حكايا الطوابع السورية 6
حكايا الطوابع السورية
رئيس الجمهورية الشيخ تاج الدين الحسني
" 6 "
شمس الدين العجلاني*
[email protected]
أرخت الطوابع السورية جزءا من تاريخ سورية في عهد الرئيس الشيخ تاج الدين الحسني ، و عهد الشيخ الحسني مليىء بالأحداث الجسام و أهمها إعلان استقلال سوريه ، و الشيخ تاج بحد ذاته كان شخصيه جمعت حولها الضدان ، فهو الوطني برأي البعض و برأي البعض الآخر هو على قائمة الانتداب الفرنسي ؟! وصف الشيخ تاج الدين و هو يتبوأ سده الحكم بأشنع الصفات من قبل أهل الشام فقالوا به " ما لم يقله مالك بالخمر " و لكن الزعيم الوطني فارس الخوري قد انصفه ؟!
الطوابع وثقت لنا أحداثا معينة جرت زمن الرئيس تاج الدين ، نحاول من خلالها إلقاء الضوء على جوانب بسيطة من تلك المرحلة .
من هو الشيخ تاج :
الشيخ محمد تاج الدين الحسني هو رجل الدين و السياسة الدمشقي المولد و النشأة المراكشي الأصل ، ولد بدمشق سنة 1890م. والده الشيخ محمد بدر الدين الحسني، محدث الديار الشامية الأكبر، ، انتخب تاج الدين عضواً في المؤتمر السوري عام 1919، كما عينه الملك فيصل سنة 1920م مديراً عاماً للأمور العلمية في دائرة كانت مرجعاً أعلى لدوائر الأوقاف والفتوى والمحاكم الشرعية والخط الحجازي ، عين في بداية الانتداب الفرنسي عضواً في مجلس الشورى، ثم في محكمة التمييز، وبعد ذلك صار قاضياً شرعيا، ثم رئيسا لمجلس الوزراء و وزيرا للداخلية في 14 شباط 1928م بالقرار رقم 1812 تاريخ14/2/1928 الصادر عن المفوض السامي المسيو هنري بونسو ، في بداية عهده أصدر عفوا عن السجناء السياسيين مستثنياً ما يزيد عن 70 شخصاً منهم كبار الزعماء الوطنيين" الشهبندر ، القوتلي ، الأطرش ، عادل العظمة ، شكيب أرسلان ..." مما جعل الشعب يقوم بالإضرابات ، ونعتوا هذا العفو بـ( العفو الأعرج) وقيل ان سبب ذلك الإشارة إلى العرج المصاب به الرئيس تاج الدين، وبعد مدة من حكمه، أقنع تاج الدين الفرنسيين بضرورة انتخاب جمعية تأسيسية ( مجلس نواب ) تضع دستوراً للبلاد، وعلى إثر ذلك جرت انتخابات الجمعية التأسيسية ، وعملت الجمعية على وضع دستور للبلاد ، لم توافق عليه سلطات الانتداب ، فقامت المظاهرات و الإضرابات في كافه أنحاء سوريه ، ثم لم يلبث أن أصدر المفوض الفرنسي بإرادته المنفردة الدستور السوري بتاريخ 14أيار عام1930 بعد أن أضاف عليه المادة (116) التي عطلت جوهره ، مما جعل الأوضاع تزداد اضطراباً. فأصدرت حكومة الانتداب بتاريخ 19-11-1931 قراراً بإنهاء حكومة تاج الدين الحسني .
في سنة 1934 وعلى أثر المظاهرات والاضطرابات التي رفضت معاهدة السلم والصداقة بين فرنسا وسورية، دعي الشيخ تاج الدين إلى تشكيل حكومة جديدة، بقي على رأسها حتى عام 1936 ، اتصفت هذه الفترة من حكم الشيخ تاج بالمظاهرات و الإضرابات التي كانت تعم أرجاء سورية، قدم استقالته بعد أن تأزم الوضع، وكثرت الاعتقالات، و أقام في باريس، وبقي فيها إلى قيام الحرب العالمية الثانية ثم رجع إلى دمشق.
