الحجاب أطهر لقلوب الجميع 63
النداء الثالث والستون
الحجاب أطهر لقلوب الجميع
رضوان سلمان حمدان
{
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً } الأحزاب53إن القرآن الكريم يرسم للمؤمنين الخطوط العامة لآداب الضيافة من التحلي بالعفة، ومراعاة حال المزور، ووقته إلى آخر تلك الآداب، فالفاء في قوله: “فادخلوا” تشير إلى وجوب مبادرة المخاطبين إلى تلبية الإذن بالدعوة إلى طعامه - صلى الله عليه وسلم - بلا تراخ، مراعاة لأوقاته - صلى الله عليه وسلم، لأن التأخر عن الطعام ليس من الأدب، إذ يجعل صاحب الدعوة - صلى الله عليه وسلم - في انتظار، وكذلك أشارت الفاء في قوله “فانتشروا” إلى وجوب المسارعة في خروج المدعوين من بيته - صلى الله عليه وسلم - فور الفراغ من الطعام، وذلك لانقضاء الغرض من الدعوة بانقضاء الطعام مراعاة لأحواله وأوقاته - صلى الله عليه وسلم.
والتنكير في قوله: “ولا مستأنسين لحديث” يفيد التقليل، فقد نهي المخاطبون عن الاستئناس بعد الطعام بأي حديث مهما كان قصيراً معه - صلى الله عليه وسلم - وذلك مراعاة لوقته - صلى الله عليه وسلم – وأحواله، فالمخاطبون كانوا قد ألفوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحديثه، وكانوا يجدون في ذلك كل الإيناس، ويساعدك على هذا الفهم ما في معنى الاستئناس من إصغاء وعناية في التسمع، وهذا يناسبه إصغاؤهم لحديث رسولهم - صلى الله عليه وسلم - والاستئناس له لا لحديث بعضهم لبعض في بيت النبي.
{نَاظِرِينَ إِنَاهُ}
: منتظرين نضجه واستواءه. {فَانتَشِرُوا}: أي فاخرجوا وتفرقوا إلى دوركم ولا تمكثوا. {مُسْتَأْنِسِينَ}: معنى الاستئناس: طلب الأنس بالحديث لأن السين والتاء للطلب تقول: استأنَسَ بالحديث: أي طلب الأنس والطمأنينة والسرور به. {يُؤْذِي النَّبِيَّ}: يضايقه ويثقل عليه، ويمنعه من قضاء كثير من مصالحه وأموره. {فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ}: أي فيستحيي من إخراجكم، ويمنعه حياؤه أن يأمركم بالانصراف، لخلقه الرفيع، وقلبه الرحيم. {وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ}: أي لا يترك أن يبين لكم ما هو الحق. {حِجَابٍ}: حجبَ الشيءَ يحجبُه أي ستره، وقد احتجب وتحجّب إذا اكتنّ من وراء حجاب، وامرأة محجوبة قد سترت بستر، والحجاب: اسم ما احتجب به، وكل ما حال بين شيئين فهو حجاب. قال تعالى: { وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ }. {أَطْهَرُ}: أي أسلم وأنقى، أفعل تفضيل من الطهارة بمعنى النزاهة والنقاء، {وَمَا كَانَ لَكُمْ}: وما ينبغي لكم ولا يليق بكم.- 765 - ( خ م ت س ) أنس بن مالك - رضي الله عنه -: « بنى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بزينبَ، فأوْلَمَ بخبزٍ ولحمٍ، فأُرْسِلْتُ على الطعام داعيا، فيجيءُ قومٌ فيأكلونَ ويخرجونَ، ثم يجيءُ قومٌ فيأَكلونَ ويخرجونَ، فدعوتُ حتى ما أجِدُ أَحدا أَدْعُو، فقلتُ: يانبيَّ اللّه، ما أَجدُ أحدا أَدعو، قال: «ارفعوا طعامكم» وبقي ثلاثةُ رهْطٍ يتحدَّثونَ في البيت، فخرجَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فانطلق إلى حُجْرة عائشة، فقال: «السلام عليكم أهلَ البيت ورحمةُ اللّه»، وقالت: وعليك السَّلامُ ورحمة اللّه، كيف وجدتَ أهلكَ ؟ باركَ اللّهُ لك، فتقرَّى حُجَرَ نسائه كُلِّهِنَّ، يقولُ لهن كما يقولُ لعائشة، ويقُلْنَ له كما قالت عائشةُ، ثمَّ رجعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فإذا رهطٌ ثلاثةٌ في البيتِ يتحدَّثونَ، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم شديدَ الحياء، فخرج مُنْطلقا نحو حُجرةِ عائشة، فما أدري أخبَرْتُهُ أو أُخْبِرَ أنَّ القومَ قد خرجوا، فرجع حتى
وضع رِجْلهُ في أُسْكُفَّةِ البابِ- عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ - رضى الله عنه -:
« قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَدْخُلُ عَلَيْكَ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ فَلَوْ أَمَرْتَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْحِجَابِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الْحِجَابِ ».وتقرر أن هذا الحجاب أطهر لقلوب الجميع:
{ ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن }..-
تعرضت الآية الكريمة لأمرين هامين هما "آداب الدعوة" و"مشروعية الحجاب" ولكل منهما سبب نزول.
