ماذا تريد أمريكا من التحالف الدولي الجديد؟

د. غازي التوبة

[email protected]

من أجل أن نفهم الحشد الدولي الجديد الذي بدأ بأربعين دولة والذي تشكل في 11/9/2014 والذي يستهدف مواجهة خطر "داعش" علينا أن نلقي الضوء على حادثتين مماثلتين، هما:

الأول: احتلال أفغانستان عام 2001.

الثاني: احتلال العراق عام 2003.

أما احتلال أفغانستان عام 2001 فكان رد فعل على تدمير القاعدة لبرجي نيويورك بالطائرات المخطوفة، وقد أصبح من المرجح، أو من المؤكد أن أمريكا كانت على علم باستهداف البرجين من خلال تقارير استخبارية وضعت أمام إدارة البيت الأبيض، ولكنها مررت تدمير البرجين من أجل إعطاء المبرّر لتنفيذ خطة جاهزة رسمتها مراكز الأبحاث عام 1996 وتبناها "المحافظون الجدد" الذين جاءوا إلى الحكم مع بوش الابن عام 2001، وكانت الخطة تقضي بتغيير خريطة الشرق الأوسط، وكانت الخطة تحمل عنوان: "الانفصال عن الماضي: استراتيجية جديدة لتأمين الأمن"، وكان نتنياهو رئيس وزراء اسرائيل ساهم بوضعها مع آخرين.

أما احتلال العراق عام 2003 فقد حشدت أمريكا له حشداً دولياً من (49) دولة، وقد كانت الحجة التي قدمتها أمريكا لمحاربة صدام واحتلال العراق أنه تعاون مع القاعدة من جهة، وأنه امتلك أسلحة دمار شامل من جهة ثانية، وبعد أن احتلت أمريكا العراق فتشوه شبراً شبراً فلم يجدوا أثراً لأية أسلحة دمار، كما درسوا ملايين الأوراق والوثائق والفيديوهات والتسجيلات التي صادرتها قوات الاحتلال من مراكز المخابرات العراقية ورئاسة الجمهورية فلم يجدوا أي دليل على أي تعاون بين صدام والقاعدة.

هذا ما انتهى إليه الاحتلال وأكدته إعلاناته فيما بعد: والأرجح أن القيادات الأمريكية كانت تعرف هذه الحقائق، لكنها طرحت تلك الأسباب من أجل تدبير احتلال العراق، وأعلنت إلى جانب ذلك أنها تريد أن تحرر الشعب العراقي من ديكتاتورية صدام، وتحول العراق إلى جنة للديمقراطية، ولم يتحقق شيء من ذلك بل دمرت قوات الاحتلال كل بناه التحتية، وقتلت ما يقرب من مليون شخص، ونقلته من ديكتاتورية صدام حسين إلى ديكتاتورية نوري المالكي، فما الأهداف التي استهدفتها أمريكا على الحقيقة؟

استهدفت عدة أمور منها:

1-التفتيت الثقافي من خلال صدم "المكون الشيعي" ب "المكوّن السني" في العراق، وهما أكبر مكونين في البناء الثقافي للأمة.

2-التجزيء السياسي للعراق من خلال إحياء الطائفيات الدينية، والاثنيات العرقية وهي كثيرة في العراق.

ليس من شك بأن هذا التفتيت الثقافي والتجزيء السياسي يصب في مصلحة اسرائيل ويخدم مخططاتها منذ انشائها.

أما عن التحالف الدولي الذي دعا إليه أوباما لمواجهة داعش في العراق وسورية، وضم ما يزيد عن أربعين دولة، والذي قصف مواقع "داعش" في العراق وسورية يوم 22/9/2014. فما العوامل التي دعت أمريكا إلى تشكيل هذا الحشد الجديد الذي يشبه الحشد الدولي لعام 2003 بشكل كبير؟

أعتقد بأن العامل الأساسي الذي جعل أمريكا تضم هذا الحشد هو حرصها على استكمال تفتيت "المكوّن السني" في بناء الأمة من خلال زيادة تمكين "المكوّن الشيعي" في العراق وسورية بعد أن اهتزت سيطرته على العراق وسورية خلال عامي 2012 و2013، وسنوضح ذلك في السطور التالية.

ففي العراق شكّل بول بريمر أول مجلس حكم للعراق عام 2003، وجعله موزعاً حسب محاصصة طائفية وإثنية، ومن الواضح أن الاحتلال كان منحازاً إلى "المكوّن الشيعي" وتقديمه على "المكوّن السني"، لأن القيادات الشيعية التي كانت تابعة لإيران هي التي أعانت القوات الأمريكية على احتلال العراق من أمثال: محمد باقر الحكيم، وإبراهيم الجعفري، وأحمد الجلبي، وموفق السامرائي إلخ.....، لذلك مكّن بريمر "المكوّن الشيعي" من أن يحكم العراق، ودفع "المكوّن السني" إلى المرتبة الثانية، وأعطى الاحتلال الأمريكي العراق هدية إلى إيران على طبق من ذهب، وظن بعضهم أن هذا الوضع قد حدث نتيجة ملابسات مفاجئة وحديثة، لكن الحقيقة أن أمريكا منذ أن جاء الخميني إلى طهران عام 1979، وأمريكا تراهن على أن "المكوّن الشيعي" سيلعب دوراً أساسياً في إضعاف "المكوّن السني" والحلول محله في المنظومة الثقافية الإسلامية، وسيحقق -حينئذ- هدفين، هما:

الأول: تفتيت الوحدة الثقافية للأمة الإسلامية بضرب مكوناتها، وهو ما سيؤدي إلى إضعاف الأمة وخلخلتها، وإشغالها بنفسها، عوضاً عن الانشغال بالتقدم والعمران والبناء الحضاري، وهو ما ستستفيد منه أمريكا حضارياً وثقافياً، وستستفيد منه اسرائيل سياسياً.