في 12أيلول1941 عين رئيسا للجمهورية السورية، وفي 27أيلول1941 ، و نتيجة لنضال الشعب السوري اضطرت فرنسا إلى الإعلان عن استقلال سورية .
توفي الشيخ تاج في 17 كانون ثاني سنة 1943 صريع مرض مفاجئ حار فيه الأطباء ، وأثارت الصحافة الشكوك من حوله إلى حد القول أنه مات مسموماً، اتهم الشيخ تاج بالموالاة للانتداب الفرنسي وانه صنيعة الفرنسيين، ولكن لماّ سُئل فارس الخوري عن صحة ذلك قال بذكائه المعهود : ( لم يكن تاج الدين كذلك، ولكنه كان وطنياً سورياً مخلصاً وعاملاً باراً في الحقل العام.. إلا أنه كان يختلف عنا معشر رجال الكتلة بالاجتهاد، فيقول ليس بالإمكان أبدع مما هو كائن، ولذا فإنه كان يتظاهر بالتفاني بصداقته للفرنسيين لجلب أكبر نفع لبلاده، ودرء ما يمكنه درؤه من الضرر، إضافة إلى أنه كان عمرانياً كبيراً خلّف آثاراً كثيرة في مختلف أنحاء الوطن السوري ناطقة بفضله) .
إعلان استقلال سورية :
استطاعت قوات الجنرال الفرنسي شارل ديغول المدعومة من القوات الإنكليزية ( قوات الحلفاء ) في الحرب العالمية الثانية من الانتصار على قوات فيشي (قوات المحور - ألمانيا وإيطاليا واليابان)، ودخول دمشق ، فقام الفرنسيون الديغوليون بطرد الفيشيين من سوريه و حلوا مكانهم ، و كان ديغول قبل دخوله دمشق قد عين الجنرال كاترو مندوباً فرنسياً عاماً ومفوضاً مطلق الصلاحية في بلاد المشرق ، و أصدر كاترو قبل دخوله دمشق في 8 حزيران 1941 م بيانا باسم الجنرال ديغول إلى السوريين و اللبنانيين أعلن في نهاية : " لقد أزفت ساعة عظمى في تاريخكم . إن فرنسا بصوت أبنائها الذين يحاربون من اجل حياتهم و من اجل حرية العالم تعلن استقلالكم " ، و لكن مع الأسف ظل هذا البيان شكليا ؟!
نصب الجنرال كاترو الشيخ تاج الدين الحسيني على سده الحكم في سورية و منحة لقب رئيس الجمهورية بموجب كتاب أرسله إليه بتاريخ 12 حزيران 1941 م جاء فيه : " اقترح على فخامتكم أن تتسلموا مقدرات سورية متخذين لقب رئيس الجمهورية السورية مع الميزات و الواجبات المترتبة على هذا اللقب و أن تؤلفوا بهذه الصفة حكومة الدولة في أسرع ما يمكن من الوقت " و في نفس اليوم أرسل الشيخ تاج كتابا للجنرال كاترو بقبول رئاسة الجمهورية و أصدر أيضا في اليوم نفسه بيانا إلى الشعب السوري بمناسب استلامه مهامه الجديدة . و في يوم السبت الواقع في 27 حزيران 1941 تم الاحتفال بإعلان استقلال سورية في سراي الحكومة " مبنى وزاره الداخلية الآن " حضره الشيخ تاج الدين رئيس الجمهورية و الجنرال كاترو و عدد من ضباط الانتداب ، و أعضاء السلك القنصلي و الرؤساء الروحيون للطوائف المختلفة و جمهور غفير من المواطنين ، ألقى خلاله الجنرال كاترو بيانا آخر حول استقلال البلاد السورية إذ اشترط فيه أن تخضع حقوق و امتيازات البلاد للقيود التي تفرضها حالة الحرب وأمن البلاد وسلامة الجيوش المتحالفة .أي أن هذا الاستقلال معلق إلى حين انتهاء الحرب العالمية الثانية ؟! فقد جاء في هذا البيان الذي ألقاه كاترو: " تتمتع سوريه بالحقوق و الميزات التي تتمتع بها الدول المستقلة ذات السيادة . و لا تخضع هذه الحقوق و الميزات إلا للقيود التي تفرضها حالة الحرب الحاضرة ، و امن البلاد ، و سلامة الجيوش المتحالفة .؟! " ومع اقتراب الحرب العالمية الثانية من نهايتها، حاولت فرنسا أن تعيد سيطرتها الاستعمارية على البلاد السورية وأخذت تماطل في تسليم كافة السلطات للحكومة السورية ، فاندلعت الاضطرابات في كافة أنحاء الوطن السوري لتأكيد حق الشعب السوري في الاستقلال التام والناجز، فقامت فرنسا بارتكاب المجازر بحق السكان الآمنين، وأنزلت قواتها إلى الشوارع، وقصفت الأحياء السكنية و المدن بالطائرات... و مهما يكن فقد كان عام 1941 م نقطة البدء في ظهور سورية ضمن المجتمع الدولي كدولة مستقلة .