-
يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبى
ينبغي أن يُعلم أن وقت النبي ليس لنفر يحبسونه في بيته فهو وقت الأمة كلها داعياً ومعلماُ ومربياً ومجاهداً.
لطائف
"الإني": مصدر. يقال أنى الشيء يأنى أنياً بالفتح. و"أنى": مفتوحاً مقصوراً. و"إنى": بالكسر مقصوراً، أي: حان وأدرك. قال عَمْرو بن حسان: تَمَخَّضَتِ الْمَنُوْنَ لَهُ بِيَوْمٍ أَنَىْ وَلِكُلِّ حَاْمِلَةٍ تَمَاْمُ.
وهذا دليل على تحريم التطفل. لذا فقد سُميت هذه الآية بآية الثُّقَلاءِ.
قوله تعالى: {بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ} إضافة البيوت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - إضافة تشريف، مثل {نَاقَةَ ٱللَّهِ} [الشمس: 13] و(بيت الله) الإضافة فيها للتكريم والتشريف فلبيوت النبي - صلى الله عليه وسلم - من الحرمة ما ليس لغيرها من البيوت، وهذه الأحكام المذكورة هنا خاصة ببيوت النبي صلى الله عليه وسلم تكريماً له عليه السلام وتشريفاً.
قوله تعالى: { إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ } في الكلام باء محذوفة تسمّى (باء المصاحبة) أي إلاّ بأن يؤذن لكم. وتضمين (الإذن) معنى (الدعوة) للإشعار بأنه لا ينبغي أن يدخلوا على الطعام بغير دعوة وإن وجد صريح الإذن بالدخول، حتى لا يكون الإنسان (طفيلياً) يحضر الوليمة بدون سابق دعوة.. وممّا يدل على هذا التضمين قوله تعالى بعدها: { وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَٱدْخُلُواْ } فإنها صريحة في أن المراد بالإذن (الدعوة) فتنبه لهذا السّر فإنه دقيق.
قوله تعالى: { وَلَـكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَٱدْخُلُواْ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَٱنْتَشِرُواْ } قال الإمام الرازي: " فيه لطيفة وهي أن في العادة إذا قيل لمن كان يعتاد دخول دار من غير إذن: لا تدخلها إلاّ بإذن، يتأذى وينقطع بحيث لا يدخلها أصلاً ولا بالدعاء، فقال: لا تفعلوا مثل ما يفعله المستنكفون، بل كونوا طائعين سامعين، إذا قيل لكم: لا تدخلوا فلا تدخلوا، وإذا قيل لكم ادخلوا فادخلوا ". وهذا معنى لطيف.
كلمة (بيوت) جمع بيت، وهو ما أُعِدَّ للبيتوتة أي: للمبيت فيه، والمبيت في الأغلب الأعَمِّ لليل، فهو محل السكون والبيات، أما النهار فهو محلُّ الحركة، ولا بد للإنسان بعد التعب والجهد أن يأوي بالليل إلى مكان يستريح فيه ويفيء إليه؛ لذلك سُمِّي البيت سكناً، كذلك سُمِّيت الزوجة سكناً للسبب نفسه.

