النداء الرابع والخمسون
وجوب التقوى والصدق
في النيات والأقوال والأحوال والأعمال
رضوان سلمان حمدان
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ } التوبة119
المعاني المفردة([1])
اتَّقُواْ: اجعلوا بينكم وبين الله وقاية.
الصَّادِقِينَ: الصدق هو أن تتطابق النسبة الكلامية مع الواقع. الصادق هو القائل بالحق العامل به لأنه صفة مدح ولا يطلق إلا على من يستحق المدح على صدقه.
الإعراب([2])
{اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} اتقوا اللّه: فعل وفاعل ومفعول به. وكونوا: عطف على اتقوا والواو اسم كان. ومع الصادقين: متعلقان بمحذوف خبر كونوا.
سبب النزول([3])
في سبب نزولها قولان. أحدهما: أنها نزلت في قصة الثلاثة المتخلِّفين. والثاني: أنها في أهل الكتاب. والمعنى: يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى اتقوا الله في إيمانكم بمحمد صلى الله عليه وسلم وكونوا مع الصادقين.
المناسبة([4])
لما حكم تعالى بقبول توبة الثلاثة([5])، ذكر ما يكون كالزاجر عن فعل ما مضى، وهو التخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجهاد فقال: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ} في مخالفة أمر الرسول {وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} يعني مع الرسول وأصحابه في الغزوات، ولا تكونوا متخلفين عنها وجالسين مع المنافقين في البيوت.
في ظلال النداء([6])
في ظل قصة التوبة على الذين ترددوا والذين تخلفوا؛ وفي ظل عنصر الصدق البادي في قصة الثلاثة الذين خلفوا؛ يجيء الهتاف للذين آمنوا جميعاً أن يتقوا الله ويكونوا مع الصادقين في إيمانهم من أهل السابقة؛ ويجيء التنديد بتخلف أهل المدينة ومن حولهم من الأعراب ، مع الوعد بالجزاء السخي للمجاهدين . .
إن أهل المدينة هم الذين تبنوا هذه الدعوة وهذه الحركة ، فهم أهلها الأقربون . وهم بها ولها . وهم الذين آووا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبايعوه؛ وهم الذين باتوا يمثلون القاعدة الصلبة لهذا الدين في مجتمع الجزيرة كله . وكذلك القبائل الضاربة من حول المدينة وقد أسلمت؛ وباتت تؤلف الحزام الخارجي للقاعدة . . فهؤلاء وهؤلاء ليس لهم أن يتخلفوا عن رسول الله . وليس لهم أن يؤثروا أنفسهم على نفسه . . وحين يخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحر أو البرد . في الشدة أو الرخاء . في اليسر أو العسر . ليواجه تكاليف هذه الدعوة وأعباءها ، فإنه لا يحق لأهل المدينة ، أصحاب الدعوة ، ومن حولهم من الأعراب ، وهم قريبون من شخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا عذر لهم في ألا يكونوا قد علموا ، أن يشفقوا على أنفسهم مما يحتمله رسول الله صلى الله عليه وسلم .
من أجل هذه الاعتبارات يهتف بهم أن يتقوا الله وأن يكونوا مع الصادقين الذين لم يتخلفوا ، ولم تحدثهم نفوسهم بتخلف ، ولم يتزلزل إيمانهم في العسرة ولم يتزعزع . . وهم الصفوة المختارة من السابقين والذين اتبعوهم بإحسان :
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } .
هداية وتدبر([7])
1. يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ، وَرَاقِبُوهُ بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ وَوَاجِبَاتِهِ، وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ، وَاصْدقوا وَالزَمُوا الصِّدْقَ تَكُونُوا أَهْلَهُ، وَتَنْجُوا مِنَ المَهَالِكِ، وَيَجْعَلُ اللهُ لَكُمْ فَرَجاً مِنْ أُمُورِكِمْ وَمَخْرَجاً.
