أوقفوا هذا الهدر

منى محمد العمد

[email protected]

كلنا قاطعنا الدانمرك والبضائع الدانمركية انتصارا لعقيدتنا الإسلامية السمحة , ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وكانت هذه الحادثة ـ أعني الإساءة لخير خلق الله ـ وإن كان فيها مافيها من شر ففيها جوانب خير كثيرة " لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير " , أكاد من خلال هذه الحادثة أن ألمح ظلال الأسلمة القادمة وهي تنتشر فتحمي الإنسانية من نير العولمة أو بتجريد أكبر الأمركة .

ستعود شمس الإسلام فتشرق من جديد لينعم العالم كله بشريعة تعيد للإنسان إنسانيته وحريته وكرامته بغض النظر عن عرقه ولونه وجنسه بل وحتى دينه ، وما هذه الأحداث الجسام التي يشهدها العالم إلا إرهاصات للعودة الميمونة لهذا الدين العظيم .

لماذا العداء الأمريكي والغربي للإسلام ؟ بل لماذا الخوف من الإسلام ، إنها أسباب أبي لهب وأبي جهل وعبد الله بن أبي بن سلول فأولئك أرادوا أن تكون لهم السيادة في الجزيرة العربية فيسيطرون بمفتاح الكعبة على كل القبائل العربية والقوافل التجارية ويحتفظون بامتيازاتهم التي تتيحها لهم هذه المكانة الخاصة ، فجاء الإسلام يسحب من تحت أقدامهم البساط ويرد الأمر كله لله , فما وجدوا أمامهم إلا معاداته تمسكا بتلك الامتيازات التي منحتها لهم مكانتهم بين القبائل . وهؤلاء يحلمون بالسيطرة على العالم من خلال التحكم بالاقتصاد العالمي وأسلحة الدمار فيكون بأيديهم الترغيب لمن أطاع والترهيب لمن عصى ، وهم يعلمون القوة الكامنة في الإسلام ويعلمون أنه أمل الشعوب المقهورة في العدالة الاجتماعية ورد الأمر إلى نصابه ، فلم يروا أمامهم إلا الكيد له ، وكيل الاتهامات له تنفيرا للناس منه وتخفيفا من إقبالهم المتزايد عليه ، وربما ظنوا بأنهم نجحوا في مبتغاهم  ، حتى جاءت قضية الإساءة إلى نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام وأصابتهم ردود الأفعال غير المتوقعة بالخيبة ، بذلوا الكثير من الجهود والأموال والأوقات ,  ورسموا المخططات لإبعاد المسلمين وخاصة فئة الشباب عن دينهم وقضاياهم ، وما أن صاح بهم من جانب الغرب صائح حتى هبت الشعوب الإسلامية كلها من عرب ومن عجم في مشارق الأرض ومغاربها وفي مقدمتهم الشباب هبت لتدافع عن كرامتها ووجودها وعن نبيها الكريم . ( إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله

فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون )  

وهذه تركيا أكبر شاهد على ذلك ، قبعت تحت نير العلمنة سنين طوال ، ومنع الحجاب فيها ، وأغلقت المدارس الدينية ومنعت اللغة العربية ، واستبدلت الحروف العربية التي كانت تكتب بها اللغة التركية استبدلت بالحروف اللاتينية ، وما أن امتدت الريشة الجاهلة الأثيمة بالاعتداء على الرسول الكريم حتى خرجت من تركيا المسيرة المليونية التي بهرت العالم بتنظيمها وهدوئها ، ووقفت الطفلة الصغيرة تلقي قصيدة في التغني بأخلاق الرسول  صلى الله عليه وسلم ، فأبكت مئات الألوف شباناً وشيباً ، وقام فيهم رجل عربي خطيباً  ليكون شاهداً على الوحدة الإسلامية في أبدع صورها , وعلى انتماء تركيا للعروبة والإسلام بعد أن أخضعت  لسياسة التتريك والتغريب  زمناً طويلاً .

لكن هذه الحادثة لا ينبغي لها أن تمر بسلام هكذا ، ولابد من استقرائها والاستفادة من الدروس العظيمة التي تحملها .

كم سرني أن يطلب العلماء الكرام مقاطعة الدولة الآثمة ، وكم أسعدني أن تستجيب الشعوب الإسلامية لنداء العلماء طوعاً ,  علماً أن أمر هؤلاء العلماء لا يكفل تنفيذه ترهيب ولا ترغيب. وهو مؤشر إيجابي ، فقد وعت أمتنا الدرس والتفت حول علمائها الذين أحبتهم ووثقت بهم .

وغيرت المرأة المسلمة أسس اختيارها لاحتياجاتها . المرأة التي أشغلوها وما زالوا يحاولون , وقصروا اهتمامها على زينتها ومطبخها ،  رفعت رأسها لتقول لهم إنها قبل أن تأخذ زينتها أمام مرآتها ــ  ولا رقيب عليها إلا الله تعالى ــ  فهي تقرا جيداً من أنتج هذه السلعة ومن أي شيء صنعت ؟ كانت الجودة هي خيارها أولا وهي خيارها آخرا , وهي الآن تستطيع أن تتنازل عن بعض شروطها ــ  إن لزمها الأمر ــ من أجل عقيدتها , وهي حين تهتم بمطبخها فأول ما تهتم به مصدر البضائع التي تستخدمها في مطبخها , وأنها حين تهز سرير طفلها لا تغيب عنها مسؤولية حملتها على عاتقها تجاه أمتها ،، وأمانة  عجزت عن حملها السموات والأرض والجبال .

والحق أن هذه القضية أعادت طرح أسئلة مهمة وهي ، لماذا تستورد كل هذه البضائع من الدانمرك ؟ حتى لو غضضنا الطرف عن قضية الإساءة إلى نبيينا صلى الله عليه وسلم ,  أعجزاً عن تصنيع الحليب والقشطة والزبدة ؟! أنقصاً في رؤوس الأموال ؟!   أم عدم توفر الأيدي العاملة ؟ ألا نستطيع أن نكفي أنفسنا  من هذه البضائع البسيطة ؟ هانحن قد استغنينا عن البضاعة الدانماركية  واستبدلناها بالبضائع المحلية ، فلماذا إذن كنا نستوردها ؟ ألسنا أحق بخيرات بلادنا ؟ وربما تمتد الأسئلة وتمتد  ، إلى متى سنظل نمارس ثقافة الاستهلاك ؟ متى سنتحول إلى مجتمع منتج ؟ وإلى متى سنستمر في هدر أموالنا وتصديرها طوعاً للخارج مقابل كماليات يمكننا الاستغناء عنها  أوتوفيرها محلياً ؟ ولا أخص البضائع الدانمركية في كلامي هذا بل الموضوع أكبر من ذلك بكثير , وإذا أردنا الوقوف على حقيقة الأمر , فليدخل كل واحد منا بيته ولينظر في مقتنياته , سنجد بكل تأكيد أشياء كثيرة يمكننا الاستغناء عنها ومعظمها مستوردة  وربما كانت مستوردة من بلاد تعادي ديننا وعقيدتنا , وربما كنا نعين أعداءنا من حيث لا ندري على توفير أثمان الأسلحة التي يوجهونها إلى صدورنا .

وسؤال مهم آخر أود طرحه  : أين رجال الأعمال المسلمون من هذا كله ؟ أما آن لهم أن يعملوا على استثمار أموالهم في خدمة قضاياهم الأساس ؟ لم لا يعملون على إنشاء مصانع تنتج لأبناء بلادهم ما يغنيهم عن الأغذية المستوردة , والتي نسمع كل يوم المزيد من إضرارها فهذه ترهق الكلى بما تحويه من أصباغ وهذه تسبب مشاكل معوية وتلك تحتوي مواد مسرطنة ؟!!

وبلادنا حباها الله بخيرات تغنيها عن هذا كله . وشعوبنا قد بلغت رشدها ووعت لما يحاك ضدها وأدركت أهدافها جيداً وعرفت طريقها بوضوح  ولا سلطة لمنظمة التجارة العالمية ولا لغيرها على خيار الشعوب مادام ولاؤها لله رب العالمين واتباعها لسنة خير المرسلين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم .