سبعون عاما في حضن اللغة العربية 33

سبعون عاما في حضن اللغة العربية

الحلقة الثالثة والثلاثون

في جامعة الملك فهد بالسعودية

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

جامعة الملك فهد للبترول والمعادن جامعة سعودية تقع في مدينة الظهران بين شركة ارامكو السعودية وقاعدة الملك عبدالعزيز الجوية والقنصلية الأمريكية بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية افتتحت في عهد الملك فيصل رحمه الله يوم الثلاثاء 8 شوال 1384ه الموافق 9 فبراير 1965م. تبعد عن مدينة الخبر قرابة ثلاثة كيلومترات وعن مدينة الدمام قرابة عشرين كيلومتراً. تشغل الجامعة مساحة 1600 فدان من المباني الأكاديمية وتحوي سكناً للطلاب والموظفين والاساتذة و عدداً من المراكز الرياضية والمباني الخدمية. وتخدم الجامعة أبناء المنطقة الشرقية للمملكة العربية السعودية ، كما أنها تستقطب كل عام مئات الطلبة من مختلف مناطق المملكة العربية السعودية. تعتبر من أصغر الجامعات الحكومية السعودية حيث يبلغ عدد طلابها أقل من عشرة آلاف طالب ، إلا أنها تتميز بالكيف وليس بالكم.

أنشئت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بموجب مرسوم ملكي صدر في 5 جمادى الاولي 1383ه (23/9/1963م). وقد أطلق عليها آنذاك اسم “ كلية البترول والمعادن “ وفي 5/1/1395ه ، صدر مرسوم ملكي بتعديل اسمها إلى “ جامعة البترول والمعادن “ ، وفي 23/4/1407ه ، تم تعديل اسمها إلى “جامعة الملك فهد للبترول والمعادن “ ، بعد الزيارة التي تفضل بها خادم الحرمين الشريفين للجامعة.

ولقد شهدت الجامعة منذ إنشائها تطوراً كبيراً في أعداد الطلاب الملتحقين بها ، والمتخرجين منها، وأعضاء هيئة التدريس والموظفين . كما انعكس هذا التطور في جميع منشآت الجامعة ومرافقها.فقد بلغ عدد الطلاب الذين التحقوا بها عندما فتحت أبوابها في 23 سبتمبر 1964م (67) طالباً. ومنذ ذلك الحين والجامعة آخذة في النمو بشكل متزايد حتى بلغ عدد طلابها أكثر من 10000 طالب في العام الدراسي 2005 /2006م.

     وأهم كلياتها  : كلية العلوم الهندسية ، وكلية الهندسة التطبيقية، وكلية العلوم ، وكلية الإدارة الصناعية، وكلية تصاميم البيئة، وكلية علوم وهندسة الحاسب الآلي ، وعمادة الدراسات العليا.

**********

أنهيت خدمتي  بمصر في 31/ 7  /1990 ورشحني الدكتور زغلول النجار للعمل بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن . وكان الدكتور زغلول النجار  أطال الله في عمره  يعد من خيرة الأساتذة وأشهرهم في الجامعة . وكان تسلمي العمل في الجامعة في 1/9/1990 وانطلقت بنا الطائرة إلى جدة في الثانية والنصف مساء ، وأقلعت من جدة إلى الظهران ، ووصلنا إليها في السابعة والنصف . كنت أعتقد أنني سأقرأ لافتة مكتوبة بخط كبير يحملها موظف من الجامعة ، أو أسمع صوتا يستدعيني بالميكروفون ، فلم أجد هذا أو ذاك .

ولكني وجدت أحد السعوديين يسألني عن اسمي . إنه " محمد الشماسي " المحاضر بجامعة الملك فهد ، جاء بسيارته هو وابنه أيمن لاستقبالنا ، وكان أول سؤال وجهه إلينا :

     فين سامح وعبير ؟

     لم يحضرا بسبب المرض ، ويحضران بعد ثلاثة أسابيع إن شاء الله .

انطلقت بنا السيارة إلى حرم الجامعة ... مساحة واسعة شاسعة ، ومبان متعددة .

علينا أن نتجه إلى مبنى الاستقبال ، حيث قابلونا بحفاوة بالغة ، وسلمني الموظف المسؤول 500 ريال كقرض أرده من مرتب الشهر الأول ، وتسلمت مفتاح السكن : فيلّا من طابقين بثلاث حجرات نوم ، وغرفة للطعام ، وأخرى للجلوس ... فيلا جميلة مجهزة ، وإن كانت بلا حديقة ، ووجدنا في الثلاجة فاكهة وجبنا وبيضا ، فقد قدر القوم مدى احتياج القادم الجديد إلى الطعام . وفي الحادية عشرة مساء رحنا  في الدور العلوي من الفيلا  في نوم عميق .

**********

في اليوم التالي 2 / 9 / 1990 ... في العاشرة صباحا صحبني الأخ محمد الشماسي معه في سيارته إلى الجامعة ، وفي ساعة واحدة أنهيت  بمساعدة الأخ محمد  كل الإجراءات الخاصة بالإقامة ، والقيام بالعمل ، وإجراءات الاتصال الهاتفي الدولي وصندوق البريد الخاص بي ... لا روتين ... ولا تعقيد .

والليلة في الثامنة كانت سعادتي وسعادة أم الأبناء غامرة ، ونحن نتصل هاتفيا بالأبناء في القاهرة . وشعرت بأنهم سعدوا جدا بهذه المكالمة .

وكانت خاتمة مطاف اليوم تناول العشاء في منزل الأخ محمد الشماسي ، وكانت جلسة أسرية طيبة جدا ، وعلى مدى ثلاث ساعات كان حديثنا ذا شجون . حمدا لله رب العالمين .

وفي يوم الأربعاء 5 / 9 / 1990  أرتديت الزي الرياضي وزاولت المشي ... رياضة العواجيز من أمثالي ، كان الجو حارا ، والرطوبة زائدة ، ولكن الجو  الذي لا تقل درجة الحرارة فيه عن 40 درجة  كان محتملا إلى حد كبير .

وبدأت قراءتي بديوان من وحي الدعوة الإسلامية لإبراهيم عبد الفتاح ، وقراءة القصائد الشعرية في المجلة العربية . وتعرفت على هيئة التدريس بالجامعة وكان رئيس قسم اللغة العربية هو الدكتور محمد الملا  . ومن الأساتذة الفلسطينين : حامد القنيبي ، والشاعر حسن قرعاوي ، وعبد الله المشوخي . وعاودتني هوايتي لنظم الشعر ، فنظمت قصيدة بعنوان " الضاربون في الظلام " منها الأبيات الأتية :

أيها  المدلجون في حلك iiالليل
بـعـيـون  محرقات iiالمآقي
والـمدى حولهم فحيح iiوشوك
قـد  تـولته عاتيات iiالأفاعي
حيث سدت مسارح الليل iiفيها




حـيـارى أضـناهم iiالإدلاج
وغـبـار الأسى عليهم iiرتاج
والطريق الطويل فيه اعوجاجُ
والأعـاصير  سعرتها الفجاج
والـثنيات  .. كلها .. iiأحرج

**********

وكان العاشر من سبتمبر هو اليوم الأول مع زملاء القسم . ودعاني الأخ محمد الملا للاشتراك في أمسية شعرية في النادي الأدبي بالدمام ، فألقيت قصيدتين إحداهما الزحف المدنس التى أربت على الخمسين بيتا ومطلعها :

إلى  أين  تزحف  يا فيلق        وقد ريع من زحفك المشرق

كتائب تحت جناح الظلام         وعدتها   الناسف   المحرق

أما القصيدة الثانية فعنوانها : إلى الشعراء المربديين ( نسبة إلى المربد العراقية ، وأقصد بها الشعراء المنافقين ) ومطلعها :

بوءوا بإثم الوثن

أنتم  وليس غيركم 

صنعتموه من تراب عفِنِ

من كل بؤرةٍ حقيرةٍ

أخذتم قبضة

... عجنتموها طيلة

فيها نفختم روحكمْ

زرعتموا نخاعكمْ 

 حتى استوى صدام 

  **********

وعشت مع كتاب رائع للدكتور زغلول النجار عنوانه " أزمة التعليم المعاصر وحلولها الإسلامية " .

وخطرت لي فكرة قصيدة ملحمية جديدة طويلة بعنوان : مذكرات جندي عراقي في الكويت المنهوبة . وانطلقت بقلمي ووجدتني أكتب كتابة طيبة جدا ، وآمل أن أكمل الكتابة بعد يومين .

وفي داخل الجامعة لم أنس شعر المداعبات ، وأشهره قصيدة مداعبتي للدكتور الزميل حامد قنيبي الذي كان يحاول تشجيع الأخ الشاعر حسن قرعاوي إذا أنشد شعرا ، ولا أنال منه مثل هذا النصيب ، فهددته بقصيدة طويلة بعنوان " المعلقة الحامدية "  أو " وثيقة الولاء " .  ومنها الأبيات الآتية : 

 

تُرَجَّى لِخَيْرَ العَالَمينَ المحامدُ

 

ويَفْتَح بابَ الشِّعْرِ للشرِّ حَامِدُ

 

فمنْ ذا الذي أغرَاكَ بالشَّر يا فتىً

 

وأنْتَ بحُضْنِ السِّلمِ والسَّعْدِ راقدُ

 

تُشِّجعُ قَرّعاوي إذا سالَ شِعْرُهُ

 

وتتْركني وَحْدِي بشعْرِي أُجاهد

 