2. يقول تعالى ذكره للمؤمنين معرّفهم سبيل النجاة من عقابه والخلاص من أليم عذابه: يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله، اتقوا الله وراقبوه بأداء فرائضه وتجنب حدوده، وكونوا في الدنيا من أهل ولاية الله وطاعته، تكونوا في الآخرة مع الصادقين في الجنة. يعني مع من صدق الله الإيمان به فحقق قوله بفعله ولم يكن من أهل النفاق فيه الذين يكذّب قيلهم فعلهم.
3. {يأيها الذين آمنوا} خطابٌ عام يندرج فيه التائبون اندراجاً أولياً وقيل: لمن تخلف عليه من الطلقاء عن غزوة تبوكَ خاصة {ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ} في كل ما تأتون وما تذرون فيدخل فيه المعاملةُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر المغازي دخولاً أولياً {وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} في إيمانهم وعهودِهم أو في دين الله نيةً وقولاً وعملاً أو في كل شأنٍ من الشؤون فيدخل ما ذُكر، أو في توبتهم وإنابتهم فيكون المرادُ بهم حينئذ هؤلاء الثلاثةَ وأضرابَهم.
4. الآية دالة على فضل الصدق وكمال درجته.. روي أن واحداً جاء إلى النبي عليه السلام وقال: إني رجل أريد أن أومن بك إلا أني أحب الخمر والزنا والسرقة والكذب، والناس يقولون إنك تحرم هذه الأشياء ولا طاقة لي على تركها بأسرها، فإن قنعت مني بترك واحد منها آمنت بك، فقال عليه السلام “اترك الكذب“ فقبل ذلك ثم أسلم، فلما خرج من عند النبي عليه السلام عرضوا عليه الخمر، فقال: إن شربت وسألني الرسول عن شربها وكذبت فقد نقضت العهد، وإن صدقت أقام الحد علي فتركها ثم عرضوا عليه الزنا، فجاء ذلك الخاطر فتركه، وكذا في السرقة، فعاد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ما أحسن ما فعلت، لما منعتني عن الكذب انسدت أبواب المعاصي علي، وتاب عن الكل. وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: عليكم بالصدق فإنه يقرب إلى البر والبر يقرب إلى الجنة، وإن العبد ليصدق فيكتب عند الله صديقاً وإياكم والكذب، فإن الكذب يقرب إلى الفجور. والفجور يقرب إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً، ألا ترى أنه يقال صدقت وبررت وكذبت وفجرت، وقيل في قوله تعالى حكاية عن إبليس: {فَبِعِزَّتِكَ لأَغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ*إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ}[صۤ 82،83] إن إبليس إنما ذكر هذا الاستثناء، لأنه لو لم يذكره لصار كاذباً في ادعاء إغواء الكل، فكأنه استنكف عن الكذب فذكر هذا الاستثناء، وإذا كان الكذب شيئاً يستنكف منه إبليس، فالمسلم أولى أن يستنكف منه.
5. ٱختلف في المراد هنا بالمؤمنين والصادقين على أقوال؛ فقيل: هو خطاب لمن آمن من أهل الكتاب. وقيل: هو خطاب لجميع المؤمنين؛ أي ٱتقوا مخالفة أمر الله. {وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّادِقِينَ} أي مع الذين خرجوا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم لا مع المنافقين. أي كونوا على مذهب الصادقين وسبيلهم. وقيل: هم الأنبياء؛ أي كونوا معهم بالأعمال الصالحة في الجنة. وقيل: هم المراد بقوله: {لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ} ـ الآية إلى قوله ـ {أُولَٰئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُوآ}[البقرة 177]. وقيل: هم الموفون بما عاهدوا؛ وذلك لقوله تعالى: {رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ}[الأحزاب: 23] وقيل: هم المهاجرون؛ لقول أبي بكر يوم السَّقِيفة؛ إن الله سمّانا الصادقين فقال: {لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ}[الحشر8] الآية، ثم سماكم بالمفلحين فقال: {وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَانَ} الآية. وقيل: هم الذين استوت ظواهرهم وبواطنهم. قال ابن العربي: وهذا القول هو الحقيقة والغاية التي إليها المنتهى؛ فإن هذه الصفة يرتفع بها النفاق في العقيدة والمخالفةُ في الفعل، وصاحبها يقال له الصديق كأبي بكر وعمر وعثمان ومَن دونهم على منازلهم وأزمانهم. وأما من قال: إنهم المراد بآية البقرة فهو معظم الصدق ويتبعه الأقل وهو معنى آية الأحزاب. وأما تفسير أبي بكر الصديق فهو الذي يعمّ الأقوال كلها؛ فإن جميع الصفات فيهم موجودة.
