حكايا الطوابع 3

شمس الدين العجلاني

حكايا الطوابع

تذكار استقلال سورية المتحدة

" 3 "

شمس الدين العجلاني*

[email protected]

قيمة هذا الطابع وصلت إلى خمسة دنانير ذهبية

في الساعة الثالثة من بعد ظهر يوم الاثنين الواقع في الثامن من آذار عام 1920 م وقف المجاهد عزه دروزة " باحث و كاتب و سياسي و عضو المؤتمر السوري الأول " على شرفة دار بلديه دمشق التي كانت قائمة في ساحة المرجة  وأعلن على الجماهير التي جاءت محتشدة من كافة أنحاء سورية الواحدة .. لتستمع لمقررات المؤتمر السوري الأول الذي كان قد اجتمع في السابع من آذار ، ممثلا في عضويته كافة أقاليم سورية الطبيعية .. أعلن باسم السوريين من خلال المؤتمر السوري الأول (البرلمان آنذاك ) بيان استقلال سورية بحدودها الطبيعية  , وتمت المناداة بالأمير فيصل ملكا دستوريا عليها , وتوج في بهو بلدية دمشق .

بيان استقلال سورية :                                        
و مما جاء في بيان استقلال سورية :" ... نحن أعضاء هذا المؤتمر، رأينا بصفتنا الممثلين للأمة السورية في جميع أنحاء القطر السوري تمثيلاُ صحيحاً، نتكلم بلسانها ونجهر بإرادتها، وجوب الخروج من هذا الموقف الحرج، استناداً على حقنا الطبيعي والشرعي في الحياة الحرة، وعلى دماء شهدائنا المراقة، وجهادنا المديد في هذا السبيل المقدس، وعلى الوعود والعهود والمبادئ السامية السالفة الذكر، وعلى ما شاهدناه ونشاهده كل يوم من عزم الأمة الثابتة على المطالبة بحقها ووحدتها والوصول إلى ذلك بكل الوسائل، فأعلنا بإجماع الرأي استقلال بلادنا السورية بحدودها الطبيعية، ومن ضمنها فلسطين، استقلالاً تاماً لا شائبة فيه على الأساس المدني النيابي، وحفظ حقوق الأقلية، ورفض مزاعم الصهيونيين في جعل فلسطين وطناً قومياً لليهود أو محل هجرة لهم.

وقد اخترنا سمو الأمير فيصل بن جلالة الملك حسين، الذي واصل جهاده في سبيل تحرير البلاد وجعل الأمة ترى فيه رجلها العظيم، ملكاً دستورياً على سوريا بلقب صاحب الجلالة الملك فيصل الأول، وأعلنا انتهاء الحكومات الاحتلالية العسكرية الحاضرة في المناطق الثلاث، على أن يقوم مقامها حكومة ملكية نيابية مسؤولة تجاه هذا المجلس في كل ما يتعلق بأساس استقلال البلاد التام إلى أن تتمكن الحكومة من جمع مجلسها النيابي، على أن تدار مقاطعات هذه البلاد على طريقة اللامركزية الإدارية، وعلى أن تراعى أماني اللبنانيين الوطنية في إدارة مقاطعتهم لبنان ضمن حدوده المعروفة قبل الحرب بشرط أن يكون بمعزل عن كل تأثير أجنبي. " و بهذه المناسبة العظيمة قامت الحكومة آنذاك بإصدار طابعا خاصا تخليدا لاستقلال سوريه الطبيعية . و سميت سورية آنذاك باسم سورية المتحدة ، ثم ما لبثت ان سميت المملكة السورية .

 تذكار استقلال سورية المتحدة :

أرادت الحكومة الفيصليه التي كانت قائمة آنذاك ، تخليد هذه المناسبة السعيدة على قلوب كل السوريين ، فعهدت إلى حسن الحكيم مدير البريد و البرق العام ،  الذي أصبح فيما بعد وزيرا ثم رئيسا لمجلس الوزراء السوري "  بالعمل على إصدار طابع بريدي خاص بهذه المناسبة .

لم تكن هنالك الإمكانيات المتطورة و السريعة لإصدار مثل هذا الطابع فقام على وجه السرعة مدير البريد بأخذ احد الطوابع التي سبق و أصدرتها الحكومة الفيصلية باسم المملكة السورية ، و وشحة باللون الأسود المذهب بعبارة" تذكار استقلال سورية المتحدة 8 آذار 1920 " و ذلك في مطبعة شورى التي كانت قائمة آنذاك و هذا الطابع من فئة خمسة مليمات ، و مزخرف على الطريقة العثمانية ، و وشح منه بالعبارة المذكورة لايزيد عن السبعمائة وخمسين طابعاً. و تم التوشيح  يدويا باستعمال حبر أسود مخلوط بماء الذهب أما فترة التوشيح فكانت خلال ساعات  معدوده .