الثاني: إيجاد فرصة وإمكانية لتطويع مفاهيم الإسلام لصالح مفاهيم الحضارة الغربية، من أجل تسهيل دخول الأمة في منظومة الثقافة الغربية، وهي العملية التي ما زالت متعثرة ولم تتحقق من خلال الفكر القومي العربي والاستعمار القديم بكل أنواعه: الإنجليزي والفرنسي والإيطالي إلخ.....، والتي بدأت منذ القرن التاسع عشر، وتتوجت بسقوط الخلافة العثمانية عام 1924، والتي بدأت طوراً جديداً بمحاولة أمريكا تسخير إيران وثورة الخميني والاستفادة من "المكوّن الشيعي" في تحقيق هذا الهدف.

 لكن أهل السنة لم يضعفوا ولم يستسلموا للظلم الذي لحق بهم في العراق بعد الاحتلال الأمريكي، فثاروا على ديكتاتورية نوري المالكي في عامي 2012و 2013، وكانت الاعتصامات الحاشدة في الأنبار والموصل وتكريت، وقدّموا مطالبهم التي تدعو إلى إنصاف أهل السنة وإعطائهم حصتهم في أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية، لكن نوري المالكي قابلها بالرصاص والقمع المسلّح، وهنا تشكلت كيانات عسكرية متعددة نجحت باستقطاب أهل السنة وكان منها: جيش النقشبندية، وجيش المجاهدين والجيش الإسلامي و"داعش" إلخ......، واحتلت محافظات الموصل وصلاح الدين والأنبار في شهر حزيران (يونيو) 2013، واستولت على معظم المعابر الحدودية مع سورية مثل القائم وربيعة إلخ.....وهددت بغداد، والحقيقة أن أمريكا كانت على علم بهذه التحولات، فقد نقلت الأخبار الموثوقة أنه أرسلت عدة دوائر استخبارية أمريكية تقارير إلى البيت الأبيض ووزارة الخارجية منذ مطلع عام 2013، تبين وتؤكد تمدد "داعش"، واتساع سيطرتها في المنطقة الواقعة بين سورية والعراق، لكن دوائر القرار الأمريكية تغاضت عن تلك التقارير، وسمحت ل"داعش" بالتمدد من أجل أن تأخذ ذلك مبرراً لتحقيق هذا الحشد الدولي.

أما في سورية فقد قامت الثورة في 15/3/2011 على نظام طائفي مستبد يقوده آل الأسد لمدة أربعين عاماً، وكان "المكوّن السني" هو الأساس والأكبر في الثورة لأنه الأكبر ديموغرافياً واقتصادياً وثقافياً في كيان المجتمع السوري.

وكادت الثورة أن تسقط النظام عام 2012، لأن الجيش السوري قد انهار، مما اضطر إيران وهي الحليف الرئيسي لنظام الأسد أن تأمر تابعها حزب الله في لبنان أن يتدخل، فتدخل بالإضافة إلى قوى أخرى مثل: عصائب أهل الحق، وكتائب بدر من العراق، ومثل الحرس الثوري من إيران، ومثل الحوثيين من اليمن إلخ......، مما عدّل كفة النظام، وجعلتها تبدأ بالرجحان منذ معركة القصير في 6 حزيران (يونيو) عام 2013، ومن الجدير بالذكر أن هناك أمرين في صدد موقف أمريكا من الثورة السورية:

الأول: أنها لم تعتبر تدخل حزب الله وغيره من قوى إيران الطائفية إرهاباً مع أنها لا تختلف عن "داعش"، فهي قد جاءت من خارج سورية كما هي "داعش"، وهي تمارس قتلاً مماثلاً في وحشيته لقتل "داعش"، وكان عليها أن تصنفها إرهابية في لائحة الإرهاب العالمي، لكنها لم تفعل ذلك، وهذا يوضح انحياز أمريكا إلى "المكوّن الشيعي" من جهة، وكيلها بمكيالين من جهة ثانية.

الثاني: لم تفعل أمريكا شيئاً لحماية الشعب السوري الأعزل من بطش وإجرام النظام وآلته الحربية التي استخدم فيها أدوات الفتك والتدمير من الطيران والصواريخ والدبابات والسلاح الكيماوي إلخ.....، فلم تفرض أمريكا ملاذات أو ممرات آمنة لحماية الشعب السوري كما فعلت في حرب الصرب وكرواتيا وألبانيا والبوسنة والهرسك، ولم تقم بحظر الطيران عن بعض المواقع كما فعلت مع صدام في حربه مع الأكراد، ليس هذا فحسب بل منعت الدول العربية الصديقة للثورة من أن تقدم سلاحاً نوعياً للثورة من مثل الصواريخ المضادة للطائرات أو الدبابات لمواجهة طيران النظام ودباباته.

الخلاصة: إن أمريكا أرادت من هذا الحشد الدولي تمكين "المكوّن الشيعي" من قيادة المنطقة وإعادته إلى موقع الصدارة في كل من العراق وسورية، بعد أن استطاع "المكوّن السني" زعزعته مع كل الدعم الأمريكي له خلال السنوات السابقة.