من قواعد الأصوليين في قراءة النص القرآني 6

من قواعد الأصوليين في قراءة النص القرآني

ذ. امحمد رحماني

[email protected]

6 – إدراك فقه النص :

ويقصد به ضبط العلاقة بين القارئ وفقه النص ، ويقصد به أيضا سلطة النص : وهي قدرته على تحقيق معنى ما يتمتع بقدرٍ من الإلزام ويقبل التثبيت(2) حتى ينضبط  الفهم ويصح الاستنباط ويظهر النظر الصحيح وذلك من خلال المعطيات التي يقدمها النص بالفهم والإفهام الكامنين فيه بحيث يضع بذلك حدودا تلزم القارئ بها من إصغاء للنص واكتشاف دلالاته وفهم معناه والتعبد بمقتضاه(3) ، لذلك فقد عمل الأصوليون على وضع هذا الضابط ملزمين به للقارئ مع النص ، المساءلة واختبار الاحتمالات والغوص في أعماق الدلالة بقسميها: دلالة النص ودلالة معقول النص ، حتى لا يكون النص الديني عبارة عن لعبة لكل من أراد أن يلعب بها ، فهو بلاغ يجب تأديته بأمانة كما أراده صاحبه لفظا ومعنى بلا زيادة ولا نقصان ولا تقديم ولا تأخير ولا حذف ولا تلبيس وهذا يقتضي صون كلام المتكلم من العبث وكذلك صون فهم السامع من الخطأ وهو ما عبر عنه ابن القيم بقوله "فهم لوازم المعنى ونظائره ومراد المتكلم بكلامه ومعرفة حدود كلامه بحيث لا يدخل فيها غير المراد ولا يخرج منها شيء من المراد ولما كان المقصود بالخطاب : دلالة السامع وإفهامه مراد المتكلم من كلامه وأن يبين له ما في نفسه من المعاني كان ذلك موقوفا على أمرين : بيان المتكلم وتمكن السامع من الفهم فإن لم يحصل البيان من المتكلم أو حصل ولم يتمكن السامع من الفهم لم يحصل مراد المتكلم فإذا  بين المتكلم مراده بالألفاظ  الدالة على مراده ولم يعلم السامع معاني تلك الألفاظ لم يحصل له البيان "(4) وقال الشاطبي " فاللازم الاعتناء بفهم معنى الخطاب لأنه المقصود والمراد وعليه ينبني الخطاب ابتداء وكثيرا ما يغفل هذا النظر بالنسبة للكتاب والسنة فتلتمس غرائبه ومعانيه على غير الوجه الذي ينبغي فتستبهم على الملتمس وتستعجم على من لم يفهم مقاصد العرب فيكون عمله في غير معمل ومشيه على غير طريق والله الوافي برحمته "(5) من ذلك يكون التزام القارئ بمقاصد النص وطرق بيانه وأساليب فهمه أمر ضروري وملزم وأن أي قراءة لا تخضع لتلك الشروط فإنما هي عبارة عن تهجم على مفهوم النص ومقصوده وفقهه ، فلا بد من فهم معنى اللفظ فهما مبنيا على تلك القواعد والضوابط وقد بين القرافي بعض العلاقات التي تجمع بين اللفظ والمعنى فقال :" يحمل اللفظ على :

الحقيقة دون المجاز ، والعموم دون التخصيص ، والإفراد دون الاشتراك ، والاستقلال دون الإضمار ، وعلى الإطلاق دون التقييد ، وعلى التأصيل دون الزيادة ، وعلى الترتيب دون التقديم والتأخير ، وعلى التأسيس دون التأكيد ، وعلى البقاء دون النسخ ، وعلى الشرعي دون العقلي ، وعلى العرفي دون اللغوي " إلا أن يدل دليل على خلاف ذلك "(6).

               

* - باحث ومفكر مغربي

1 – انظر البعد المصدري لفقه النصوص . ص : 117 .

2 – انظر إسهام الأصوليين في دراسة صلة اللفظ بالمعنى للدكتور مصطفى بنحمزة ص : 418 .

3 – انظر الموافقات 3/410 .

4 – انظر مختصر الصواعق المرسلة للموصلي 1/502 .

5 – انظر الموافقات 2/88-89 .

6 – انظر الذخيرة 1/72 .