الطوابع :
صدر خلال عهد تولي الشيخ تاج الدين الحسني سدة الحكم مجموعه طوابع اغلبها يحمل رسما أو صوره له ، كطابع توليه الرئاسة ، و طابع إعلان استقلال سوريه ، صدر الطابع التذكاري لتوليته سده الحكم بعده ألوان و يحمل صورته و بقيم مادية مختلفة منها قرش و نصف و ستة قروش و عشره قروش ، طبع عليه اسم الجمهورية السورية باللغتين العربية و الفرنسية ، و في الزاوية اليمنى في الأعلى طبع كلمة بريد بالعربية و في الجهة المقابلة بالفرنسية ، ظهر هذا الطابع بصورتين مختلفتين للشيخ تاج و لكنهما متشابهتان ، الصورة الأولى و هي نصفيه يظهر فيها معتمرا الطربوش " الديني " و يضع على صدره الوشاح و قد وضع مجموعه أوسمة على طرف بذلته الأيمن ، أما المجموعة الأخرى من الطوابع فكانت جانبيه يضع فيها الوشاح و الأوسمة و لكنه لا يعتمر الطربوش .
أما مجموعه طوابع ذكرى إعلان استقلال سوريه فصدرت أيضا بألوان عديدة و قيم ماديه مختلفة منها نصف قرش ، قرش و نصف ، ستة قروش ، عشره قروش ، خمسون قرشا ، طبع عليها صوره نصفيه للشيخ تاج بحيث يظهر رأسه و جزء من جسمه و خلفه مدينة دمشق ، و أيضا اختار القيمون على طباعه هذه المجموعة من الطوابع صورتين له الأولى يعتمر بها الطربوش الديني و الأخرى بدونه و الصورة التي بدون طربوش طبع عليها صوره طائرة " و يبدو ذلك بقصد الاستخدام الجوي " . و الملفت للنظر ان هذه الطوابع السورية استخدمت في سورية و لبنان " كما يظهر في الصورة المرافقة " .
كانت الطوابع السورية و اللبنانية زمن الانتداب الفرنسي تطبع و تصمم في فرنسا ، ومن ثم وبسبب الحرب العالمية الثانية قررت المفوضية الفرنسية العليا " مقرها في بيروت " والحكومة السورية طبع الطوابع السورية واللبنانية في المطبعة الكاثوليكية (اليسوعية) في بيروت بسبب ظروف الحرب و انقطاع المواصلات مع الخارج. إلا أن المطبعة اليسوعية اشترطت أن تتولى هي مهمة القيام بهذا العمل كاملاً بما فيه التصميم نفسه وذلك لأنها متعاقدة مع أحد الفنانين الروس وهو ( ب . كورو ليف P.Koroleff ) وافقت المفوضية على ذلك ، و كان أول طابعع بريدي سوري طبع فيها عام 1942م وهو يحمل صورة رئيس الجمهورية السورية الشيخ تاج الدين الحسني.
يتبع