6. حقّ مَن فهم عن الله وعَقَل عنه أن يلازم الصّدق في الأقوال، والإخلاص في الأعمال، والصفاء في الأحوال، فمن كان كذلك لحق بالأبرار ووصل إلى رضا الغفار؛ قال صلى الله عليه وسلم: “عليكم بالصّدق فإن الصّدق يَهْدِي إلى البر وإن البِر يهدِي إلى الجنة وما يزال الرجل يصْدُق ويتحرّى الصدق حتى يكتب عند الله صدّيقاً“ والكذب على الضد من ذلك؛ قال صلى الله عليه وسلم: “إياكم والكذبَ فإن الكذب يَهْدِي إلى الفجور وإن الفجور يهدِي إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرّى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً“ خرّجه مسلم. فالكذب عار وأهله مسلوبو الشهادة، وقد ردّ صلى الله عليه وسلم شهادة رجل في كذبة كذبها. قال مَعْمَر: لا أدري أكذب على الله أو كذب على رسوله أو كذب على أحد من الناس. وسئل شُريك بن عبد الله فقيل له: يا أبا عبد الله، رجل سمعتُه يكذب متعمّداً أأُصلِّي خلفه؟ قال لا. وعن ابن مسعود قال: إن الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل، ولا أن يَعد أحدكم شيئاً ثم لا ينجزه، ٱقرؤوا إن شئتم {يَۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّادِقِينَ} هل ترون في الكذب رخصة؟.
7. قال مالك: لا يُقبل خبر الكاذب في حديث الناس وإن صدق في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال غيره: يقبل حديثه. والصحيح أن الكاذب لا تقبل شهادته ولا خبره؛ فإن القبول مرتبة عظيمة وولاية شريفة لا تكون إلا لمن كَمُلت خصاله ولا خَصلة هي أشرّ من الكذب فهي تعزل الولايات وتبطل الشهادات.
8. قال السمرقندي في تفسير بحر العلوم: قوله تعالى: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ} يعني اخشوا الله ولا تعصوه، يعني من أسلم من أهل الكتاب {وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} قال الضحاك يعني مع الذين صدقت نياتهم واستقامت قلوبهم وأعمالهم وخرجوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الغزو بإخلاص ونية. ويقال هذا الخطاب (للمنافقين) الذين كانوا يعتذرون بالكذب، ومعناه يا أيها الذين آمنوا في العلانية اتقوا الله وكونوا مع الثلاثة الذين صدقوا.
9. وفي المراد بالصادقين خمسة أقوال. أحدها: أنه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قاله ابن عمر. والثاني: أبو بكر وعمر، قاله سعيد بن جبير، والضحاك. وقد قرأ ابن السميفع. وأبو المتوكل، ومعاذ القارىء: «مع الصَّادِقَيْنِ» بفتح القاف وكسر النون على التثنية. والثالث: أنهم الثلاثة الذين خُلِّفوا، صدقوا النبي صلى الله عليه وسلم عن تأخُّرهم، قاله السدي. والرابع: أنهم المهاجرون، لأنهم لم يتخلَّفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجهاد، قاله ابن جريج. قال أبو سليمان الدمشقي: وقيل: إن أبا بكر الصديق احتج بهذه الآية يوم السقيفة، فقال: يا معشر الأنصار، إن الله يقول في كتابه: {للفقراء المهاجرين الذين أُخِرجوا} إلى قوله: {أولئك هم الصادقون} [الحشر8] من هم؟ قالت الأنصار: أنتم هم. قال: فان الله تعالى يقول: {اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} فأمركم أن تكونوا معنا، ولم يأمرنا أن نكون معكم، فنحن الأمراء وأنتم الوزراء. والخامس: أنه عامّ، قاله قتادة و«مع» بمعنى «مِنْ»، وكذلك هي في قراءة ابن مسعود: «وكونوا من الصادقين».