تُهلِّلُ إمَّا قال "مَرْحى ومرْحبًا"

 

وإنْ قلتُ يلْزَمْكَ الصُّماتُ المناكِدُ

 

وتَهْتِفُ إنْ غنَّى "برافُوا أَعِدْ أَعِدْ"

 

وشعرِيَ  إن أنشدْتُ  عندَك كاسِدُ

     وختمتها بقولي :

 

وإن خُنْتَ بَنْدًا من بُنودِ اتفاقِنا

 

فليسَ سوى ما قدْ أذقتُك عائدُ

 

وساعتَها تبكي عليكَ ثَوّاكِلٌ

 

ويَبْكيكَ منا مستقِرٌّ ووافدِ

 

وأبكي دَمًا بدلَ الدموع تأسُّفًا

 

فَحزْنِي غَلابٌ، وصبرِيَ نَافِدُ

 

عليك سلامُ اللهِ في الخُلْدِ حامِدٌ

 

وهذي مَرَاثيُّ البواكي قَلائدُ

  **********

ومن قبيل الوفاء أرسلت عن طريق بريد الجامعة الرسائل الآتية إلى كل من : 

1-  الدكتور عبد الله جمال الدين .

2-  مجلة لواء الإسلام مع قصيدة " الضاربون في الظلام " .

3-  الدكتور ابراهيم صالح المعتاز الرياض .

4-  مجلة الحرس الوطني بالرياض مع قصيدة " الزحف المدنس  " .

5-  مبنى الإذاعة والتليفزيون بالرياض مع قصيدة " الزحف المدنس " .

6-  صحيفة الرياض مع قصيدة " الزحف المدنس"  .

إنها المرة الأولى التي أكتب وأرسل فيها هذا العدد من الرسائل ، وأنفتح على هذه الجهات كلها دفعة واحدة .

ومن أعماقي أدعو الله أن يزيدني علما ، ويمنحني القدرة على الإبداع دائما وينعم على بالصحة والعافية ، والقدرة على فعل الخير وخدمة الإسلام ، إنه نعم المولى ونعم النصير .

وبدأنا التعرف على المناطق المحيطة بالظهران ، وطبعا أخذت زوجتي تشتري ما تريد من هذه المناطق ، وهي : الثقبَة ، والخُبَر ، والدمام . وأغلب البضائع المعروضة في هذه المناطق مستوردة من الخارج . 

وتوثقت الصلة بيني وبين الزملاء وخصوصا الذين ينتسبون إلى جماعة الإخوان ، ومن هؤلاء الأخ عبد العزيز أبو الصقر ، والأخ الدكتور مفيد أبو عمشة . ولا ننسى وليمته التى أقامها في منزله  في 14 مايو 1997 ، على لون جديد من الطعام اسمه " المنسف " . وقد أهديته قصيدة مدح بمناسبة هذه الوليمة الطيبة ، جاء في مطلعها : (والكلام منسوب إلى زوجتي) :

تـقولُ  بوجه فاض بشرًا iiوفرحة
فـفول  وجرجير وصحن بصارة
وشـربة  عدس من يراها iiيظنها
وجبن  قريش غير طرشي وعجة
فـقـلت  ذريني اليوم يا أم ياسر
وعـدسك والفول المدمس iiراعني
فـحـتام  أبقى رهن أكل iiمهمش
ذريـنـي  أسـعـى للوليمة iiإنه
أأسـتـبـدل الأدنى بما هو iiخير








إلـيك  عشاء عنه يعجز iiواصفُ
وطـعـمية تشفي العليل iiوتسعف
مذوب نضار باسمها القلبُ iiيهتف
يـحيط  بها أرز سخين، وأرغف
فأكلك  أعياني، وما زلت iiأضعف
فصرت  كأني نحو حتفي iiأزحف
وفي قيد عدس أو بصارة أرسف؟
"أبو  مصعب" الفذ المفيد iiالمعرفُ
ولم يغن عن لحم الطناجر iiأرغف

**********

وأكرر أنني بحمد الله كنت موضع ثقة الطلاب وحبهم ، فتكاثروا على اختيار الفصول  التى أدرس فيها المادة 400 ( مادة الأساليب العربية ) . وزيادة على ذلك كنت أقوم بتدريس مادة 466 ( حاضر العالم الإسلامي ) .

واتصل بي هاتفيا الدكتور محمد الملا  ودار بيني وبينه الحديث التالي :

 هل تستطيع أن تدرس اللغة العربية للأجانب ؟

 نعم أستطيع بفضل الله ، فلي تجارب سابقة في هذا المجال .

 إذن تقوم أنت بتدريس هذه المادة بدلا من الدكتور قرعاوي .

 ولماذا لا يقوم بها الدكتور أحمد المعتوق ؛ وهو حاصل على الدكتوراة من الخارج؟

 إنه غير قدير على تدريس هذه المادة .