و لإدراك  حسن الحكيم لأهمية هذا الطابع في الحياة السورية ، و للمناسبة العظيمة لإصداره فقد قام بإعداد كتاب إهداء بتوقيعه الصق علية الطابع وختمه بخاتم خاص يحمل عبارة " شام 8-3- 1920 "  باللغتين العربية والأجنبية . و جاء في كتاب الإهداء : " تذكاراً لهذا اليوم التاريخي المجيد، يوم استقلال سورية العربية المتحدة على يد صاحب الجلالة مليكها فيصل بن الحسين المعظم، أقدم إلى فخامتكم نموذجاً من الطوابع البريدية التي طُبعت في دمشق عاصمة الملك وبديء باستعمالها اعتبارا من ساعة البيعة احتفاء وابتهاجاً، داعياً الله عز وجل بأن يجعل حياة هذه الأمة محفوفة بالمجد الخالد والعز الدائم وأطال الله بقاء سيدي ". و يقول سامي الحسني انه صدر من هذا الطابع كمية محددة جدا (750 طابعاً) .
الصق منه على كتاب الإهداء (150 كتاب إهداء) من أصل 366 طابعاً بيع قسم منها للجمهور والقسم الآخر تمّ بواسطته تخليص الرسائل المسافرة بعد مهرها بخاتم المناسبة الخاص وخلال زمن محدود جداً وهو الذي استغرقه إطلاق مائة طلقة مدفع وطلقة أثناء حفل التتويج في دار البلدية . لم يتم إتلاف الطوابع المتبقية (234 طابعاً) بل تمّ تقديمها للمتحف الوطني بدمشق ضمن دفتر إهداء وذلك بغية حفظها للأجيال القادمة شاهداً حياً على الاستقلال الأول . 
                        

تزوير الطابع :

تعتبر مجموعه الطوابع الفيصليه من أهم الطوابع السورية ، و يعتبر طابع تذكار استقلال سوريه على قائمة أندر الطوابع السورية على الإطلاق ، و أعلاها قيمة منذ اصدره حنى الآن ، فحين صدر هذا الطابع في 8 آذار 1920 م و خلال أيام لم يعد يعثر عليه في الأسواق أو مراكز البريد و البرق ، فذكرت عده صحف صادره آنذاك  أن قيمة هذا الطابع قد وصلت إلى خمسة دنانير ذهبية ، فهذا الطابع هو الطابع التذكاري الوحيد الذي صدر في عهد المملكة السورية . و هذا مما دعا بعض ضعيفي النفوس للقيام بتزوير طابع " استقلال سوريه " فقد ورد في جريده العاصمة " و هي الجريده الرسمية " في عددها رقم 120 تاريخ 26 نيسان عام  1920 , ان المدير العام للبريد و البرق  حسن الحكيم أرسل إلى الجريدة كتابا يوضح فيه أن هذا الطابع تعرض للتزوير فيقول في كتابه : " بلغنا أن بعض من لاخلق لهم من عشاق المنافع الشخصية اجترأوا على وسم بعض الطوابع العربية المستعملة حديثاً بكلمة " تذكار استقلال سورية المتحدة 8 آذار 1920 " تقليداً لتلك الطوابع التي استعملت بهذا الوسم يوم مبايعة جلالة الملك المعظم وإعلان استقلال سورية للاستفادة من الثمن الباهظ الذي بلغته هذه الطوابع . وبما أن عدد الطوابع الموسومة بالعبارة المذكورة كان لايزيد عن السبعمائة وخمسين طابعاً , وكان لون احمرارها فاتحا جداً بعكس الطوابع التي نستعملها الآن الكثيرة الاحمرار فضلاً عن عدم مشابهة أشكال الكلمات والحروف فإننا نحذر الناس من أن تنطلي عليم حيّل المزورين وندعوهم لرفض مالا يكون مختوماً منها بخاتم بريد ذلك اليوم . وقد أخذنا بالتحقيق الدقيق للتوصل لمعرفة المزورين لينالوا ما يستحقونه من العقاب . والسلام . "

يتبع

               

* صحفي وكاتب