10. الكذب عار، وأهله مسلوبو الشهادة، وقد رد - صلى الله عليه وسلم - شهادة رجل فى كذبة كذبها. وسُئل شريك بن عبد الله فقيل له: يا أبا عبد الله، رجل سمعته يكذب متعمداً، أصلى خلفه؟ قال: لا.
11. أخرج أحمد والبيهقي في الشعب عن أبي مالك الجشمي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «أرأيت لو كان لك عبدان أحدهما يخونك ويكذبك حديثاً، والآخر لا يخونك ويصدقك حديثاً أيهما أحب إليك؟ قال: قلت: الذي لا يخونني ويصدقني حديثاً، قال: كذلك أنتم عند ربكم عز وجل”. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبيهقي عن أسماء بنت يزيد “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال: ما يحملكم على أن تتابعوا على الكذب كما يتتابع الفراش في النار، كل الكذب يكتب على ابن آدم إلا رجل كذب في خديعة حرب، أو إصلاح بين إثنين، أو رجل يحدث امرأته ليرضيها”. وأخرج ابن عدي والبيهقي وضعفه عن أبي بكر رضي الله عنه “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الكذب مجانب للإِيمان”. وأخرج ابن عدي والبيهقي عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يطبع المؤمن على كل شيء إلا الخيانة والكذب». وأخرج أحمد وهناد بن السري رضي الله عنه في الزهد وابن عدي والبيهقي عن النوّاس بن سمعان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثاً هو لك مصدق وأنت به كاذب». وأخرج أحمد والبيهقي عن أسماء بنت عميس قالت «كنت صاحبة عائشة التي هيأتها، فأدخلتها على النبي صلى الله عليه وسلم في نسوة، فما وُجدنا عنده قرى إلا قدح من لبن، فتناوله فشرب منه ثم ناوله عائشة، فاستحيت منه فقلت: لا تردي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأخذته فشربته، ثم قال: ناولي صواحبك. فقلت: لا نشتهيه. فقال: لا تجمعن كذباً وجوعاً. فقلت: إن قالت إحدانا لشيء تشتهيه لا أشتهي أيعدُّ ذلك كذباً. فقال: إن الكذب يكتب كذباً، حتى الكذيبة تكتب كذيبة”. وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد والبيهقي عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: «جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتنا وأنا صبي صغير، فذهبت ألعب فقالت أمي لي: يا عبد الله تعال أعطيك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما أردت أن تعطيه؟ قالت: أردت أن أعطيه تمراً قال: «إما أنك لو لم تفعلي لكتبت عليك كذبة». وأخرج الطيالسي وأحمد والترمذي وصححه والدارمي وأبو يعلى وابن حبان والطبراني والبيهقي والضياء عن الحسن بن علي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة”. وأخرج ابن عدي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته «إن أعظم الخطيئة عند الله اللسان الكاذب”. وأخرج ابن عدي عن أبي بكر الصديق قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «الصدق أمانة والكذب خيانة”. وأخرج ابن ماجه والحكيم والترمذي في نوادر الأصول والخرائطي في مكارم الأخلاق والبيهقي عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال: قلنا يا رسول الله من خير الناس؟ قال «ذو القلب المحموم واللسان الصادق، قلنا: قد عرفنا اللسان الصادق فما القلب المحموم؟ قال: التقي النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد. قلنا يا رسول الله: فمن على أثره؟ قال: الذي يشنأ الدنيا ويحب الآخرة، قلنا ما نعرف هذا فينا إلا رافعاً مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن على أثره؟ قال: مؤمن في حسن خلق. قلنا: أما هذا ففينا». وأخرج البيهقي عن عمر بن الخطاب قال “لا تنظروا إلى صلاة أحد ولا إلى صيامه، ولكن انظروا إلى من إذا حدث صدق، وإذا ائتمن أدى، وإذا أشفى ورع». وأخرج البيهقي عن أنس قال: إن الرجل ليحرم قيام الليل وصيام النهار بالكذبة يكذبها. وأخرج ابن عدي والبيهقي عن محمد بن سيرين قال: الكلام أوسع من أن يكذب ظريف. وأخرج البيهقي عن مطر الوراق قال: خصلتان إذا كانتا في عبد كان سائر عمله تبعاً لهما، حسن الصلاة وصدق الحديث. وأخرج البيهقي عن الفضيل قال: لم يتزين الناس بشيء أفضل من الصدق، وطلب الحلال. وأخرج البيهقي عن عبد العزيز بن أبي رواد قال: أبرار الدنيا الكذب وقلة الحياء، من طلب الدنيا بغيرهما فقد أخطأ الطريق والمطلب، وأبرار الآخرة، الحياء والصدق، فمن طلب الآخرة بغيرهما فقد أخطأ الطريق والمطلب. وأخرج البيهقي عن يوسف بن أسباط قال: يرزق العبد بالصدق ثلاث خصال، الحلاوة والملاحة والمهابة. وأخرج البيهقي عن أبي روح حاتم بن يوسف قال: أتيت باب الفضيل بن عياض فسلمت عليه فقلت: يا أبا علي معي خمسة أحاديث إن رأيت أن تأذن لي فأقرأ. فقال لي: اقرأ. فقرأت فإذا هي ستة فقال لي: أن قم يا بني تعلم الصدق ثم اكتب الحديث. وأخرج ابن عدي عن عمران بن الحصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب». وأخرج ابن عدي عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن في المعاريض ما يغني الرجل العاقل عن الكذب».
لطائف
12. أمر تعالى المؤمنين بالكون مع الصادقين، ومتى وجب الكون مع الصادقين فلا بد من وجود الصادقين في كل وقت، وذلك يمنع من إطباق الكل على الباطل، ومتى امتنع إطباق الكل على الباطل، وجب إذا أطبقوا على شيء أن يكونوا محقين. فهذا يدل على أن إجماع الأمة حجة.
13. قال مُطرِّف: سمعت مالك بن أنس يقول: قلما كان رجل صادقاً لا يكذب إلا مُتّع بعقله ولم يصبه ما يصيب غيره من الهرم والخرف.
14. قال الحسن البصري: إن أردت أن تكون مع الصادقين، فعليك بالزهد في الدنيا، والكف عن أهل الملة.
15. هذه الآية تنبيه على رتبة الصدق، وكفى بها أنها ثانية لرتبة النبوة في قوله: { فأولٰئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين }.
16. الأمر بـ {كونوا مع الصادقين} أبلغ في التخلق بالصدق من نحو: اصدقوا. ونظيره.
17. هنام فرق بين {وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّادِقِينَ} و"كونوا من الصادقين"، فقول الحق: {وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّادِقِينَ} أي: التحموا بهم فتكونوا في معيّتهم وبعد أن تلتحموا بهم يأتي الذين من بعدكم ويجدونكم مع الصادقين.
[1] . خواطر محمد متولي الشعراوي.
[2] . إعراب القرآن وبيانه: محي الدين درويش.
[3] . تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي.
[4] . تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي.
[5] . {وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }التوبة118
[6] . في ظلال القرآن.
[7] . انظر: جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري. مفاتيح الغيب/ الرازي. تفسير القرآن الكريم/ ابن كثير. بحر العلوم/ السمرقندي. زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي. مدارك التنزيل وحقائق التأويل/ النسفي. اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل. الدر المنثور في التفسير بالمأثور/ السيوطي. إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود. أيسر التفاسير/ أسعد حومد. خواطر محمد متولي الشعراوي. الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي.