامَهمْ فغَلَبَهُ، ونافَسَ بهِ شِعْرَهمْ فَنَفَسَهُ.

وهكذا رأينا ذلكَ أولَ طرقِ القرآنِ لأولِ غاياتِهِ، أقصِدُ غَلَبَةَ كلامِ العربِ ونَفْسَ شعرِهمْ ، نَموذَجِ كلامِهمْ ، فكانَ ما أرادَ اللهُ وانهزَمَ  كلٌّ أمامَ القرآنِ بآيِهِ المعجزاتِ .

ثمتَ أعجبُ منْ هذا وذاكَ وذلكَ ، أنْ يُلْتَمَسَ في الشعرِ غريبُ القرآنِ ، وأنْ يفسرَ ابنُ عباسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – قُرابَةَ مئتَي موضعٍ قرآنيٍ بأبياتٍ منَ الشعرِ العربيَّ الجاهِلِيِّ الإلَهِيِّ ، وأنْ يقولَ عندَما يسألُ عنْ الغريبِ : إذا سألتموني عنهُ فالتمسوهُ في الشعرِ .

ثمتَ لا عجب ، أيَّ عجبٍ ، في حَثِّنا الكلامَ على إخلاصِ العبادةِ لإلهِه .